الإثنين 20 مايو 2024

في ذكرى ميلاد «جاين أوستن».. صاحبة العقل والعاطفة

فن16-12-2020 | 17:31

تحتفي الأوساط الثقافية اليوم، بميلاد الروائية الإنجليزية "جاين أوستن"، وقد حازت أعمالها على شهرة واسعة وخاصة بعد وفاتها فى بداية القرن التاسع عشر، وبالرغم من أن أعمالها كانت تنشر فى حياتها دون اسمها، إلا أنه مع بدايات القرن العشرين أقر النقاد بأن "أوستن" ساهمت في تطور الرواية الإنجليزية بعد"هنري فيلدينج"، "تشارلز ديكنز"، و"سامويل ريتشاردسون"، اتفقوا على أنها مزجت بين أسلوب الذاتية والسخرية لفيلدينج وأسلوب الواقعية والتهكم عند ريتشاردسون، وصنعت مؤلف يفوق كليهما.


ترصد "الهلال اليوم" أهم أعمالها التي حازت على شهرة واسعة في الوسط الثقافي، وألهمت عددا كبيرا من المقالات النقدية والمختارات الأدبية، ما جعلها مؤلفة بريطانية ذات شهرة عالمية ومن تلك الأعمال:

 

"العقل والعاطفة" 1795:

كتبت جاين أوستن، رواية "العقل والعاطفة" وهي في عمر التاسعة عشر، بعنوان "إلينور وماريان" في قالب لم يأخذ شكل الرواية، ثم أعادت كتابتها وصياغتها من جديد تحت اسم "العقل والعاطفة".


وتدور أحداث الرواية حول إلينور وماريان ابنتي السيد داشوود من زوجته الثانية، ولديهن شقيقة صغرى تدعى مارجريت، وأخ أكبر منهن غير شقيق اسمه جون، يتوفى الأب وتتعقد الأحداث، ليرث جون جميع أملاك أبيه، بينما إلينور وماريان لم ينالا شيئا من إرث أبيهما، وبالرغم من وصية أبيه له برعاية الصغيرات، إلا أن زوجة جون كانت تحثه على الإستئثار بمال أبيه وحده دون إخوته، مما اضطر الأم وبناتها بالبحث عن بيت جديد متواضع يناسب إمكانياتهم المادية الضئيلة، فتمكنت من العثور على كوخ مظلم مكفهر صغير مقارنة بمنزلها الكبير، ومن هنا تبدأ رحلة جديدة للأختين حيث الخوض فى مسارات الحياة المختلفة بعد تجربة موت أبيهما.


تحاول الكاتبة من خلال الحس الرومانسي، الذي كان يميز هذه الحقبة، أن ترسم خطوط  الشخصيات الرئيسية فى العمل الأدبى بحس مرهف، وقد حاولت أن تمايز بين الأختين فجعلت إحداهما تتميز بصفات كثيرة تجعلها شخصية جذابة لمن حولها، ولكنها تتصرف وفق ما يمليها عليها قلبها، لذلك تتعرض للعديد من الصدمات، بالرغم من تحذيرات اختها، أما "إلينور" فهي بجانب شخصيتها الجذابة، تحتكم إلى العقل والمنطق حتى في أدق تفاصيلها، وهذا ما ظهر جليا فى علاقتهما بمن يحبان، فنرى الصغرى "ماريان" تنجذب إلى "ويلوجبي" الشاب الوسيم الرومانسي المفعم بالحيوية، ولا تفكر في العقيد "براندون" الناضج، لكنه الأكثر تحفظا. وتتعرض ماريان لأكبر قدر من التطور داخل الرواية، لتدرك أن مشاعرها كانت تتسم بالأنانية، ثم تقرر أن تتبع سلوك شقيقتها الكبرى إلينور، وتنجذب هي بدورها إلى إدوارد فرارس، أخو زوجة أخيها الأكبر، جون. ودائما ما تشعر بمسؤوليتها تجاه عائلتها وأصدقائها، لذلك تفضل مصالحهم على مصلحتها الشخصية، فتقمع مشاعرها القوية بطريقة تبدو كأنها لا تبالي بما يحدث حولها.


"كبرياء وهوى" 1813:

تم نشر أول طبعة من رواية "كبرياء وهوى" في ثلاثة أجزاء، ذات غلاف صلب فى يناير 1813، وتم الإعلان عنها في جريدة "مورنينج كرونيكل"، وقد انتهت "أوستن" من كتابتها في عام 1797، وكانت تحت عنوان"الانطباعات الأولى"، وكانت مثل عملها الأول لم تأخذ قالب الصيغة الروائية بعد، فأعادت كتابتها من جديد وعدلت عنوانها إلى "كبرياء وهوى".


وتدور هذه الرواية، حول عائلة فقيرة في الريف الإنجليزي، في مطلع القرن التاسع عشر وكنيتها "بينيت"، وتتكون العائلة من أب مهمل لعائلته، أم جاهلة وخمس فتيات تختلف شخصية كل منهن عن الأخرى، وتتناول الرواية طبقة أثرياء المجتمع وفخرهم واعتدادهم بأنفسهم النابع من امتلاكهم للثروة.


وبالإضافة إلى قصّة الحب بين شخصياتها، فالرواية تتناول حالة الصراع بين الأم وبناتها، ولكن في خضم هذه العلاقة المتوترة نجد أن جارا جديدا من طبقة الأثرياء والنبلاء، تنشأ بينه وبين الإبنة الكبرى "جين بينت" علاقة عاطفية، وهي فتاة رقيقة الملامح، عذبة الحديث، يطلب السيد "بينجلى" الجار الجديد الزواج منها، إلا أن زواجهما لا يتم، وتتوجه الاتهامات إلى السيد "دارسى" صديقه، بأنه أفسد هذه الزيجة، وهو ينتمي إلى الطبقة الارستقراطية، مغرور متعجرف.


