إيميلي ديكنسون.. شاعرة اعتزلت الحياة مغامرةً فيها
إيميلي ديكنسون، شاعرة أمريكية يُفترض أنها لم تلق التقدير الأدبي في حياتها، لكن تم إعادة الإعتبار لها فيما بعد، حيث تُعد مع والت وايتمان أهم الشعراء الأمريكيين في القرن التاسع عشر، كتبت ما يزيد عن 1700 قصيدة لم ينشر منها خلال فترة حياتها إلا 11 قصيدة فقط في بعض الصحف المحلية، وبأسماء مستعارة، وقد صُنفت ضمن أهم 26 كاتبا وكاتبة، غربيين عبر التاريخ.
ولدت إيميلي ديكنسون في مثل هذا اليوم، في العام 1830، في أمهرست "ماساشوستس" بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي الإبنة الوسطى لثلاثة أبناء من إحدى العائلات المحافظة والعريقة في نيوإنجلاند، كان لجدها دور في تأسيس جامعة إميرهست، أما والدها، فهو إدوارد ديكينسون، رجل الدولة والسياسي ذو النزعة الوطنية، أخيها أوستن تعلم في مدرسة القانون وعمل كمحام، تزوج سوزان جيلبرت التي كانت مقربة بشكل خاص من إميلي، أما أختها الشقيقة لافينيا فلقد عاشت في عزلة مماثلة لعزلة إميلي.
هكذا كانت حلقة العائلة، المكونة من الأخت والأخ وزوجته، الحلقة الأكثر إلهاما لملكات إيميلي الشعرية، بحسب رأي النقاد، فقد تلقت ديكنسون، الطالبة المتألقة، تعليمها في أكاديمية أمهرست، والتي تُعرف اليوم بكلية أمهرست، وذلك لسبع سنوات، والتحقت بعدها بمدرسة ماونت هوليووك للإناث لعام واحد.
وعلى الرغم من أن الأسباب الدقيقة وراء مغادرة ديكنسون النهائية للأكاديمية عام 1848، لا تزال غير معروفة، إلا أن هناك نظريات تقول بأن حالتها العاطفية الهشة من الممكن أن تكون لعبت دورا هاما "أو هذا هو السبب الفعلي حقا" في خروجها من المدرسة، حيث قرر والدها نتيجة لذلك إخراجها من المدرسة.
لم تنضم ديكنسون نهائيا لأية فئة أو كنيسة، حيث مضت بثبات ضد الأعراف الدينية المألوفة في ذلك الحين، وعندما كانت في الثامنة عشر، أقامت عائلتها صداقة مع محام شاب اسمه بنجامين فرانكلين نيوتن.
ووفقا لرسالة كتبتها ديكنسون بعد وفاة نيوتن: "فقد كان مع والدي قبل عامين من الذهاب إلى ووستر - لمتابعة دراسته، وكان يتواجد كثيرا في عائلتنا"، وعلى الرغم من أن علاقتهما ربما لم تكن رومانسية، فقد كان لنيوتن تأثير قوي على إيميلي، وأغرب ما في حياتها الممتلئة بالغموض، تواصلها مع جيرانها وأصدقائها، وذلك عن طريق الرسائل والخطابات فقط، وكان الشاعر الأميركي "أرشيبالد مكليش" قد وصف عزلة إيميلي في بيت أبيها وفي غرفتها الخاصة بأنها لم تكن هروبا من الحياة، بل مغامرة إلى قلب الحياة، ولعلنا نذكر جزءً من قصيدة لها عن الكلمة تقول فيها: "البعض يقول الكلمة تموت حال إطلاقها وأنا أقول حياتُها تبدأ".
كانت إيميلي ديكنسون تقضي وقت فراغها في دراسة علم النباتات، حتى أنها أقامت معشبا كبيرا، وبقيت على اتصال بالمراسلة مع عدد من الشخصيات، وإحدى صداقاتها كانت مع القاضي أوتيس فيليبس لورد، والتي يبدو أنها تطورت إلى علاقة عاطفية قبل وفاة لورد عام 1884.
كانت شقيقة إيميلي الصغرى، لافينيا نوركروس، هي التي اكتشفت أعمال الشاعرة، وبعد وفاة الفنانة، أصبحت أول مترجم وناشر لشعرها، حيث لعبت لافينيا دورا حيويا في حياة إيميلي، وكانت صديقتها، وحاميتها حتى آخر يوم في حياتها؛ فلم تكن الكاتبة تحبذ مشاركة نصوصها مع العالم وظلت حياتها الخاصة في حماية تامة، لكن معظم أعمالها تتحدث عن حب كامل لشخص ما، رجل أو امرأة، فلم تذكر الاسم قط.
ومن أعمال إيميلي ديكنسون: "طائر الأمل" و"جدول القلب"، وتوفيت في 15 مايو عام 1886 بمرض في الكلى، وبعد وفاتها تم اكتشاف قصائدها المختبئة والتي بلغت 1775 قصيدة، والتي انكب عليها الباحثين والكتاب لدراستها والاستفاده منها.