الأحد 28 ابريل 2024

د. نبيل فاروق يكتب: إرهاب

كنوزنا10-12-2020 | 20:07

الإرهاب‭ ‬مصطلح‭ ‬جديد‭، ‬بالنسبة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭، ‬فهى‭ ‬كلمة‭ ‬دخيلة‭ ‬على‭ ‬القاموس‭ ‬العربى‭، ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬لمفهومها‭، ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬القدامى‭، ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭، ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬حديث‭، ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولى‭، ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬تصريح‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الإرهاب‭، ‬الذى‭ ‬انطلق‭ ‬يسود‭ ‬أركان‭ ‬الأرض‭ ‬الأربعة‭، ‬فى‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭، ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬منذ‭ ‬ألفين‭ ‬وواحد‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


يومها‭ ‬شهدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الهجمات،‭ ‬نشأت‭ ‬عن‭ ‬تحويل‭ ‬أربع‭ ‬طائرات‭ ‬نقل‭ ‬تجارية‭ ‬مساراتها،‭ ‬وتم‭ ‬توجيهها‭ ‬لتصطدم‭ ‬بأهداف‭ ‬محددة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬نجحت‭ ‬ثلاث‭ ‬طائرت‭ ‬منها‭ ‬فى‭ ‬بلوغ‭ ‬هدفها،‭ ‬لتضرب‭ ‬برجى‭ ‬مركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمى‭ ‬فى‭ ‬منهاتن‭ ‬نيويورك،‭ ‬ومقر‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ (‬البنتاجون‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬ألفين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬وثلاثة‭ ‬وسبعون‭ ‬ضحية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬وعشرين‭ ‬مفقوداً،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬آلاف‭ ‬الجرحى‭ ‬والمصابين،‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬استنشاق‭ ‬الأبخرة‭ ‬والغازات‭ ‬السامة‭.. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬أطلقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ولأوَّل‭ ‬مرة،‭ ‬مصطلح‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬بالحرب‭ ‬على‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬طالبان،‭ ‬الذى‭ ‬صنعته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها،‭ ‬لإسقاط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتى‭ ‬أيضا،‭ ‬والحرب‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬والتى‭ ‬أسقطت‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬أيضاً‭.. ‬والواقع،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬واقعة‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬قد‭ ‬أشعلت‭ ‬فتيل‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والتى‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلا‭ ‬لتعاظم‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وانتشارها،‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬أساساً،‭ ‬وفى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬بعدها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تاريخ‭ ‬الإرهاب‭ ‬ليس‭ ‬بهذه‭ ‬الحداثة،‭ ‬وإنما‭ ‬قد‭ ‬يعود‭ ‬–‭ ‬تاريخياً‭ - ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬الميلادى،‭ ‬عندما‭ ‬شنت‭ ‬عصابات‭ ‬صهيونية‭ ‬يهودية‭ ‬عدة‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية،‭ ‬ضد‭ ‬أثرياء‭ ‬الرومان،‭ ‬وتضمَّنت‭ ‬عمليات‭ ‬اغتيال‭ ‬لكل‭ ‬المتعاونين‭ ‬معهم،‭ ‬وفى‭ ‬تاريخنا‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الخوارج،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬أوَّل‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية‭ ‬عربية‭ ‬معروفة‭..


