الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

فن

حكايات النجيب.. فتوات الناجي الأشرار

  • 11-12-2020 | 16:24

طباعة

على الجانب الآخر من حكايات نجيب محفوظ الأسطورية حول الحرافيش، يقف عُتاة الشر الذين يستغرقون سنوات وعقود في تجبرهم، حتى تُفرز الحارة بطلها الذي يتصدى لكل هذ الظُلم ويُعيد الحق لأصحابه من جديد. هؤلاء بدورهم من أبناء الحارة، تدرجوا في سلك المظلومين حتى صاروا ظالمين وجبابرة، منهم من ليس له أصل يعتز به، وبعضهم من أبناء المؤسس الأول لأسطورة العدالة "عاشور الناجي"، الفتوة العملاق صاحب الحلم والنبوءة والنجاة، والذي صنعته حكايته أسطورة من العدل حلم بها الحرافيش حتى آخر عهد الفتونة.


درويش، الذي جاء في افتتاحية ملحمة الحرافيش كمثال للشر المطلق، ونموذج للشخصية ذات البعد الواحد، نشأ في البيت نفسه الذي تربى فيه عاشور نقيضه "درويش"، الذي جمعت شخصيته كافة المعاني الشيطانية، و هو شقيق الشيخ "عفرة زيدان"، الرجل الأعمى الذي استقبل عاشور وهو لا يزال رضيعًا مُلقى أمام التكية، فصار والده بالتبني.


نشأ درويش مُدللًا فاسدًا رغم محاولات أخيه الصالح لتربيته كما نجح مع ربيبه؛ إلا أن إيثار أخيه وزوجته للفتى اليتيم الذي كان عضدهما بدلًا منه، كان دافعًا ليكرهه، ويُلقي به في الشارع فور وفاة الشيخ عفرة، بعد أن فشل في إقناعه بمعاونته على السرقة. وكانت نجاة عاشور الأسطورية من الوباء تُقابلها نجاة أخرى لدرويش الذي دخل السجن؛ ويلتقي كلاهما بعد أن أصبح عاشور هو سيد الحارة، واستطاع أن يزج بعاشور في السجن، ليتولى الفتونة لفترة قصيرة حتى خروج عاشور. وكرمز آخر لاستمرار الصراع، اختفى درويش من الحارة فجأة وكأنه لم يكن.


هناك أيضًا "الفللي" الذي أحاط نفسه بعصابة كبيرة، انضم لها سماحة الناجي، ليعتبر أن انضمام واحدًا من أحفاد عاشور الناجي إلى رجاله طورًا جديدًا وأكبر انتصار له في الحارة كلها. هو شيطان ماكر، له ألف عين في الحارة، يسيطر عليها بقضبة من حديد ويضمن ولاء أتباعه، وكانت جلسة الغرزة هي ديوان ملكه، حيث كان يتربع على أريكته مُحاطًا برجاله حمودة ودجلة وعنتر وفريد الذين لا يترددون في تنفيذ أوامره.


 لم يأمن الفللي لحفيد الناجي، فرغم أنه كان ينادي سماحة بـ"سيد الكل"، كان في الوقت نفسه يحصي عليه أنفاسه؛ وعندما أراد  سماحة الزواج من مهلبية ابنة صباح كودية الزار، كان الفللي يجعلها الحبل الذي طوق به رقبته، بعد أن جعل الأم المسكينة تبوح له بسر هروبهما بعيدًا عن قبضته، فاختار توقيت هروب سماحة وحبيبته، وأرسل رجاله لقتل الفتاة ولصق به التهمة، ليحيا سماحة بقية حياته مُطاردًا، بعد أن شهد رجال الفللي أنه القاتل.


وعلى عكس حفيد الناجي الذي اشتهر بـ"المُطارد"، جاء حفيد آخر طاغية، لم يكن عملاقًا كجده، وتحالف مع آخرين لإسقاط أبيه الفتوة السابق؛ وخاض معارك تركت كلٌ منها نُدبة لا تُمحى، حتى صار يُعرف في الحارة بـ"سماحة ذو الوجه القبيح". وكان يتردد بين أريكة الفتونة والغرز وبيوت العاهرات، وتزوج من فتاة تنتمي هي الأخرى إلى سلالة الناجي واضعًا يده على جمالها وثروتها الكبيرة، فأصبح مديرًا لمحل الغلال الذي تملكه، ويُدير منه شئون الفتونة والتجارة.


أما "حسونة السبع"، آخر طُغاة حارة عاشور الناجي، فكان يخشى المؤامرات والدسائس، وطيلة الوقت كان يحتمي بأتباعه، واعتاد دومًا أن يأمر فيُطاع، وكان يستغل حتى أفقر الفقراء. وعرفته الحارة كالعاصفة التي تدمر في طريقها كل شيء، لم يكن يستثني في الظلم أحدا إلا من يدفع له أكثر، وكانت أحكامه تأتي حسب هواه دون أن يستشير أو يأخذ رأيًا إلا ويعلم جيدًا أنه يتفق مع هواه، وأغدق على تابعيه ورجاله الأموال والامتيازات، وعزلهم عن بقية أهل الحارة ومنعهم من الاختلاط بالناس، ولم ينس قط ثورة الحرافيش التي قادها فتح الباب على أخيه ذي الوجه القبيح، فكان أول ما فعل هو أن ابتعد عن الحرافيش مُحصنًا نفسه في أحد الأزقة. لم يكن السبع ذا شرف أو كلمه يركن إليها، ولكن جاءت نهايته هو الآخر على يد ثورة الحرافيش التي نظّمها عاشور الأخير، الذي كان يُشبه جده الأول حتى في جسده العملاق.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة