بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي بدأت
فعالياته في 25 من نوفمبر الجاري، وتستمر لمدة 16 يوم تحت شعار "حولوا العالم
إلى البرتقالي".
"تنشر الهلال اليوم"، عددًا من المقالات
الصحفية لمبدعات يُقدمن شهادتهن حول ما تتعرض له المرأة من أشكال عنف في المجتمعات
العربية.
الحرمان من الحرية.. عنف
في
الإعلان الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة
الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993. تم تعريف العنف ضد
المرأة بأنه أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس "النوع"، ويترتب عنه أو
يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو
النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من
الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
وبعيدا
عن الأرقام التي تخبرنا أن واحدة من بين ثلاثة نساء تتعرض لعنف جسدي أو جنسي خلال
حياتها، وأن في جائحة كورونا قد سُجلت زيادة في عدد الاتصالات للتبليغ عن العنف
المنزلي في عدد من البلدان وأن 71% من عمليات الاتجار بالبشر من النساء، لكننا
لا نعرف عددًا أو إحصائية بالفتيات اللاتي حرمن من حريتهن في اختيار تعليمهن أو
أماكن دراستهن بحجة الخوف عليهن.
وفقا
للتعريف الذي وضعته الأمم المتحدة في إعلانها أن الحرمان التعسفي من الحرية هو عنف
يمارس ضد المرأة.
أعرف
كثيرات تغيرت مسارات حياتهن بسبب الحرمان من الحرية، حرية في اختيار شريك الحياة،
حرية في اختيار التعليم، حرية في اختيار مكان الدراسة بسبب البعد الجغرافي داخل
القطر وليس خارجه واعتراض الأهل على المكان أو نوع الدراسة.
لا
أنكر على الأهل خوفهم على ابنتهم، لا أنكر القلق وقد تحولت المرأة في العقود
الأخيرة لمصدر قلق دائم ورعب، فلم تعد الشوارع آمنة ولا وسائل المواصلات، صارت أي
امرأة تسير وفي داخلها -هي نفسها- قلق من كل شيء، فقد تتعرض لمتحرش، أو مُتنمّر، وسوف
تقرأ اللافتات التي تُعلّق في الشوارع والمواصلات تبغي حجبها كأنها عيب أو سبة يجب
إخفاؤها.
أتفهم
الخوف مع تحولات المجتمع الغريبة في العقود الأخيرة، لكنني مع ذلك لا أستوعب فكرة
الحرمان من دراسة ما أحب لأنه غير مناسب للمرأة، أو لأن مكان الدراسة بعيد عن
إقامة الأسرة! أو للفقر وهذا موضوع أخر.
فالفقر
دفع بأحد الأباء بأن يزوج ابنته المتفوقة دراسيا مبكرا "نوع أخر من العنف"،
كان ذلك قبل بلوغها السن الرسمي بعقد عرفي ليتخلص من عبء مصروفاتها وكانت المفاجأة
أن تطلق الإبنة بعد شهور فيضطر لعقد زيجة رسمية بعد بلوغها السن القانوني ليحصل
على وثيقة طلاق لابنته التي كانت في المرحلة الثانوية!
الكثيرات
ممن أعرف وحرمن من حريتهن في اختيار دراستهن لمحت على وجوههن آيات الحسرة وفقدان
المستقبل، رأيت بعضهن يطمحن في أن تحقق بناتهن ما فشلن فيه؛ فإذا بالزوج هو الأخر
كالأهل سابقًا بلا أي اختلاف، سلسلة من القمع سببها الخوف.
تحديد
شكل الملبس وفرض شكل بعينه على الفتيات تحت سطوة الدين والعادات والتقاليد، كل هذا
حرمان تعسفي من الحرية وعنف ضد المرأة.
