الأحد 24 نوفمبر 2024

السيسى مع سلمان فى الرياض من أجل الأمن القومى العربى

  • 28-4-2017 | 13:25

طباعة

إذا كان لقاء العقبة الشهر الماضى بين الرئيس السيسى والملك سلمان قد أنهى فتورا شاب العلاقات بين مصر والسعودية، ووضع حدا لتوتر أصاب هذه العلاقات، فإن لقاء الرياض بينهما الذى تم يوم الاثنين الماضى يضفى قدرا من الحيوية على علاقات البلدين، من خلال بعث الحياة فى الاتفاقات الموقعة بينهما، وتفعيل التنسيق المصرى السعودى تجاه كل القضايا الإقليمية والعالمية، خاصة تلك القضايا التى تستأثر باهتمام البلدين.

ويشى بذلك من جانب تشكيل الوفد المصرى الذى اصطحبه الرئيس السيسى معه فى زيارته إلى الرياض، تلك الزيارة التى تحدد لها قبل أن تتم أكثر من موعد وكان ثمة حرص من البلدين ألا ينتهى شهر أبريل إلا وقد تمت طبقًا لما اتفق عليه الرئيس السيسى والملك سلمان فى لقاء العقبة.. فإن الوفد المصرى لم يضم فقط وزير الخارجية ووزيرى الكهرباء والطاقة والتجارة والصناعة، وإنما ضم أيضًا رئيس المخابرات العامة المصرية مع قائد الحرس الجمهوري، بالإضافة بالطبع لرئيس ديوان رئاسة الجمهورية ومدير مكتب الرئيس.. ومن هذا التشكيل يمكن استنتاج نوعية القضايا والمسائل التى تمت مناقشتها خلال جلسة المباحثات التى تم إجراؤها بين الجانبين المصرى والسعودى فى الرياض.. أى إننا يمكننا القول أن هذه المباحثات لم تقتصر فقط كما قال قبلها وزير الخارجية المصرى سامح شكرى على تنمية وتقوية التعاون الثنائى بين كل من مصر والسعودية وأيضًا القضايا الإقليمية والعالمية التى تهم البلدين فى ظل إدارة أمريكية جديدة، وإنما شملت تبادلا أيضًا حول معلومات استخباراتية وتعاونهما فى هذا المجال المهم، خاصة فى مواجهة الإرهاب الذى طال معظم دول المنطقة، بل والعديد من دول العالم أيضًا.

ومن جانب آخر فإن مظاهر الترحيب التى تنطق بها صور استقبال الرئيس المصرى فى الرياض من قبل خادم الحرمين تشير هى الأخرى إلى أن السعودية كانت معنية ومهتمة بهذه الزيارة التى قام بها الرئيس السيسى للرياض وبهذا اللقاء الذى جمعه مع الملك سلمان، وبالتالى كانت السعودية مهتمة ومعنية بوضع حد للفتور الذى أصاب العلاقات بين البلدين، وتفعيل التنسيق المصرى السعودى تجاه كل القضايا العربية والإقليمية والدولية، خاصة وأن المنطقة تواجه تحديات خطيرة لا تقتصر فقط على إرهاب هو الأكثر وحشية من كل إرهاب سبق أن واجهته، وإنما تشمل أيضًا محاولات للتدخل فى شئوننا العربية لفرض الهيمنة عليها والتمدد لبعض القوى الإقليمية على حساب المصالح العربية والأمن القومى العربى، فستثمر ما تعيشه بعض الدول العربية من عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، كما تشمل أيضًا تحديات اقتصادية طالت الجميع يمكنها أن تؤثر بالسلب على الاستقرار المجتمعى حتى للدول العربية التى كانت تحتفظ باحتياطيات نقدية كبيرة، ولعلها مصادفة ملفتة للانتباه أن يصدر الملك سلمان عشية استقباله للرئيس السيسى مجموعة من القرارات تصدرتها إعادة كل البدلات التى كان يحصل عليها الموظفون والعاملون فى المملكة واضطرت الحكومة السعودية لإلغائها من قبل فى إطار تخفيض نفقاتها لمواجهة تداعيات الانخفاض فى الأسعار العالمية للنفط.. وإذا أردنا أن نلخص هذا الاهتمامالسعودى بتفعيل التنسيق المصرى السعودى فلن نجد أفضل مما ذكرته إحدى الصحف السعودية «عكاظ” حينما قالت تعقيبًا على زيارة الرئيس المصرى للرياض:

