الإثنين 29 ابريل 2024

فى ذكرى ميلاد جرجى زيدان.. لماذا امتنع أهله عن دفنه بعد مراسم الجنازة؟

كنوزنا14-12-2020 | 18:59

رحل من عالمنا عن عمر يناهز 53 عامًا الكاتب والروائى جرجى زيدان مؤسس دار الهلال، ذلك المكافح الذى غيّر مساره من دراسة وامتهان الطب لتكون الصحافة والكتابة هى غايته ووسيلته من خلال مجلة الهلال التى انتشرت بشكل لم يسبق له مثيل فى ربوع مصر والوطن العربى وكل بلد تتحدث العربية، واتسمت كتاباته بالبساطة فى استخدام المفردات والتراكيب ليفهمها القراء على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم، وهو أيضا أول من استخدم الرواية لسرد التاريخ، وحسب ما جاء فى مجلة الهلال عدد أكتوبر 1914 أى بعد رحيله بأكثر من شهرين، أن زيدان استخدم الرواية لترغيب القراء فى حب التاريخ بعكس إسكندر دوماس الذى كان يستعير الحوادث التاريخية ترويجًا لرواياته.. ومن خلال نفس العدد نلقى الضوء على بعض من صفات جرجى زيدان وبعض الصعوبات التى واجهته ككاتب ثم الساعة الأخيرة فى حياته والمفاجأة التى واجهها أهله بعد مراسم جنازته.

 

وفى مقال من إحدى عشر صفحة حملت الصفحات الخمس الأولى منه جزء من مذكرات جرجى زيدان، توضح ميلاده ونشأته ولهفته على العلم برغم العقبات الأسرية التى جعلته مساعدا لوالده فى طفولته، وكنا قد سردناها بالتفصيل فى ذكرى رحيله فى يوليو الماضى، واليوم نستكمل ما جاء بالمقال حيث يؤكد كاتبه وهو على الأرجح شقيقه مترى أن جرجى كان ممتلئ الجسم أسمر الوجه متوقد العينين، تظهر عليه ملامح الصحة والنشاط.

 

كان بسيطًا فى جميع أعماله، صادقًا وثابتًا ولطيف الحديث مع الناس، لا يأنف من مجالسة من هم دونه ولا يراه أحدًا إلا والبشاشة تملأ وجهه، ولا يلتفت إلى ما يقال عنه فى معرض الذم، فكثيرًا ما كانت تنشر الانتقادات المرة على مؤلفاته، فلا يجيب عليها فى الغالب، وإن أجاب فبجمل بسيطة تشف نفس كبيرة وخلق رضى، ومنها رده فى المجلد العشرين من الهلال صفحة 562 على قارئ بعث له يسأله عن الانتقادات المنشورة فى بعض الصحف على مؤلفاته، فأجاب: "ولا جواب عندنا على المطاعن غير المواظبة على العمل الذى وقفنا له حياتنا بما يطمئن له ضميرنا.. لا يهمنا إلا رضى القراء ونخبة الأدباء وخاصة العلماء".

 

أما عن الضجة التى حدثت عندما تم اختياره أستاذًا لتاريخ الأمم الإسلامية بالجامعة المصرية، ثم عدول الجامعة عن إسناد الدور إليه، فكان رده بسيطًا فى المجلد 19 من الهلال صفحة 117 تحت عنوان "نحن والجامعة المصرية"، حيث شرح كيف طلبت منه الجامعة أن يلقى فيها الدروس وموافقته كانت حبا فى خدمة أبناء اللغة العربية.

 

جاء فى الصفحة العاشرة من المقال وصف الساعات الأخيرة فى حياة جرجى زيدان، مع وصف مراسم الجنازة التى ننفرد بنشرها مع البلبلة التى حدثت لأهله بعد صلاة الجنازة فى الكنيسة، فقال الكاتب فى مساء 21 أغسطس عند الساعة الحادية عشرة مساء وافته المنية بغتة ، ولم يكن يشكو على ولا أصيب بمرض، وما هى إلا دقيقة شهق فيها الفقيد شهقة أقامت أهل البيت مذعورين حتى فاضت روحه إلى خالقها، ومع ذياع نعيه أقبل الأصدقاء والأدباء والأعيان والعلماء إلى بيته فى القاهرة، وتقاطرت الرسائل وبرقيات التعازى من محبيه.

 

وكانت جنازته تعد احتفالا يليق بقدره، فسار موكب الجنازة من منزله بشارع الظاهر يتقدمه رجال البوليس الفرسان والمشاة وحملة الأكاليل الكثيرة التى أرسلها الأصدقاء ولفيف الكهنة الأرثوذكس وبساطا الرحمة يحملها ثمانية من الوجهاء، ومركبة النعش يجرها ستة من الجياد، ثم نجلا الفقيد وإخوته وأصدقاؤه وجمهور المشيعين يتقدمهم أحمد حشمت باشا، وساروا على هذا النمط حتى ساحة الأوبرا حيث ركبوا السيارات وساروا إلى مقابر مصر العتيقة.

 

وبعد أن أقيمت صلاة الجنازة فى الكنيسة لاحظ أهله أن علامات الموت لا تبدو على وجه الفقيد، بل صارت علامات الحياة أظهر فيه مما كانت فى الصباح، ففحصه الأطباء وقالوا أن كل الدلائل تدل على حدوث الموت، لكن أهله ظلوا مرتابين، فعدلوا عن دفنه واتفقوا على بقائه إلى الصباح.. ومع الصباح خاب أملهم الضعيف فدفنوا فقيدهم.

 

بقى أن نصحح الخطأ الوارد فى المقال بالنسبة لتاريخ الوفاة، فقد رحل جرجى زيدان فى ليلة الثلاثاء 21 يوليو 1914 وليس فى 21 أغسطس.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa