قالت هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إن بحث الدخل والانفاق هو أحد أهم الأبحاث الداعمة لقواعد البيانات الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بشكل منتظم منذ ما يزيد عن ستين عاماً، كأحد الاسهامات الثرية التي يقدمها الجهاز لتوفير المسوح الاحصائية وقواعد البيانات الشاملة والمتخصصة، التي تعزز جهود الدولة لتوفير قواعد البيانات على المستوى القومي وتطويرها، وذلك إلى جانب البحوث المجتمعية والبحوث الاستثنائية التي قام بها الجهاز في ظل ظروف الحالية غير المسبوقة التي تشهدها مصر والعالم في ظل جائحة كوفيد 19، والتي تستهدف دراسة وقياس تأثير الجائحة على الأسر المصرية وعلى الأحوال الاقتصادية والصحية بالمجتمع، وقد ساهمت هذه الدراسات والبحوث في تعزيز جهود الدولة لاتخاذ إجراءات استباقية ووضع خطة واضحة ومدروسة لمواجهة تداعيات الجائحة، والتي توازن بين الحفاظ على صحة المواطن وحمايته واستمرار عجلة النشاط الاقتصادي.
جاء ذلك خلال كلمتها اليوم الخميس بمؤتمر"إعلان نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك 2019/2020"، برعاية وحضور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، واللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، وعدد من الخبراء وممثلي الهيئات والمنظمات المحلية والدولية.
أضافت السعيد أن البحث يتضمن ثروة هائلة من البيانات التي تشخص الواقع، وتساعد على الاستهداف الجغرافي للفجوات التنموية، وتوجيه بوصلة جهود الدولة لمواجهة الفقر بمفهومه الواسع ومتعدد الأبعاد، كما يوفر بيانات محدّثة تفتح المجال للخبراء والباحثين للدراسة والتحليل المتخصص والمتعمق لمختلف القطاعات، لتقديم التوصيات والحلول التي تدعم جهود الدولة وسعيها لمعالجة المشكلات ولتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وأوضحت هالة السعيد أن بحث الدخل والانفاق والاستهلاك من الأبحاث ذات الأهمية الخاصة حيث نستطيع من خلاله أن نرصد متوسط وأنماط الإنفاق الاستهلاكي للأسرة والفرد طبقاً للخصائص الاجتماعية والديموجرافية والاقتصادية للسكان، وتوفير البيانات التي يتم الاعتماد عليها في قياس مستويات المعيشة للأسر والأفراد، وكذا إنشاء قواعد معلومات لقياس الفقر سواء كان فقر مادي أو فقر متعدد الأبعاد، وحساب متوسط الإنفاق الاستهلاكي السنوي للأسرة والفرد لكل بند من بنود الإنفاق، ودراسة العوامل المؤثرة عليه، والتعرف على التوزيع النسبي لإنفاق الأسرة على بنود الإنفاق المختلفـة واستخدامه كأوزان فى حساب الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الذى يعد مؤشرًا لقياس التضخم، بالإضافة إلى توفير البيانات اللازمة لإعداد الحسابات القومية ومنها جداول المدخلات والمخرجات والموازين السلعية، والتعرف على متوسط دخل الأسرة والفرد وفقاً لمصادر الدخل المختلفة.
تابعت السعيد أن كل هذه المؤشرات والبيانات التي يتضمنها البحث تمثل ركيزة أساسية للتخطيط التنموي وتوجيه جهود الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فهناك اهتمام بإتاحة هذه البيانات على نطاق واسع سواء للوزارات المعنية، والمؤسسات العلمية والبحثية المتخصصة في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، وفي الوقت ذاته تسعى الدولة لتعظيم الاستفادة من هذه البيانات في وضع البرامج والخطط التنفيذية التي تستهدف تحديد الفجوات التنموية وخفض معدلات الفقر وتحسين جودة الحياة للمواطن المصري، فتحظى هذه الأهداف بأولوية قصوى في خطط وبرامج العمل المرحلية التي تنفذها الدولة سواء في إطار رؤية مصر 2030، أو في إطار التطبيق الناجح للبرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأته الدولة اعتبارًا من نوفمبر 2016.
وأشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية خلال كلمتها إلى أنه بالرغم من صعوبة الظروف والتحديات التي فرضتها التداعيات غير المسبوقة لجائحة كوفيد 19، إلا إننا نشهد اليوم ومن خلال بحث هذا العام العديد من المؤشرات الايجابية، والتي تمثل دلائل مهمة نلمس من خلالها ثمار الجهود التي تبذلها الدولة المصرية في السنوات الاخيرة، مؤكدة انخفاض معدل الفقر لأول مرة منذ عام 1999 (انخفض إلى 29.7% مقارنة بـ 32.5% في عام 2017/2018)، حيث انخفضت نسبة الفقر في جميع المناطق وكان الانخفاض أكبر في ريف الوجه البحري بنسبة (4.73%) يليه ريف الوجه القبلي (3.79%)، كما يشير البحث إلى ارتفاع متوسط الدخل السنوي الصافي للأسرة على مستوى الجمهورية من 60.4 الف جنيه في عام 2017/2018 إلى 69.1 الف جنيه في عام 2019/2020 بنسبة زيادة حوالي 15%، وارتفع متـوسط الدخل السنوي للأسـرة في حضـر الجمهورية من 69.6 ألف جنيه سنوياً عام 2017 / 2018 إلى 80.9 ألف جنيه عام 2020/2019 بنسبة زيادة 16.3%، وارتفع متوسط الدخل السنوى للأسرة في ريف الجمهورية من 52.7 ألف جنيه سنوياً عام 2017 / 2018 إلى 59.7 ألف جنيه سنوياً عام 2020/2019 بنسبة زيادة قدرهـا 13.3%.
وقالت د. هالة السعيد إن هذا التحسن النسبي يؤكد أنه مع السعي لتحقيق الاصلاح الاقتصادي لم تغفل الدولة عن دورها الواجب في التخفيف من آثار إجراءات هذا الإصلاح على الفئات الأقل دخلاً، فقد تزامن مع جهود الحكومة لتطبيق البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تنفيذ حزمة واسعة من برامج الحماية الاجتماعية هي الأكبر في تاريخ مصر، حيث استهدفت الدولة زيادة الاستثمارات العامة في خطة العام المالي الحالي 20/2021 بنسبة 70% لتبلغ 595 مليار جنيه، ويتضمن ذلك توجيه استثمارات قدرها 47.1 مليار جنيه لتنمية محافظات الصعيد بزيادة قدرها 51% مقارنة بالعام السابق، مع اهتمام الحكومة بتطوير منظومة الحماية الاجتماعية ومد شبكات الأمان الاجتماعي، من خلال التوسع في عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة، والتوسع في تنفيذ مبادرتي "حياة كريمة" للقرى الاكثر احتياجاً، و"مراكب النجاة" باعتبارها أبرز الأدوات لتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية.
كما أشارت السعيد إلى أن من المؤشرات المهمة التي تضمنها البحث؛ زيادة نسبة الفقراء مع زيادة حجم الأسرة، فالأسر كبيرة العدد تكون أكثر عرضة للفقر، لذا تأتي هنا أهمية ضبط معدلات النمو السكاني، ومعالجة الاختلال بين معدل النمو السكاني وحجم الموارد، الذي يلتهم نتائج وثمار النمو المتحقق، بل ويهدد بمزيد من الضغوط والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، التي تؤدي إلى تراجع العائد من جهود التنمية، كما تزيد مع ذلك صعوبة مواجهة مشكلات البطالة والتفاوت في المؤشرات التنموية بين الأقاليم والمحافظات المختلفة، لذا تعمل الدولة على إدارة القضية السكنية من خلال ضبط النمو السكاني، والارتقاء بالخصائص السكانية كالتعليم، والصحة، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادي، والثقافة، وفي هذا الإطار تسعى الدولة لمواجهة هذا التحدي بوضع خطة شاملة لضبط معدلات النمو السكاني سيبدأ تنفيذها اعتبارًا من مطلع العام المقبل 2021 بالتعاون بين كل الوزارات والجهات المعنية.
وفي ختام كلمتها أكدت هالة السعيد أن التحسن النسبي والمؤشرات الإيجابية التي تضمنها بحث الدخل والإنفاق لهذا العام تشير إلى أن الدولة تسير على الطريق الصحيح، مما يدفع لمواصلة الجهود، فتحقيق التنمية الشاملة في ظل تزايد التحديات يتطلب سنوات من العمل الجاد والمتواصل والجهد الدؤوب يتعاون فيه كل شركاء التنمية من قطاع خاص ومجتمع مدني مع الحكومة، فالدولة المصرية لديها إرادة وخطة عمل واضحة تساندها وتدعمها إرادة سياسية لمواصلة الجهود واستكمال ما بدأته من خطوات لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.