 وهنا تحاول الكاتبة تحديد ملامح المجتمع فى القرن التاسع عشر، حيث الصراع بين طبقات المجتمع، والتي سرعان ما تنسحق فى دائرتها الكثير من العلاقات البريئة، تتعقد الأحداث عندما تقع الشقيقة الثانية لجين في حب ذلك المغرور، ولكنها لا تأمن له ولا يستطيع أن يحوز ثقتها لظنها بإفساده زواج أختها الصغرى.


وفي هذه الأثناء يقوم شخص ما، وهو صديقا سابقا للسيد دارسي، واسمه "بويكام" يقوم بعقد صداقة مع عائلة بينيت، وسرعان ما يتلاعب بمشاعر الأخت الصغرى مقنعا إياها بالزواج، لتقوم بالهرب، ما يعرض سمعة العائلة للفضيحة، وتتأزم بعدها الأمور ليقوم السيّد دارسي بحل الأمور ودفع مبلغ من المال للسيد ويكام، مقابل إعادته للأخت الصغرى وعدم إحداث أية فضائح، ليتضح بعدها كذب الشائعات التي تدور حول السيد دارسي وسبب علاقته السيئة بصديقه السيد ويكام، كما تظهر حقيقة سبب تخريب زواج أختها الكبرى الذي لا علاقة له بالسيد دارسي مما يُشعر إليزابيث بالندم الممزوج بالحب للسيد دارسي، ويقوم بالمبادرة والتعبير عن حبه لها، فتقوم بمسامحته وقبول الزواج منه.



"مانسفيلد بارك" 1814:

 وهى ثالث عمل روائي لـ"جاين أوستن"، وقد كانت الأكثر جدلا بين أعمالها، فبالرغم من الإشادة بها فى وقت نشرها، إلا أن نقاد القرن التاسع عشر، بسبب آرائها التي تعارض المسرح.


تدور أحداث الرواية حول فتاة صغيرة اسمها "فاني برايس" تأتي لتعيش مع عمها وعمتها الأثرياء، حيث أن السيد توماس والليدي برترام، عائلة "فاني" يعانون الفقر، فأمها تزوجت بحار مقعد ويدمن الكحول، و تسيء زوجة عمها السيدة نوريس معاملة الصغيرة "فانى".


تحاول"أوستن" رصد العديد من العلاقات المتداخلة والمتشابكة التي يحوم حولها الحب فى كثير من الأحايين ولكن نجد أن كل من بنات عائلة السيد توماس والليدي برترام، "ماريا" "جوليا" يدركان جيدا المعنى الحقيقي للثروة وحياة الترف والغنى فيبحثان عن الزوج الجيد الذي يملك ثروة طائلة، بينما الأخ الأكبر واقعا في براثن المجون والخمر والحياة بدون أية أهداف، تصادق"فانى الصغيرة" الأخ الأصغر لتلك العائلة الثرية "إدموند" وتجد فيه عزائها الوحيد، وتقع فى حبه بمرور الأحداث ولكنها تخشى الإعتراف له بحبها، لذلك نجد أن علاقات الحب داخل رواية "مانسفيلد بارك" معقدة تحدها أنساق المجتمع والإطار الثقافي الذى يحكم تلك الحقبة، فنلاحظ أن الشخصيات فى تلك الرواية  يقعون في حب أشخاصا لا يتبادلون المشاعر ذاتها، يحاولون حب الناس الذين لا يمكنهم الوصول إليهم.


"إيما" 1815:

 آخر عمل تم نشره للروائية "جاين أوستن" فى حياتها، ومن خلالها تتطرق لموضوعات مختلفة عن أعمالها السابقة، فنجدها تناقش مخاوف سيدات الطبقة الأرستقراطية فى العهد الجورجي، وذلك دون أن تتخلى عن الحس الكوميدي الذي يحمل تيار الرومانسية، التى كانت السائدة فى تلك الحقبة بين طياتها.


تحكي الرواية عن البطلة "إيما وددهاوس" وهي فتاة غنية، رقيقة ومدللة، ينتباها الفضول نحو الآخرين كثيرا، دون أن تعي عواقب وتبعات هذا التدخل، فتصيب تارة وتخطئ تارة أخرى، فنراها تسعى إلى تزويج أصدقائها ببعضهم البعض دون أن تفكر مليا فى عواقب الأمور، كما تحاول أن تقنع صديقتها "هارييت سميث" بأن تتزوج من صديقها الكاهن "السيد ألتون"، بالرغم من أنها لا تخطط للزواج ولا تطمح له، فهي نشأت فى أسرة غنية ولا تحتاج إلى المال.


تحاول جاين أوستن، هذه المرة إبراز ملامح المجتمع وتحديد الأيدلوجيا الإجتماعية، حيث أن الكاتبة مازالت ترصد أجواء التمييز الطبقي بين الغنية والفقيرة، والعلاقات الإنسانية التي تنسحق نتيجة أطر المجتمع المعقدة.


وجدير بالذكر، أنه بالرغم من قلة أعمال جاين أوستن، إلا أن معظمها تحول إلى أفلام سينمائية منذ فترة الأربعينات، فتحولت كل من رواية "العاطفة والعقل"،"كبرياء وهوى" و" مانسفيلد بارك" وكذلك روايتها "إقناع"، " دير نورثانجر" إلى أفلام، وتم إعادة  إنتاج هذه الأفلام بأكثر من نسخة، لتظل أعمالها حية وباقية لأمد بعيد.