الجمعة 28 يونيو 2024

في ذكرى ميلاد مؤسس «دار الهلال»..نبيل محمود يكتب: جرجى زيدان ناقدًا فنيًا

فن14-12-2020 | 17:39

يعد جورجي زيدان علامة بارزة في الصحافة المصرية، وهو أحد رواد الصحافة في الوطن العربي، ولد زيدان لأسرة مسيحية فقيرة، كان له 5 اخوة، هم متري، واجيا، إلياس، يوسف وإبراهيم، عانت أسرته من الفقر وظروف صعبة، ربما مكنته لان يكون صامدا أمام عثرات الحياة في مستقبله، واستطاع أن يكون جورجي زيدان الذي لا يجهله أحد اليوم.

تنشر "الهلال اليوم" مقال الدكتور نبيل حنفى محمود:

بقلم الدكتور نبيل حنفى محمود

زهت اللغة العربية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وفى مطالع القرن العشرين ، بجمع من الكتاب الموسوعيين ، قل أن يجد المرء فريقاً منهم وليس جمعاً مثيلاً لجمعهم فى أى لغة من اللغات، وتأتى الموسوعية هنا على ضربين، يتبلور أولهما فى التصدى لتأليف الموسوعات والمعاجم ، ويتجلى ثانيهما فى اتساع الإحاطة بعلوم شتى والخوض فى غمار ما يتصل بها من قضايا، فمن كًتّاب الضرب الأول من الموسوعية نذكر كلاً من : أمين سامى باشا مؤلف موسوعة "تقويم النيل"، على باشا مبارك صاحب "الخطط التوفيقية الجديدة"، بطرس البستانى مصنف "دائرة معارف البستاني" و أحمد تيمور باشا الذى ألف أكثر من معجم أشهرها "معجم الأمثال العامية" ، ومن كتاب الضرب الثانى من الموسوعية، الذين يصعب على المتابع حصرهم، تبرز المجموعة التالية التى طبقت شهرتها الآفاق: جرجى زيدان، عباس محمود العقاد، أحمد فارس الشدياق، على مصطفى مشرفه وجبران خليل جبران، ومما لا شك فيه أم الأولين فى هذه المجموعة يعدان النموذج الأمثل للكاتب الموسوعى، حيث تنوعت اهتماماتهما لتشمل علوماً ومعارف شتى، وإن تميّز جرجى زيدان بسبق الريادة، ولعل أيامنا هذه التى ينعق فيها قوم بدعاوى التخلف والجمود والتكفير ، أحوج فترات تاريخنا إلى مناقشة قضايا النهضة والتحديث التى أثارها جرجى زيدان على صفحات "الهلال" قبل قرابة قرن وربع القرن، ومن تلك القضايا دور الفنون فى تكوين الإنسان الذى يتصدى لمهام النهضة والتحديث، لقد تعددت الفنون التى عالجها جرجى زيدان فى كتاباته، غير أنه يمكن حصرها فى أربعة فروع رئيسية على النحو التالى: الموسيقى والغناء، الفنون التشكيلية من رسم ونحت، المسرح - والسينما، والمقال الحالى يرصد إسهامات جرجى زيدان فى نقد هذه الفروع الأربعة وتعريف قراء عصره بجماليات هذه الفنون وأسرارها.

عن الغناء والموسيقي:

لعب الغناء، ومن ثم الموسيقى دوراً هاماً فى تثقيف المصريين خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، ذلك النصف الذى شهد عصر إحياء الغناء العربى على أيدى أعلام مدرسة الشيوخ فى الغناء المصرى، ومن هؤلاء الأعلام نذكر كلا من: محمد عبد الرحيم المسلوب، محمد عثمان، عبده الحامولى وسلامة حجازى، حيث ترددت أسماء هؤلاء الأعلام وألحانهم على ألسنة المصريين فى منتدياتهم وفيما شهدت مصر من مناسبات هامة ، وإلى جانب هؤلاء الأعلام وألحانهم.


