الجمعة 27 سبتمبر 2024

الفيلسوف «سينيكا».. الذي أجبره نيرون على الانتحار

فن15-12-2020 | 20:53

لوكيوس أنّايوس سينيك، الشهير بالفيلسوف "سينيكا"، كان أبرز الفلاسفة الذين ظهروا في فترة ازدهار الإمبراطورية الرومانية، أقام مدة في مصر ضيفا لدى خالته زوجة "جايوس جالريوس" حاكم مصر الروماني بين 16 ـ 31ميلادية، تعلم في صباه النحو والخطابة، وحينما استهوته الفلسفة تتلمذ على يد الفلاسفة الفيثاغوريين، وكان صديقا مقربا من الفيلسوف" ديميتريوس"، تحتل أعمال "سينيكا النثرية" مكانا مرموقا بين كتب تاريخ الفلسفة، لأنها تعد المصدر الرئيسي للفكر الرواقي، أما أسلوبه فيعكس كل سمات أدب عصره، وإن كان يتفرد بخصائصه المميزة.

اشتهر"سينيكا" كاتبا وخطيبا أثناء حكم "جايوس كاليجولا" إمبراطور روما فى الفترة ما بين "37 و41 ميلادية، الذى أظهر له الحقد بسبب ذكائه، والتفاف الكثير حوله من حاشية الملك، فدبر له مؤامرة وادعى أنه له علاقة بأخت الإمبراطور"جوليا ليفيلا" فأمر بنفيه إلى جزيرة "كورسيكا"

لم يلبث هناك كثيرا فقد استدعته "أغريبينا" للإشراف على تربية ابنها "نيرون" وتعليمه أصول الكلام والمنطق والحكمة، فكانت تعده لكي يصبح إمبراطور روما خلفًا لأبيه بالتبني، وعندما تُوّج "نيرون" قيصرا صار سينيكا مستشاره الأول حتى عام 62، أي أنه كان المسؤول عن كثير من شؤون الامبراطورية وأحداثها حتى فقد حظوته وهيمنته على القيصر الشاب، فاستأذنه باعتزال الحياة السياسية والتخلي له عن ممتلكاته كافة، قبل أن يعتزل الحياة السياسية، ورفض أن يأخذ منه ممتلكاته.

يعد "سينيكا" واحدا من أبرز الدعاة إلى الفلسفة الرواقية، وقد وقف جل كتاباته الفلسفية والمسرحية من أجل هذا الهدف. ومن بين أعماله النثرية ما يعرف باسم "المحاورات"، وهي في الواقع مقالات في الأخلاق، قصيرة نسبيا، ومن عناوين تلك المقالات: "العناية الإلهية"، "عن صمود الحكيم"، "عن الغضب" و"عن الحياة السعيدة".

ومن أهم أعماله أيضًا :"الرسائل الأخلاقية" وهي عمليا دراسات في المسائل الأخلاقية صيغت على شكل رسائل، موجهة إلى صديقه "لوسيليوس" حاكم صقلية. ومن أطرف كتابات سينيكا الهجائية مقالته الطويلة "مسخ الإنسان إلى نبات القرع" التي ترتبط بمبدأ تناسخ الأرواح في الفكر الفيثاغوري.

اعتنق سينيكا مذهب وحدة الوجود لدى الرواقيين، فاعتبر العالم كلا ماديا وعقليا واحدا، وحاول أن يحدد أساس المشكلات الأخلاقية التى إذا تم دراستها بوعى شديد، سيؤدى إلى عالجها ومن ثم يعيش الإنسان فى راحة وسعادة وطمأنينة.

هكذا كان "سينيكا" يدعو إلى الأخوة والمحبة بين الناس، فاشتهرت مقولته "كن محبوبا من الجميع حيا، مأسوفا عليه ميتا" وكان يحارب أيضا الانفعالات ويدعو إلى لغة العقل المتزن والتصرف وفق تصورات العقل المنطقية، فالرجل الحكيم هو الذي يسمو على الغضب متجاوزا تجارب الحياة القاسية.

 لم يهتم سينيكا بالميتافيزيقا، وفصلها عن ميدان الأخلاق، فاتجه إلى الناحية العملية، أي الحكمة العملية للحياة، وانصرف نهائيا عن الأسس النظرية الأولى التي قامت عليها الأخلاق الرواقية، فاهتم بالحياة الشعبية، لأنه وجد فيها ما يلائم مزاجه وطبيعته الخاصة.

قرر الإمبراطور"نيرون" أن يضع حدا لحياة معلمه ومستشاره الأول "سينيكا" لأنه كان صوت العقل، بينما هو كان غارقا في مجونه وبطشه وشهدت البلاد فى عهده تدهورا فى كافة أوضاعها السياسية والاجتماعية والإقتصادية، فقد ضاق به العامة بعد إعدامه زوجته أوكتافيا، وكذلك والدته أغريبينا التى سعت بكل نفوذها أن تجعله فى سدة الحكم، فتخلص منها وأرسل إليها جنوده فقتلوها وأحرقوا جثتها، ليفقد الرحمة من قلبه ويصبح وحشيا يتلذذ بتعذيب الناس وقتلهم، الأمر الذى جعله يحرق روما لتستمر الحرائق لمدة أسبوع، بينما هو يتابع الحريق وهو يغنى أشعار هوميروس، فدبر له مؤامرة كبيرة وأصدر أمرا بإعدامه، فقام وصدر الحكم عليه بالإعدام.

 وهذه المرة أمر "نيرون" جنوده أن يذهبوا إلى قصر سينيكا، وأن يخبروه بحكم "نيرون" وأن يأمروه بأن يقتل نفسه ويقطع عروقه حتى الموت. وبالفعل ضرب الحصار حول قصر "سينيك" ثم مالبث أن نفذ الرجل العجوز حكم "نيرون" وقطع عروقه ليقتل نفسه.