في
عقد التسعينيات في نهاية القرن العشرين وجهت رسائل تهديد لأسرة في مدينة صغيرة في
واحدة من محافظات الدلتا لفرض الحجاب على الإبنة التي كانت في المرحلة الإعدادية
أو الثانوية -لا أتذكر تحديدا-، وانتهى الأمر أن امتثل الأب والأم للتهديدات خوفًا
على ابنتهم من الأذى الذي قد يلحق بها، الابنة الأخرى مارست المدرسة - تحديدا - دورًا
في أن ترتدي الحجاب بفرضه زيًا مدرسيًا على غير رغبة منها.
وقبل
شهر من الآن في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لازالت الأمور كما هي
فقد تعرضت واحدة من الناشطات النسويات لمنع ابنتها من دخول المدرسة دون ارتداء
حجاب، بدعوى أنه الزي المدرسي، حينها وقفت الأم - التي تعرّضت في سبيل الدفاع عن
ابنتها - للكثير من التنمر عليها شخصيًا، ورفض الكثير من أولياء الأمور لموقفها بحجة
الحفاظ على بناتهن من الأم والابنة التي في نظرهن مختلفة عن تصورهم النمطي للفتاة،
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من التعليقات والمنشورات من مسئولة في
المدرسة ومعها مؤيديها تعليقات تعد إرهاب حقيقي ضد صغيرة وأمها؛ ومنذ أسابيع - لنفس
السبب – تعرضت الأم وابنتها لمحاولات تشويه، بغرض إرهابهما، بسبب تضفير الأخيرة لشعرها
بشكل معين، وصبغه وعدم ارتداءها الحجاب.
على
الجانب الآخر تجد بعض الأسر ترفض ارتداء فتياتهم للحجاب، بالمخالفة لرغباتهن، وعلى
الرغم من قلّة عدد هذه الأسر، إلا إنه في المجمل قمع حرية على مستوى اختيار الملبس
وطريقة الحياة.
هذا
الإجبار والتنمر والاتهام المباشر بالانحلال وسوء السلوك ما هو إلا إرهاب، وشكل من
أشكال العنف ضد المرأة لا يقل بشاعة عن فعل الختان الذي يتم في الكثير من القرى
والمدن الصغيرة حتى دون علم الفتاة بما سوف يحدث، وكان قديما يُمهد له كطقس عادي
وإجراء لابد منه لكل صغيرة، وواجب على المرأة تدفعه مبكرا.
التحرش
الجنسي بالمرأة في الشوارع، المواصلات، العمل ومحيط السكن، يعد عنفًا تتعرض له
المرأة باستمرار، فلم تعد هناك حرية للحركة، وأصبحت الكثيرات يسرن بحذر، ويعملن في
قلق؛ فكل شيء يقف بالمرصاد لحركتهن، وما أسهل إطلاق التهم والسباب، وإن فكرت إحداهن
أن تنطق بكلمة فهي مُلامة على طول الخط، لذلك نجد الكثيرات يصمتن أمام العنف الجسدي،
لأنهن بلا عائل، بلا مأوى، وفي حالة مقلق مستمر يترتب عليه هروبها هي وابنائها
جراء عنف رب الأسرة.
الحرمان
من التعليم ومن العمل مع زوج عنيف ثلاثية تشكل أذى جسدي ونفسي ليس للمرأة المُعنّفة
وحدها ولكن لأطفالها، لذا يواجهون المجتمع بنفسية معقدة، إما أن يعتاد الأطفال هذا
العنف ويمارسوه، وإما تتحول المسألة إلى خوف ورهبة من الحياة ومن الزواج ومن
الارتباط بشكل عام، وكأننا نصنع أجيالا مهتزة ضعيفة بالسكوت على العنف.
إن
تقبل البعض للعنف وصمتهم عليه، جعله أمرًا عاديًا لا غضاضة فيه لدى البعض، لذا أصبح
من يعترض عليه بالنسبة لهم
شخص غير مقبول، أو غريب عنهم. وهو ما جعلنا كمن يحفر على
الحجر بأظافره ليظفر بحقه في الحياة، وفي حريتنا في الاختيار أيا كانت عواقب هذا
الاختيار.