وقدمت دار الأوبرا الملكية التي افتتحت في 1/11/1869م بالقاهرة العديد من الفرق الأجنبية التى عرضت نماذج وافية من الأوبرات العالمية، ليزدهر النقد الغنائى والموسيقى فى تلك الفترة، وتحفظ ذاكرة الأدب المصرى أسماء مؤلفات عدة اهتمت بجمع التراث الغنائى والموسيقى وتصنيفه وتوثيقه، ولتتردد أصداء ذلك على صفحات "الهلال" فى مقالات أفردها زيدان لتراجم المشاهير من المغنين والموسيقيين وللتعريف بالموسيقى وما يتصل بها من قضايا ومصطلحات، فمن التراجم التى قدمها لأعلام الغناء والموسيقى ترجمتين نشرهما بالعددين الثانى عشر والثامن عشر من السنة التاسعة لمجلة "الهلال"، وقد ظهر العددان فى الخامس عشر من شهرى مارس ويونيو فى عام 1901م، كانت الترجمة الأولى منهما للموسيقى الإيطالى الشهير جوزبى فردى، الذى وافته المنية فى 27/1/1901م، بينما اختص زيدان المطرب والملحن عبده الحامولى بالثانية من هاتين الترجمتين، وذلك بمناسبة وفاة الحامولى فى 12/5/1901م، وقد تنوعت القضايا المتصلة بالغناء والموسيقى التى طرحها زيدان فى بعض مقالاته بمجلة "الهلال"، ومنها حديثه عن أصل طريقة الغناء الحديث بمصر وعن الفرق بين الغنائين المصرى والتركى، لقد فتح جرجى زيدان بمقالاته عن أعلام الغناء والموسيقى وما يتصل بهما من قضايا ومصطلحات أبواب النقد الغنائى والموسيقى أمام أجيال جاءت بعده من متذوقى هذين الفنيين الجميلين ونقاده.


مع الفنون التشكيلية

يدرك قارئ "الهلال" منذ تقليبه فى الأعداد الأولى من المجلة، عمق إحاطة جرجى زيدان وإلمامه بالتاريخ، إن رجلاً واسع الإطلاع كزيدان فى جميع المعارف والعلوم، لا بد وأن يستلفت انتباهه ما حوته بعض الكتب والمخطوطات من صور ولوحات، ليبدأ بعد تأملها فى محاولة فهم دقائقها وأسرارها.


ويتضح لقارئ "الهلال" أن زيدان ترجم اهتماماته الأولى بالفنون التشكيلية بنشر بعض اللوحات والصور التى زينت بها بعض المصادر التاريخية، ومن ذلك احدى لوحات "الإلياذة" لهوميروس، وهى لوحة الحصان الخشبى الذى اصطنعه اليونان كخدعة للدخول إلى طروادة، وقد قدمه زيدان فى الصفحة رقم (527) من العددين السابع عشر والثامن عشر من السنة الحادية عشرة والصادرين فى 15/6/1903م، ومما يؤكد اهتمام زيدان بالصور واللوحات. أن أعداد "الهلال" الأولى تكاد لا تخلو من صورة أو لوحة، ليكتشف المقلب فى أعداد "الهلال" الأولى مظهراً آخر لاهتمام زيدان بفن الرسم، حيث دأب على تغطية أخبار ما يقام بمصر من معارض لهذا الفن، ومن ذلك ما أورده تحت عنوان "معرض الصور المصرى السابع" بباب "الحوادث المصرية" فى العدد الرابع عشر من السنة الخامسة والصادر فى 15/3/1897م، حيث تحدث عن زيارته لذلك المعرض بقوله: "زرنا هذا المعرض فى أوائل مارس الجارى، فرأيناه أقل زهواً مما كان عليه فى السنة الغابرة"، وأرجع زيدان قلة الإقبال على المعرض إلى ما لاقاه أصحاب صور المعرض السابق من ضعف الإقبال على اقتناء ما عرضوه فى العام الفائت من لوحات ، مما ترتب عليه أنهم: "لم يتكلفوا أنفسهم تصوير مثلها فى هذا العام (أى عام 1897م) مخافة أن يضيعوا أوقاتهم فيما لا يرجون منه فائدة معجلة".


لم تكن كتابات جرجى زيدان عن معارض الصور وصفاً وأخبارا كلها، وإنما عالج فيها أيضاً نقد ما حوته تلك المعارض من صور نقداً فنياً يكشف عن عمق ثقافته واتساع أفقه، ففى تحليله لما شاهد من لوحات فى معرض الصور المصرى السابع المشار إليه قبلاً، قسم زيدان ما حواه المعرض من صور أو لوحات زيتية إلى خمسة مجموعات هى: صور الأشخاص، صور الهيئات، المناظر الطبيعية، صور الفاكهة وصور تخيلية، فجاس بينها بعين تستملح الدقة والذوق وتستقبح المثالب والنقائض، فيقول عن إحدى صور الأشخاص التى تمثل أحد الباشوات أنها: "تمثل سعادة الباشا تمثيلاً عجيباً"، ويحكم على احدى صور الهيئات بقوله : "ويظهر للمتأمل فيها أن مصورها بارع فى تمثيل ألوان الوجوه أكثر من براعته فى تمثيل الثياب" ، ثم ناقش احدى صور الفاكهة بالمعرض وهى لغصن من نبات الصبار فيقول عنها الآتى: "يخال لك وأنت تنظر إليه أنك لا تستطيع لمسه لئلا يؤذيك شوكه"!!، وينتقل بعد ذلك إلى ما ضمه المعرض من لوحات رسمت بالألوان المائية، فيسرد أسماء مبدعيها ويقول عن إبداعاتهم ما يلى: "أما المائية فأحسنها صور كالى و فورشلا وفارلى وروسى وبينوتى وتشيريانى على تفاوت بينهم، وقد يحسن بعضهم فى شئ لا يحسن فيه الآخر".

يتبقى هنا من كتابات جرجى زيدان عن فن الرسم أو التصوير ما خطه من تراجم لأعلام هذا الفن من الغربيين، ومن هؤلاء الأعلام نذكر كلاً من: المصور الإيطالى الشهير رافائيل سانزيو (الهلال: العدد الأول، السنة السادسة، 1/9/1897م)، أعظم مصورى الإنجليز: السير يشوع رينولد (الهلال: السنة السادسة، العدد1 4،15/3/1898م) والمصور الإنجليزى : سدنى كوبر (الهلال : السنة العاشرة ، العدد 12 ، 15/3/1902م) ، فى تلك التراجم ... قدم زيدان إلى جانب أحداث حياة هؤلاء الأعلام قراءة نقدية لدارس متمكن من أدوات فن التصوير ، واستعان أيضاً بآراء الثقات من النقاد لجلاء بعض الأمور الفنية فيما يعرض على القارئ من أعمال هؤلاء الأعلام ، ومن ذلك ما نقله عن رأى لناقد يدعى الدكتور سبرنجر فى صورة "العائلة المقدسة تحت النخلة" لرفائيل ، وكان رأى الدكتور سبرنجر فى وصف الصورة كما يلى : "إن العذراء تتمثل للعين فيها (أى فى الصورة) بشراً سوياً لما أتقنه رافائيل من تلوينها ، حتى بات جمال صفائها ظاهراً للعين كأنه حقيقي" .

يعد النحت أهم ما عالج جرجى زيدان من فنون تشكيلية بعد الرسم أو التصوير فى كتاباته بمجلة "الهلال" ، ويجيء الدليل على ذلك من مقالة "قصور الكرملين" بالعدد الثانى عشر من السنة الثانية عشرة من "الهلال" والصادر فى 15/3/1904م ، وفيها يصف زيدان ما شاهده فى زيارته للكرملين من إبداعات النحت التى تتجلى فى بعض عناصر تلك القصور المعمارية ، مثل العمد والدعائم فى القاعات الكبرى بالقصور ، المصنوعة من الرخام والمنقوشة بماء الذهب ، ومنها أيضاً ما تتضمنه تلك القاعات من تماثيل من الفضة لقواد عظام مثل القائد برماك الذى فتح سيبريا ، ويمضى زيدان فى جولته داخل قصور الكرملين واصفاً ما حوته من آيات النحت الأخرى مثل العروش المرصعة بالأحجار الكريمة والعصى والحلى والثريات ، وهو فى وصفه ينظر إلى تلك التحف بعين الناقد الخبير ، التى تفرق بين الغث والثمين ، وهو ما جعله يكتب بعد ذلك عن "تزوير التحف القديمة" فى العدد السابع من السنة الرابعة عشرة من "الهلال" والصادر فى 1/4/1906م ، حيث روى القصة التالية عن تزوير تمثال فرعونى : "إن بعض كبار المزورين حمل الى احدى المتاحف الكبرى صنماً (تمثالاً) صغيراً مصنوعاً من الخشب صنعاً متقناً بما يطابق الآثار المصرية ، زعم أنه عثر عليه فى بعض المدافن القديمة بصعيد مصر ، فتناوله أصحاب المتحف وقد أعجبوا بدقة صنعه ، وسألوا صاحبه عن قيمته فطلب ثمناً غالياً جداً ، فاستمهلوه لإتمام البحث وأخذوا فى درسه ، وكادوا يقرون على ابتياعه" ، ويمضى زيدان فى رواية القصة ليطلع قارئه أن تزوير التمثال اكتشف بتحديد نوع الخشب الذى صنع منه ، وهو خشب أشجار لا تنمو إلا فى أمريكا ! ، ثم ينتقل زيدان بعد ذلك فى مقالة "تزوير التحف القديمة" إلى حادث الخزفيات المزورة التى انتشرت بلندن فى عام 1872م على أنها من آثار بلاد مؤاب (فى الأردن) والتى تعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف من الأعوام ، ويبسط زيدان لقارئه مراحل تزوير تلك الخزفيات بأسلوب من يجيد صناعة الخزف ويحترفها ، ويرشد قارئه إلى دقائق صناعة الخزف وكأنه من مهرة الخزافين.