 ‬والإرهاب‭ ‬فى‭ ‬مجمله،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬له‭ ‬أهداف‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬عالمياً،‭ ‬ولا‭ ‬ملزمة‭ ‬قانوناً،‭ ‬وحتى‭ ‬تعريف‭ ‬القانون‭ ‬الجنائى‭ ‬له‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬أعمال‭ ‬عنيفة،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والاضطراب‭ ‬فى‭ ‬المجتمعات،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬أوساط‭ ‬بعينها،‭ ‬كاستهداف‭ ‬أتباع‭ ‬ديانة‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬مؤيدى‭ ‬سياسة‭ ‬بعينها،‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬أهداف‭ ‬أيديولوجية،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع،‭ ‬عندما‭ ‬تستخدم‭ ‬الإرهاب‭ ‬استخداماً‭ ‬منهجياً،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬تدمير‭ ‬الشعوب‭ ‬إو‭ ‬إفشال‭ ‬الدول‭.. ‬وفى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬تم‭ ‬ضم‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬والحروب،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬إرهاب‭ ‬الدول،‭ ‬وفيه‭ ‬يتم‭ ‬عادة‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬تكنيكات‭ ‬مماثلة‭ ‬للإرهاب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أجهزة‭ ‬مخابرات‭ ‬عالمية،‭ ‬لفرض‭ ‬او‭ ‬استبدال‭ ‬واقع‭ ‬ما‭ ‬بواقع‭ ‬بديل،‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭.. ‬ولكن‭ ‬وجود‭ ‬التعقيدات‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية،‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬التعريفات‭ ‬مطاطة‭ ‬فى‭ ‬معظمها،‭ ‬وغامضة‭ ‬فى‭ ‬أغلبها،‭ ‬ومختلف‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬أكثرها،‭ ‬فالمسيحيون‭ ‬مثلاً‭ ‬عانوا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرَّفة،‭ ‬ويعانى‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬المثل،‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬أوروبا،‭ ‬وبعض‭ ‬الولايات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية،‭ ‬تحكمها‭ ‬الصراعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭.. ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬البحثية‭ ‬البحتة،‭ ‬يرجع‭ ‬الباحثون‭ ‬أسباب‭ ‬الإرهاب،‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬حب‭ ‬الإنسان‭ ‬للسيطرة،‭ ‬وشعوره‭ ‬بالقوة،‭ ‬مع‭ ‬زجر‭ ‬الناس‭ ‬وترويعهم،‭ ‬حتى‭ ‬يفوز‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬الفوز‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬الظروف‭ ‬العادية،‭ ‬ويتعارض‭ ‬مع‭ ‬المفاهيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة،‭ ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬وصف‭ ‬الباحثون‭ ‬الإرهاب،‭ ‬بأنه‭ ‬العنف‭ ‬المتعمَّد،‭ ‬الذى‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬جماعات‭ ‬غير‭ ‬حكومية،‭ ‬أو‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬عملاء‭ ‬سريون،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬سياسى‭ ‬بحت،‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬غير‭ ‬حربية،‭ ‬بغرض‭ ‬نشر‭ ‬الخوف‭ ‬والاضطراب،‭ ‬فى‭ ‬جموع‭ ‬الجماهير،‭ ‬ولو‭ ‬عدنا‭ ‬بالتاريخ‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬سنجد‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الأوَّل‭ ‬الميلادى،‭ ‬التى‭ ‬وجهت‭ ‬لأغنياء‭ ‬اليهود،‭ ‬المتعاونين‭ ‬مع‭ ‬المحتلين‭ ‬الرومان،‭ ‬فى‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وفى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬عشر،‭ ‬ظهرت‭ ‬جماعة‭ ‬الحشاشين،‭ ‬وهى‭ ‬طائفة‭ ‬إسماعيلية‭ ‬نزارية،‭ ‬انفصلت‭ ‬عن‭ ‬الفاطميين،‭ ‬فى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ - ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬الميلادى،‭ ‬لتدعوا‭ ‬إلى‭ ‬إمامة‭ ‬نزار‭ ‬المصطفى‭ ‬لدين‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬نسله،‭ ‬وأسسها‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬الصباح،‭ ‬فى‭ ‬فارس،‭ ‬ثم‭ ‬فى‭ ‬الشام،‭ ‬التى‭ ‬هاجر‭ ‬إليها‭ ‬بعضهم،‭ ‬واتخذ‭ ‬الحسن‭ ‬من‭ ‬قلعة‭ ‬الموت‭ ‬فى‭ ‬فارس‭ ‬مركزاً‭ ‬لنشر‭ ‬دعوته،‭ ‬وترسيخ‭ ‬لأركان‭ ‬دولته،‭ ‬واتخذت‭ ‬دولة‭ ‬الحشاشين‭ ‬من‭ ‬القلاع‭ ‬الحصينة‭ ‬فى‭ ‬قمم‭ ‬الجبال‭ ‬معاقلاً؛‭ ‬لنشر‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬النزارية‭ ‬فى‭ ‬إيران‭ ‬والشام،‭ ‬مما‭ ‬أكسبها‭ ‬عداوة‭ ‬شديدة‭ ‬مع‭ ‬الخلافتين‭ ‬العباسية‭ ‬والفاطمية،‭ ‬والسلطنات‭ ‬الكبرى‭ ‬التابعة‭ ‬لهما،‭ ‬مثل‭ ‬السلاجقة‭ ‬والخوارزميين‭ ‬والزنكيين‭ ‬والأيوبيين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصليبيين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬فى‭ ‬اسئصالهم‭ ‬أو‭ ‬تحجيمهم،‭ ‬طوال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية‭ ‬لهم‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الاغتيالات،‭ ‬التى‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬إرهابيون،‭ ‬يلقون‭ ‬الرعب،‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‭ ‬المعادين‭ ‬لهم،‭ ‬وتمكنوا‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الهامة‭ ‬جداً،‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬مثل‭ ‬الوزير‭ ‬السلجوكى‭ ‬نظام‭ ‬الملك،‭ ‬والخليفة‭ ‬العباسى‭ ‬المسترشد‭ ‬والراشد،‭ ‬وملك‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬كونراد،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬كلمة‭ (‬Assassin‭) ‬ أو المغتال‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬هى‭ ‬تحوير‭ ‬لاسم‭ ‬الحشاشين،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬رمزاً‭ ‬لكل‭ ‬الاغتيالات‭ ‬والعمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬فى‭ ‬زمنهم،‭ ‬حتى‭ ‬قضى‭ ‬عليهم‭ ‬المغول،‭ ‬بقيادة‭ ‬هولاكو‭ ‬فى‭ ‬فارس‭ ‬عام‭ ‬1256‭ ‬م،‭ ‬بعد‭ ‬مذبحة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وإحراق‭ ‬للقلاع‭ ‬والمكاتب‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬ثم‭ ‬قضى‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬الشام،‭ ‬عام‭ ‬1273م،‭ ‬لتندثر‭ ‬بذلك‭ ‬طائفة‭ ‬الحشاشين‭ ‬تاريخياً،‭ ‬ويبقى‭ ‬الإرهاب‭.. ‬وفى‭ ‬حقبة‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ (‬1789-1799م‭)‬،‭ ‬التى‭ ‬يصفها‭ ‬المؤرخون‭ ‬بفترة‭ ‬الرعب،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬صحبت‭ ‬هذا‭ ‬قاتلة‭ ‬وعنيفة،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬وصفها‭ ‬بإرهاب‭ ‬الدولة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يطل‭ ‬الرعب‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسى‭ ‬وحده،‭ ‬وإنما‭ ‬امتدَّ‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الطبقة‭ ‬الأرستقراطية،‭ ‬فى‭ ‬أوروبا‭ ‬كلها،‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬تمتد‭ ‬النزعة‭ ‬إليها‭.. ‬وفى‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬قد‭ ‬تطوَّر‭ ‬كثيراً،‭ ‬وصار‭ ‬أكثر‭ ‬عنفاً،‭ ‬وأكثر‭ ‬تنظيماً،‭ ‬ففى‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬نجد‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أعنف‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وأكثرها‭ ‬دموية،‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1946م،‭ ‬عندما‭ ‬نفذت‭ ‬بعض‭ ‬العصابات‭ ‬اليهودية‭ ‬عملية‭ ‬تفجير‭ ‬فندق‭ ‬الملك‭ ‬داود‭ ‬فى‭ ‬القدس،‭ ‬مستهدفة‭ ‬المندوب‭ ‬السامى‭ ‬البريطانى‭ ‬فى‭ ‬فلسطين،‭ ‬والثانية‭ ‬هى‭ ‬مذبحة‭ ‬دير‭ ‬ياسين‭ ‬وقانا،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1948م،‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬والتى‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬بوساطة‭ ‬العمليات‭ ‬الصهيونية‭ (‬هاجاناه‭).. ‬ومازالت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬تذكر‭ ‬حادثة‭ ‬الحرم‭ ‬المكى‭ ‬الشهيرة،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1979م،‭ ‬عندما‭ ‬اقتحم‭ ‬جهيمان‭ ‬العتيبى‭ ‬وجماعته‭ ‬الحرم‭ ‬المكى‭ ‬واحتلوه.


