الجمعة 27 سبتمبر 2024

طلعت نبيه.. فنان من بنى سويف يتحدى الإعاقة بشفتيه (فيديو وصور)

محافظات19-12-2020 | 13:42

تعد الإرادة هي الدافع الأول إلى طريق الكفاح، والعزيمة هي ما تبقيك على هذا الطريق حتى النهاية، ولطالما أحببت الاستماع للقصص الملهمة وأحببت التواجد وسط أناس يمثلون نماذجًا للصبر والقوة والأمل والإرادة، فهم يستطيعون بكل مهارة أن يلقنوك درساً لن تستوعبه حتى بمئات المحاضرات والكتب وتحديداً الأفراد الذين يتحدوا ظروفهم وأي عراقيل صعبة أو تكاد تكون مستحيلة أمامهم.


وترصد لكم "الهلال اليوم" أحد هؤلاء النماذج، وهو طلعت نبيه؛ الذي هزم الصعاب وطوعها في خدمته، وخرج من خضم الأحزان واليأس بلوحات وألوان وعالم صغير يحلم فيه ويجسد أحلامه على أوراقه.


وحكى طلعت نبيه لـ"الهلال اليوم" قصته وكفاحه؛ ويقول بابتسامة عذبة ونفس راضية: "أنا طلعت نبيه من قرية الديابية بمركز الواسطى فى محافظة بني سويف، وعمري 51 عاماً، ولدت طفلاً سليماً مثل باقي الأطفال، وكنت ألعب وألهو ولم ينقصني شئ أبداً حتى جاءت اللحظة الحاسمة في حياتي".


وتجهمت ملامح "طلعت" حين تذكر الحادث المؤسف، فتنهد وأكمل: "كنت طفلاً أبلغ 12 عامًا، وألعب مع أصدقائي في محافظة قنا، حيث كان يعمل والدي في محطة مياه هناك، وذات يوم كنت وأصدقائى نلعب في معسكر قديم وإذا بي ألتقط علبة فارغة من الأرض ألعب بها، وفجأة بدون مقدمات تنفجر العلبة في كإنفجار قنبلة مدوية!.. وعرفت فيما بعد أنها من مخلفات الحرب، وخرجت من هذا الحادث طفلاً سليماً لكن فاقدًا لذراعيه الاثنين.


وتابع: "ربما كانت الفترات الأولى شديدة الصعوبة عليّ بعد إصابتي وإداركي بأنها إعاقة سوف تلازمني مدى عمري، ولكن سرعان ما لملمت شتات أمري ودخلت امتحان الإعدادية ثم الثانوية ثم كلية الخدمة الاجتماعية معتمداً على الكتابة من خلال أسناني وشفاهي".


وأضاف: "تزوجت وأنجبت طفلتين هما ماريا وبتول، وبدأت أبحث عن موهبة بداخلي تُلوّن لي الحياة بالبهجة والطمأنينة، فبدأت أرسم منذ مايزيد عن 17 عاماً، تارة أرسم بالفحم وتارة بالرصاص وأصبحت من الفنانين الهواه بقصر ثقافة بني سويف، واشتركت في أكثر من معرض وقد حصلت على المركز الأول على محافظة بني سويف في الرسم عام 2003".


ويحكي لنا "طلعت" أن أسنانه أصبحت بديلاً عن ذراعيه يرسم بها ويخطط ويكتب و فيما بعد تعلم الرسم من خلال مرفق يده وأصبح يرسم كل لوحاته الآن بها، وأما عن عمله الأساسي فهو موظف بمديرية التضامن الاجتماعي ببني سويف يكتب ويعمل بالقلم من خلال أسنانه ومرفق يده، وينجز أوراقاً على جهاز الكمبيوتر بسرعة فائقة، وبجانب ذلك يستخدم موهبته في الرسم لبيع "بورتريه" وبراويز.


وتابع طلعت حديثه قائلاً: "كان لدي العديد من اللوحات بمعرض قصر ثقافة بني سويف لكن للأسف حُرقت مع حريق القصر عام 2005 ولكني حالياً أرسم لوحات أخرى وأحتفظ بها".


ويتمنى طلعت لو أن وزارة الثقافة تسعى لتبني كل المواهب من ذوي الاحتياجات الخاصة ليصبحوا نماذج رائعة ظاهرة للمجتمع، كما يتمنى لو  يحصل على طرفين صناعيين لإن ثمنهما يفوق قدرته المادية.


وأنهى طلعت الفنان الرائع حديثه لي، واطلعت على نماذج من لوحاته أرسلها عبر "فيسبوك" وحين رأيتها ظللت أفكر كيف يمكن لإنسان أن يطوع كل إمكاناته المستحيلة البسيطة لإنتاج صور جمالية بهذا الشكل، فوجدت الإجابة تتسرب لعقلي بصوت مرتفع "إنها الإرادة".