فى المسرح

اتسمت كتابات جرجى زيدان عن المسرح بالغزارة وتنوع المقاصد ، حتى لتعد سجلاً للنهضة المسرحية التى شهدها ذلك العصر، هذا وقد رصد زيدان فى كتاباته عن المسرح أموراً عدة منها الفرق المسرحية العاملة فى عصره، المواسم المسرحية لتلك الفرق وما تضمنته تلك المواسم من مسرحيات ، وذلك بالإضافة إلى تقييمه للمسرحيات وأداء ممثليها ورأى الجمهور، ونظراً لما هو متاح من مساحة لهذا المقال، فإن الفقرة التالية سوف تتضمن ما سجله زيدان فى "الهلال" عن الموسم المسرحى 1896 / 1897م، من مشاهدات ورصد ونقد لما جرى تمثيله فى ذلك الموسم من مسرحيات.

تحدث جرجى زيدان فى باب "تاريخ الشهر" بالعدد الأول من السنة الخامسة والصادر فى 1/9/1896م عن فرقتين مسرحيتين ، أولاهما هى فرقة "شركة التمثيل الأدبي" بالإسكندرية ، والتى مثلت كما ذكر زيدان فى أوائل أغسطس من نفس العام (1896م) رواية "أوتيلو" ، وقدمت فى الأيام الأخيرة من نفس الشهر رواية "السيد" ، وأما الفرقة الثانية فهى فرقة "جمعية الابتهاج الأدبي" ومقرها أيضاً فى مدينة الإسكندرية ، وقد اثبت زيدان فى باب "تاريخ الشهر" المشار إليه قبلاً أنها مثلت فى الحادى والعشرين من شهر أغسطس (1896م) رواية "هملت" الشهيرة، لم يشر زيدان فى حديثه عن الفرقتين السابقتين إلى أماكن ما قدمتا من عروض مسرحية ، حيث اكتفى بالحديث عن إجادة الممثلين وإعجاب الحضور واستحسانهم أداء الفرقتين ، ثم جاء الخبر التالى عن الفرق المسرحية وعروضها بعد ثلاثة أشهر فى باب "تاريخ الشهر" أيضاً بالعدد الرابع من السنة الخامسة والصادر فى 15/10/1896م ، حيث نوه زيدان عن تقديم فرقة "شركة التمثيل الأدبي" فى الأول من أكتوبر رواية "الظلوم" الشهيرة فى (المرسح) العباسى بالإسكندرية ،و(المرسح) هو الاسم الذى كان يطلق فى تلك الآونة على المسرح بمفهومه المعروف لنا الآن، وفى باب "تاريخ الشهر" بالعدد الخامس الصادر فى 1/11/1896م أثبت زيدان أن "جمعية الترقى الأدبي" بالإسكندرية مثلت فى مساء السادس والعشرين من أكتوبر رواية "أفنان الطرب" ، وبانقضاء شهرين ... كتب زيدان فى العدد السابع من السنة الخامسة من "الهلال" عن رواية "صلاح الدين" التى قدمتها فرقة "شركة التمثيل الأدبي" فى (المرسح) العباسى بالإسكندرية فى السادس عشر من شهر نوفمبر ، وبعد عددين آخرين ... يسجل زيدان فى باب "تاريخ الشهر" بالعدد التاسع من "الهلال" والصادر فى 1/1/1897م عدة مسرحيات تم تقديمها أو يجرى الاستعداد لتمثيلها ، والمسرحيات التى قدمت منها مسرحية "أندورماك" التى قدمتها فرقة "شركة التمثيل الأدبي" بالإسكندرية فى مساء 22/12/1896م ، وذلك بالإضافة على عدة مسرحيات قدمها "جوق مصر العربي" برئاسة إسكندر فرح فى القاهرة ، والجوق فى اللغة هو الجماعة من الناس ، ومن المسرحيات التى نبه زيدان إلى قرب تمثيلها خلال شهر يناير 1897م ... مسرحية :مجنون ليلي" التى تزمع تمثيلها فرقة "جمعية الترقى الأدبي" بالإسكندرية.