وفى‭ ‬مصر‭ ‬يستحيل‭ ‬نسيان‭ ‬أشهر‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1981م،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬جيشه،‭ ‬أثناء‭ ‬احتفالات‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بسبب‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭.. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1988م،‭ ‬اختطفت‭ ‬الطائرة‭ ‬الكويتية،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الكويتى،‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬تم‭ ‬تفجير‭ ‬طائرة‭ ‬بان‭ ‬آم‭ ‬فوق‭ ‬سماء‭ ‬لوكيربى‭ ‬الأسكتلندية‭.. ‬أما‭ ‬فى‭ ‬التسعينيات،‭ ‬فقد‭ ‬تصاعدت‭ ‬الوتيرة‭ ‬الإرهابية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ملحوظ،‭ ‬ففى‭ ‬عام‭ ‬1991م،‭ ‬تم‭ ‬شن‭ ‬عدة‭ ‬عمليات‭ ‬إرهابية،‭ ‬فى‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ (‬الفلبين‭)‬،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬جماعات،‭ ‬أشهرها‭ ‬جماعة‭ ‬أبو‭ ‬سياف‭.. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1995م،‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬إرهابية‭ ‬بشعة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بث‭ ‬غاز‭ ‬سام،‭ ‬فى‭ ‬محطة‭ ‬مترو‭ ‬أنفاق‭ ‬طوكيو،‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬تم‭ ‬تفجير‭ ‬أبراج‭ ‬الخبر‭ ‬فى‭ ‬الرياض،‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬بسبب‭ ‬الوجود‭ ‬الغربى،‭ ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1996م،‭ ‬حدثت‭ ‬تفجيرات‭ ‬مانشيستر،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجيش‭ ‬الجمهورى‭ ‬الأيرلندى‭.. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1997م‭ ‬حدثت‭ ‬مذبحة‭ ‬الأقصر،‭ ‬التى‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬الجماعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وراح‭ ‬ضحيتها‭ ‬عشرات‭ ‬السياح‭ ‬السويسريون،‭ ‬وكانت‭ ‬السبب‭ ‬فى‭ ‬إقالة‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية،‭ ‬وفى‭ ‬العام‭ ‬التالى‭ ‬1998م،‭ ‬أقدم‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬على‭ ‬تفجير‭ ‬سفارات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فى‭ ‬نيروبى‭ ‬ودار‭ ‬السلام‭.. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهى‭ ‬القرن،‭ ‬نفذ‭ ‬الشيشانيون‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭.. ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭ ‬بتفجيرات‭ ‬الحادى‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬وأعقبها‭ ‬فى‭ ‬2003م‭ ‬تفجيرات‭ ‬استهدفت‭ ‬مبنى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وضريح‭ ‬الإمام‭ ‬على،‭ ‬والزوار‭ ‬الشيعة‭ ‬فى‭ ‬العراق،‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬نفذ‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬عدة‭ ‬تفجيرات،‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ولم‭ ‬يمض‭ ‬عام،‭ ‬حتى‭ ‬قامت‭ ‬حركة‭ ‬وطن‭ ‬الباسك‭ ‬والحرية‭ (‬إينا‭) ‬بتفجيرات‭ ‬مدريد‭ ‬2004م،‭ ‬وفى‭ ‬العام‭ ‬الذى‭ ‬يليه‭ ‬2005م،‭ ‬حدثت‭ ‬تفجيرات‭ ‬لندن‭.. ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬هدوء،‭ ‬تبعها‭ ‬دوى‭ ‬هائل‭ ‬فى‭ ‬بغداد،‭ ‬أسفر‭ ‬عما‭ ‬يتجاوز‭ ‬المائة‭ ‬ضحية،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬استهداف‭ ‬كنيسة‭ ‬سيدة‭ ‬النجاة‭ ‬للسريان‭ ‬الكاثوليك،‭ ‬فى‭ ‬2010م‭.. ‬وفى‭ ‬2011م،‭ ‬قام‭ ‬النرويجى‭ ‬اندرس‭ ‬بهرج‭ ‬بريفيك،‭ ‬بتفجير‭ ‬سيارة‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬أوسلو،‭ ‬وإطلاق‭ ‬النار‭ ‬الجماعى،‭ ‬فى‭ ‬جزيرة‭ ‬أونايا،‭ ‬مما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬خمسة‭ ‬وخمسين‭ ‬ضحية،‭ ‬وإصابة‭ ‬151‭ ‬آخرين‭.. ‬ولقد‭ ‬أصدر‭ ‬أندرس‭ ‬بياناً‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬وخمسمائة‭ ‬صفحة،‭ ‬يذكر‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭ ‬صليبى‭ ‬مسيحى،‭ ‬وأن‭ ‬المهاجرين‭ ‬يدمرون‭ ‬القيم‭ ‬المسيحية‭ ‬التقليدية‭ ‬للنرويج‭ !!.. ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬2015م،‭ ‬حدثت‭ ‬هجمات‭ ‬باريس‭ ‬الإرهابية،‭ ‬التى‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬مائتى‭ ‬قتيل،‭ ‬وفى‭ ‬العام‭ ‬التالى‭ ‬2016م‭ ‬حدث‭ ‬هجوم‭ ‬نيس،‭ ‬الذى‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬قتل‭ ‬أربعة‭ ‬وثمانين‭ ‬شخصاً‭.. ‬أما‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬فمنذ‭ ‬سقوط‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان،‭ ‬فى‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬2013م،‭ ‬بدأت‭ ‬موجة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لا‭ ‬يكفى‭ ‬المقال‭ ‬كله‭ ‬لذكرها،‭ ‬ولكن‭ ‬أبشعها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬والذى‭ ‬يعد‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإرهاب‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬وطن‭ ‬له،‭ ‬هو‭ ‬حادثة‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬2017م،‭ ‬عندما‭ ‬استهدفت‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬مسجد‭ ‬الروضة،‭ ‬فى‭ ‬القرية‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬الاسم،‭ ‬والتى‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬العريش‭ ‬مسافة‭ ‬خمسين‭ ‬كيلو‭ ‬متراً،‭ ‬وتبعد‭ ‬عن‭ ‬بئر‭ ‬العبد‭ ‬قرابة‭ ‬أربعين‭ ‬كيلو‭ ‬متراً‭ ‬بمحافظة‭ ‬شمال‭ ‬سيناء،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬مجموعة‭ ‬إرهابية‭ ‬متطَّرفة،‭ ‬تبايع‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬داخل‭ ‬المسجد،‭ ‬فى‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬عشوائى،‭ ‬مما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬وخمسة‭ ‬قتيل،‭ ‬ومائة‭ ‬وثمانية‭ ‬وعشرين‭ ‬مصاباً،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أبشع‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬التى‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭.. 


‬ولأن‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬التى‭ ‬ترعى‭ ‬الإرهاب‭ ‬سراً،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬تبدى‭ ‬علناً،‭ ‬تريده‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬ويتواصل،‭ ‬فقد‭ ‬خلطت‭ ‬بين‭ ‬التمرَّد‭ ‬والإرهاب،‭ ‬إذ‭ ‬وصفت‭ ‬الإرهابيين‭ ‬بأنهم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭ ‬المشروعة،‭ ‬سواء‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬احتجاجية‭ ‬أو‭ ‬اعتراضية،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬المطالبة‭ ‬والمناشدة‭ ‬بإحداث‭ ‬التغيير،‭ ‬فلا‭ ‬تجد‭ ‬أمامها‭ ‬سوى‭ ‬الإرهاب‭ ‬وسيلة،‭ ‬لإيصال‭ ‬رأيها،‭ ‬وإسماع‭ ‬صوتها‭.. ‬وتلك‭ ‬الدول‭ ‬بهذا‭ ‬تمنح‭ ‬الإرهاب‭ ‬شرعية‭ ‬زائفة،‭ ‬متجاهلة‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المنطقى‭ ‬أن‭ ‬أختلف‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬حكم،‭ ‬فأسعى‭ ‬لقتل‭ ‬المحكومين‭.. ‬ولقد‭ ‬قال‭ ‬المفكر‭ ‬الراحل‭ ‬فرج‭ ‬فودة‭ ‬عن‭ ‬الإرهاب‭: ‬‮«‬إن‭ ‬انطلاق‭ ‬الكلاشينكوف،‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬عجز‭ ‬الحروف،‭ ‬وصوت‭ ‬الطلقات‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬عجز‭ ‬الكلمات‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬أيضاً‭: ‬‮«‬توجد‭ ‬ثلاث‭ ‬سبل‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وهى‭ ‬التعليم،‭ ‬ومواجهة‭ ‬المشكلة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية‮»‬‭.. 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa