يصادف اليوم 9 ديسمبر اليوم العالمي لمكافحة الفساد، ولم تتجاهل
السينما المصرية ظاهرة الفساد، حيث تتناول العديد من الأفلام السينمائية موضوع
"الفساد الاجتماعي" بقصص واقعية ومؤلمة وسط مجتمع تغلغل فيه الفساد كما
ينخر "السوس" قلب الخشب.
وكان للسينما دورًا تنويريًا إصلاحيًا من خلال رصد الفساد وتسليط
الضوء عليه.
وحينما يُعرض الفيلم السينمائي كصورة مضيئة في قاعة مظلمة يُنير
أذهان المشاهدين ويخاطب عقولهم ويمس قلوبهم ويستطيع أن يوضح لهم مواطن القصور والضعف في حياتهم اليومية، والتي قد تتحول إلى فساد مخفي أو ظاهر إذا بقيت مسكوتًا عنها.
كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحدًا، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل
الحيلة"، جملة صرخ بها النجم الراحل "أحمد زكي"، في آخر مشاهد
فيلمه "ضد الحكومة"، ليؤكد بها أن شاشة السينما كانت دومًا قناة شرعية
لمحاربة الفساد وتسليط الضوء على كافة أشكاله في المجتمع المصري، وذلك منذ عهد
"نجيب الريحاني"، الذي ناقش الفساد في فيلم "أبوحلموس"،
مرورًا بـ"طيور الظلام"، و"ضد الحكومة"، و"السادة
المرتشين" و"أهل القمة" وغيرها، وصولاً إلى "مولانا"،
الذي يناقش فساد رجال الدين.
وأفلام النجم "عادل إمام" كان لها نصيب كبير في
تناول قضايا الفساد؛ بدءًا من فيلم «طيور الظلام»، الذي ناقش ألاعيب السياسة وبعض
رجالها الذين لديهم القدرة على فعل أي شيء من أجل الوصول لمنصب سياسي، والاقتراب
من دائرة السلطة، ثم يأتي فيلم "الإرهاب والكباب" ليناقش الفوضى والفساد
الإداري المتفشي في المصالح الحكومية وسوء أحوال المواطنين بفضل تجاهل كل مسؤول لدوره،
وكذلك فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي جسد انحلالاً امتد إلى معظم شرائح
المجتمع.
فيلم "هى فوضى"، للفنان الراحل خالد صالح، كان من العلامات البارزة
التي قدمتها السينما المصرية، حيث تناول نوعًا آخر من الفساد أصاب بعض أمناء
الشرطة الذين سولت لهم أنفسهم تلقي الرشاوي ومص دماء المواطنين من أجل أهوائهم،
ليستكمل ذلك العمل السينمائي صورة رسّخها فيلم "واحد من الناس"، للفنان
كريم عبدالعزيز، الذي عرض فساد رجال الأعمال المتصلين بالسلطة وقدرتهم على دهس
غيرهم لنيل مرادهم في النهاية.
وأشار الكاتب الكبير "بشير الديك" إلى أن فيلم "ضد
الحكومة" للنجم الكبير "أحمد زكي"، وإخراج عاطف الطيب، كان من أعظم
الأفلام التي قدمها على مدار تاريخه الفني، حيث جاء موجهًا بشكل صريح ضد الفساد،
ويشير إلى دولة فاسدة تقتل أطفالها الصغار، كما طالب بمحاسبة المسؤولين ومعاقبتهم.
وأضاف الديك: "ناقشت في الفيلم الفساد بجرأة شديدة عندما
قلت (البلد فيها فساد للرُكب)، فنحن نحتاج قدرة على الرؤية والتحليل حتى نخرج من
الفيلم برسالة واضحة للجمهور.
وتابع: "في تاريخ السينما المصرية كان يناقش الفساد بصورة
واضحة، ولم يمنع من العرض أي أفلام من قديم الأزل سوى فيلم في السبعينات يتحدث عن
المراهقين، فالسينما طوال الوقت تتحدث عن مشاكل المجتمع المصري، ولكن عندما نتحدث
عن الفساد يجب أن نراعي ذلك الموضوع دراميًا من زاوية التصوير والإخراج".
وأكد المخرج على عبدالخالق، أن السينما تناولت الفساد بصور
وأشكال مختلفة بعرض فساد المهن المختلفة على الشاشات، ولكن مع ضرورة وضع خطوط
حمراء فى مناقشة القضايا، بينما كان هناك ابتعاد ملحوظ عن مناقشة الفساد في الـ10 سنوات الأخيرة.
وكان للمخرج الكبير الراحل سمير سيف رأيًا في هذه القضية، حيث قال: "ناقشت الدراما المصرية الفساد بصورة
واضحة من خلال الشاشات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وكان لكل فيلم شكل خاص في طرح قضيته مع اختلاف شكل المعالجة، فدائمًا نجد أن طرح موضوع الفساد متصل بمناخ
الحرية السائد في المجتمع، والمستوى الثقافي والحضاري للبلد".
وأضاف: "بقدر المستطاع ناقشت في أفلامي الفساد بصورة مباشرة،
خاصة مع الكاتب الكبير "وحيد حامد"، فكانت تظهر المواضيع بشكل أكثر
نضجًا، وتميزت بتحليل وتدقيق شديد، وفي الوقت ذاته يكون مغلفًا بقضية إنسانية حتى
يعيش الموضوع مهما مرت عليه السنوات ويظل حيًا، حدث ذلك في أكثر من فيلم بدءًا من "الغول"، الذي مُنع من العرض بسبب وجود مشهد اعتبرته الرقابة إسقاطًا على حادث اغتيال "السادات"، وأصبح الفيلم قضية رأى عام وعُرض أكثر من
مرة على رجال السياسة والصحافة، ولم يُجز إلا بعد عرضه على وزير الثقافة في ذلك
الوقت، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لم تؤثر في الفيلم، ثم مرورًا بفيلمي "الراقصة والسياسي" و"معالي الوزير" اللذين ناقشا
الفساد بصورة صريحة وواضحة ن بشكل أساسي على الاستهلاك الجماهيري أكثر من الفكرة،
فضلاً عن وجود قيود رقابية من الجهات المختلفة".