وأشار زيدان إلى أن (مرسح) القرداحى بالإسكندرية سوف يشهد العرض المنتظر للمسرحية ، وفيما تبقى من الفقرة الحالية .... نقدم بيان ما تضمنته بقية أعداد السنة الخامسة من "الهلال" من عروض مسرحية رصدها زيدان ، وسوف يتضمن هذا البيان اسم الفرقة المسرحية واسم المسرحية ورقم عدد "الهلال" الذى أثبت فيه زيدان ذلك العرض المسرحى : (شركة التمثيل الأدبى بالإسكندرية: مسرحية "روميو وجوليت"، العدد11)، (شركة التمثيل الأدبى بالإسكندرية: مسرحية "عاقبة الغدر" ، العدد13) -(جمعية الابتهاج الأدبى بالإسكندرية : مسرحية "القائد المغربي" ومسرحية "الصياد" ، العدد 13) و(شركة التمثيل الأدبى بالإسكندرية : مسرحية "مرجريت"، العدد19).


بالرغم من أن حديث جرجى زيدان عن المسرح فى أعداد "الهلال يمكن أن يراه البعض بعيداً بعض الشئ عن النقد المسرحى بمفهوم عصرنا الحالى، إلا أن ما تضمنته الأخبار التى أثبتها زيدان عن الفرق المسرحية لذلك العصر من معلومات قليلة ، تمثل فصلاً هاماً من تاريخ المسرح المصرى والعربى ، ومن تلك المعلومات القليلة عدد ما قدم فى ذلك الموسم المسرحى من مسرحيات ، وهو وطبقاً لما هو مثبت قبلاً ثلاثة عشر مسرحية بالإضافة إلى المسرحيات التى قدمها "جوق مصر العربي" فى القاهرة ولم يفصح زيدان عن عددها ، ويأتى ثانياً فى تلك المعلومات أن أغلب تلك المسرحيات قدمت فى الإسكندرية ، مما يستدل منه على ما كان للإسكندرية، فى ذلك العصر-من مكانة حضارية وثقافية ، ويأتى بعد ذلك من تلك المعلومات أن ذلك العدد من المسرحيات قدمته أربعة فرق مسرحية هى : شركة التمثيل الأدبى، جمعية الابتهاج الأدبى، جمعية الترقى الأدبى و جوق مصر العربى ، وبينما كانت الفرقة الرابعة تقدم عروضها على مسرح بشارع عبد العزيز بالقاهرة ، فإن الفرق الثلاث الأولى قدمت عروضها فى الإسكندرية ، وبما يؤكد على الدور الهام الذى لعبته الإسكندرية فى نشأة المسرح وتطوره ، ويتبقى هنا حديث قصير حول كتابات زيدان عن المسرح ، فمن تلك الكتابات ما يمكن أن يصنف كنقد مسرحى ، ومنها: وعلى سبيل المثال: مقال "التمثيل العربى بمصر" ، الذى نشر بالصفحتين 251 و 252 بالعدد الرابع من السنة الرابعة عشرة والصادر فى 1/1/1906م ، فى ذلك المقال نقد زيدان بعض ما كانت تقدمه الفرق المسرحية من روايات ، وذلك فى معرض إشادته بما مثلته فرقة إسكندر فرح من روايات ، فتحدث أولاً عن إعراض الجمهور عن أحداث بعض المسرحيات فقال : " تعودنا أن لا نرى من الحضور التفاتاً إلى غير الغناء ، وقلما رأيناهم يبالون بالتمثيل من حيث هو ، حتى تبادر إلى اعتقادنا أن الشرقيين لا يفقهون معنى التمثيل باعتبار الغرض الأصلى المراد منه ، وأنهم إنما يتوافدون إلى (المراسح) لسماع الغناء" ، وأشار بعد ذلك إلى أسباب نجاح مسرحيات فرقة اسكندر فرج ... فقال عنها ما يلى : "تبين لنا أن معظم الذنب فى ما مضى (يعنى انصراف الجمهور عن الأحداث المسرحية والإقبال فقط على ما تتضمنه بعض المسرحيات من غناء) للأجواق وليس للشعب ، وأنك إذا أتقنت التمثيل حتى يسترعى السمع ويستلفت الانتباه ، آنست من الحضور إصغاءً وقرأت فى وجوههم اهتماماً بما يرونه"، بتلك الكلمات .. عرف زيدان الخط الفاصل بين نجاح العمل المسرحى وسقوطه.