«لا غنى لمصر عن السعودية ولا غنى للسعودية عن مصر».. ولعل هذا ما كنا نسعى لتأكيده دوما للإخوة فى السعودية.. فإن السعودية تحتاج إلى مصر مثلما تحتاج مصر للسعودية.. وفى ظل توقف أو اضطراب التنسيق أو التعاون بين البلدين تضطرب أحوال المنطقة العربية كلها وتزداد محاولات اختراقها والتمدد الذى تقوم به قوى إقليمية فيها.. وقد جرب الأشقاء الاستعانة بآخرين ولكن ذلك لم يغنهم عن مصر كما تقول صحيفة عكاظ.

وقد جاءت التصريحات التى أدلى بها المتحدث باسم الرئاسة المصرية بعد المباحثات التى جرت بين وفدى البلدين فى الرياض لتعزز أيضًا ذلك الاستنتاج الذى يرى بأن زيارة الرئيس السيسى للرياض أفضت إلى تفعيل التنسيق المصرى السعودى تجاه كل القضايا الإقليمية والدولية، خاصة تلك التى تستأثر باهتمام البلدين.. فهو قد تحدث عن تعزيز التعاون والتضامن العربى وقطع الطريق على المساعى التى تستهدف بث الفرقة والانقسام بين الأشقاء، مع مجابهة كل محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، مع العمل على إنهاء الأزمات التى تمر بها عدد من دول المنطقة.. وهنا يمكننا تفسير مبادرة الملك سلمان بتوجيه الدعوة للرئيس السيسى لزيارة الرياض عندما التقيا بالعقبة، بل والاتفاق على أن تتم فى الشهر التالى، ويمكننا أيضا تفسير الحرص على ألا تتأخر هذه الزيارة وألا ينتهى شهر أبريل دون أن تتم، رغم أن هذا الشهر انشغلت فيه مصر بتفجيرى طنطا والإسكندرية، وكان جدول أعمال الرئيس السيسى مزدحمًا بدءًا بزيارة ليست قصيرة لواشنطن فى بداية هذا الشهر وحتى استقبال بابا الفاتيكان فى نهايته وقبله استقبال الرئيس الأوغندى وعدد من المسئولين الأجانب كان من بينهم وزير الدفاع الأمريكى.

وتفعيل التنسيق بين البلدين بعد إزالة التوتر الذى شاب علاقتهما فترة من الوقت لا يعنى بالطبع أن هدف هذا التنسيق هو التوصل إلى تطابق فى وجهات النظر بينهما، أو فرض وجهة نظر أى طرف على الطرف الآخر.. فلا تطابق تام وكامل حتى بين الأشقاء فى وجهات النظر.. وإنما المأمول والمستهدف هو التوصل إلى أكبر من مساحة من التوافق بينهم، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التى تهمهم.. ولعل ذلك ما حدث خلال المباحثات التى دارت بين الرئيس السيسى والملك سلمان ووفدى البلدين بخصوص سوريا واليمن وليبيا والتى يوجد فيها بعض التباين فى وجهات نظر البلدين، فى ظل حرص مصر على كيان الدولة الوطنية فى كل منهما جنبًا إلى جنب مع تحقيق طموحات شعوبها، مع رفض أى دور أو تواجد لأية تنظيمات تمارس العنف والإرهاب على أراضيها.. وقد أثبتت تجربة الأيام الصعبة التى مرت بها العلاقات المصرية السعودية أن مصر لا تقايض مواقفها المبدئية ببعض المصالح الخاصة.. أى أنه لم يكن مطروحًا على مائدة المباحثات بين وفدى البلدين رهن تفعيل اتفاقات التعاون الثنائى التى سبق تم أن إبرامها خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة فى العام الماضى باقتراب المواقف المصرية مع المواقف السعودية سواء فى سوريا أو اليمن.. ولعلنا نتذكر كيف أن المتحدث العسكرى السعودى قد اضطر لتصحيح أحد تصريحاته حول عرض مصرى لإرسال قوات برية إلى اليمن، وهو ما لم يحدث ليبين أن ذلك إسهام مصر بقوات برية كان يخص القوة العربية المشتركة وهو الاقتراح الذى تبناه الرئيس السيسى فى القمة العربية التى تمت فى شرم الشيخ وتعثر تنفيذه لعدم حماس الشقيقة السعودية له فى الوقت الراهن.. ولعلنا نتذكر أيضًا الموقف المصرى داخل مجلس الأمن المتعلق بالضربة العسكرية الأمريكية التى قامت بها واشنطن ضد إحدى القواعد الجوية التابعة للجيش السورى، وهو الموقف الذى اختلف عن موقف السعودية التى رحبت بهذه الضربة الأمريكية، بينما طالبت مصر بضرورة اتفاق كل من أمريكا وروسيا تحديدا على إنهاء الصراع الدائر فى سوريا والتى وصفها مندوبها فى مجلس الأمن بأنها حرب بالوكالة لإنهاء معاناة أو بالأصح مأساة الشعب السورى التى ألحقت به الكثير من الخسائر البشرية والمادية وتهدد وحدة أراضيه وكيان دولته الوطنية وجيشه الوطنى.

وهكذا البحث عن التوافق وليس التطابق كان هو الهدف فى الرياض خلال مباحثات الرئيس السيسى والملك سلمان.. والسعى لزيادة مساحة أو رقعة هذا التوافق.. والحرص على أن يستمر ويتواصل التنسيق بين البلدين للمحافظة على ما يتم التوصل إليه من توافق تجاه القضايا العربية ومن أجل حماية الأمن العربى ولضمان تحقيق النصر فى حرب الإرهاب التى تخوضها كل من مصر والسعودية ودول عربية أخرى، وحماية المنطقةالعربية من محاولات تمدد نفوذ بعض القوى الإقليمية التى وصلت إلى درجة تواجد قوات عسكرية لهذه القوى فى أراض عربية مثلما فعلت إيران فى سوريا وأيضا مثلما فعلت تركيا فى العراق.

ويرتبط الحرص على استقرار وتواصل التنسيق بين البلدين بحرص آخر على دعم التعاون الثنائى بين مصر والسعودية، خاصة أن هذا التعاون الثنائى يفيد البلدين معا، ويمثل ضرورة لهما فى ظل أوضاع سياسية واقتصادية تزيد من ضرورته.. فهناك إدارة أمريكية جديدة ترفع شعار (أمريكا أولًا) وتهتم أساسا - فى ظل عقلية رجل الأعمال التى يتمتع بها الرئيس الأمريكى الجديد - بالحصول على ثمن كبير مقابل كل موقف أمريكى مساند أو داعم لأية دولة أو قوة إقليمية.. وهناك أزمة اقتصادية عالمية طالت آثارها كل الدول العربية، حتى تلك الدول التى كانت تتصور أنها بمنأى عن المتاعب الاقتصادية.. وهناك أيضًا مخاطر وتهديدات وتحديات عالمية وإقليمية تفرض أن تتساند أهم قوتين عربيتين فى مواجهتهما، لأن هذا التساند سوف يسهم فى زيادة القوة الاقتصادية لكل من مصر والسعودية وهو ما سوف يسهم فى زيادة القوة الاستراتيجية لهما ولكل المنطقة العربية ويحميها من محاولات اختراقها والتدخل فى شئونها وبث الفرقة والانقسام فى المنطقة، وبالتالى يهدد الأمن القومى العربى كله.. بقى القول أن هذا التنسيق هو الوقاية الوحيدة مستقبلا عن إصابة علاقات البلدين من أى فتور أو توتر شابها خلال الفترة الماضية.. وهذا هو الدرس الأساسى لهذه الفترة.

    الاكثر قراءة