التبشير بالفن السابع

يمكن القول بأن ما سطره جرجى زيدان فى "الهلال" من مقالات عن السينما، أو "السينماتوغراف" بمصطلحات عصره، يحتمل تفسيراً من اثنين، أولهما أن ذلك جاء من قبيل اهتمامه بالعلم ، ذلك الاهتمام الذى يدرك قارئ "الهلال" منذ أعداده الأولى أنه كان عظيماً ، بينما يتمثل ثانيهما فى التبشير بفن جديد، ويستمد التفسير الأول مبرراته مما ساقه زيدان فى أعداد "الهلال" من أخبار عن التقنية الجديدة وتطورها ، فمن المعروف أن أول عرض سينمائى بمصر جرى فى إحدى قاعات طوسون باشا بالإسكندرية فى 5/11/1896م ، وها هو جرجى زيدان يكتب تحت عنوان "معرض الصور المتحركة" بالعدد الثامن من السنة الخامسة لمجلة "الهلال" الصادر فى 15/12/1896م الآتى: "فى القاهرة شركة إفرنجية لها محل بالأزبكية قرب التلغراف المصرى ، تعرض فيه صوراً تظهر للناظرين أنها تتحرك حركة طبيعية ، وقد تقاطر الناس لمشاهدتها" ، ومن المعروف تاريخياً أن أول عرض سينمائى قدم بالقاهرة فى حمام شنيدر بعمارة حليم باشا بالقرب من فندق شبرد القديم فى 28/11/1896م (أحمد الحضري: تاريخ السينما فى مصر ، الجزء الأول ، ص ص 18-26) ، ويبسط زيدان فى مقال "الصور المتحركة" الذى جاء بالعدد الثانى عشر من السنة الخامسة من "الهلال" والصادر فى 15/2/1897م ، يبسط أمام القارئ المبادئ والأفكار الأساسية لتعليل الصور المتحركة وكيفية اصطناعها ، ويرفق زيدان بمقاله صورة تبين أجزاء آلة الصور المتحركة وتعين القارئ على فهم مبادئ التقنية الجديدة ، ويبشر زيدان فى ختام مقالة بقرب ظهور الصور المتحركة الناطقة، ثم أعاد تذكير قراء "الهلال" بقرب ميلاد السينما الناطقة ، وذلك فى باب "أخبار علمية" بالصفحة رقم 564 بالعدد التاسع من السنة الرابعة عشرة والصادر فى 1/6/1906م ، حيث ذكر فى ختام حديثه تحت عنوان «السينما توغراف» بالباب المشار إليه قبلاً ... أن الألمان يعكفون آنذاك على صنع على آلة يظن أنها تفى بغرض نطق الصور المتحركة، ويعد مقال «السينما توغراف والعلم» الذى قدمه زيدان فى عدد يونيو 1914م من «الهلال»، وهو آخر ما كتب زيدان قبل رحيله فى 21/8/1914م ، يعد أبلغ مثال على صحة القول بأن حديث زيدان عن السينما يجيء من باب الاهتمام بالعلم، حيث استعرض فيه ما حققته السينما من طفرات علمية، ومن ذلك عرض صور كريات الدم الحمراء والبيضاء على الدارسين بعد تكبيرها إلى ما بين 20000 و 50000 ضعف الحجم الحقيقى، ومما تحقق من إنجازات علمية عن طريق السينما ... إمكانية دراسة حركة أجنحة الحشرات عند الطيران واهتزازات الأوتار الصوتية، وأما فيما يختص بالتبشير بفن جديد كتفسير ثان لاهتمام زيدان بالسينما ، فإن ذلك يظهر فيما وصف به زيدان ما شاهده فى العروض السينمائية الأولى من مشاهد، حتى ليخال القارئ أن بعداً درامياً ينتظم ذلك الوصف ، وكأنه قصة أو رواية تتابع أحداثها.

الدلالة

مما لا شك فيه أن هناك ثمة دلالة لاهتمام جرجى زيدان بالفنون ومن ثم الكتابة عنها ، وتنحصر هذه الدلالة فى المهام المشتركة لكل من العلوم والفنون فى بناء الإنسان العصرى المتحضر.