الأربعاء 29 مايو 2024

«بورما على الطريق».. من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

فن20-12-2020 | 10:12

تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءًا من الفصل الخامس من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع، وجاء فيه:

 

الاقتصاد الصيني - بورما على طريق الحرير

وبعد مرور عشر سنوات على فشل ثورة الزعفران، وذهاب مجهودات غلمان شارب أدراج الرياح، وبحلول أبريل من عام 2017، اكتمل مشروع مد خط أنابيب النفط والغاز البورمي، الذي يربط المياه العميقة لميناء ميانمار( بورما سابقًا) في جزيرة ماداي على خليج البنغال، مع أكبر مركز صناعي بمدينة (كونمينغ) بمقاطعة يونان، في الجنوب الأوسط للصين بالقرب من حدود ميانمار.

 

يسمح هذا الممر لواردات الصين من النفط الخام القادم من الشرق الأوسط، العبور إلى الصين بعيدًا عن الطريق البحري المار عبر (مضيق ملقا) الواقع تحت سيطرة البحرية الأمريكية، والذي يمر عبره أكثر من (80%) من واردات الصين من النفط والغاز، ويُعد هذا الطريق البري الجديد، أقصر من الطريق البحري القديم المار عبر مضيق ملقا، ويقلل الوقت بمقدار (30%) مما يعود بفائدةٍ اقتصاديةٍ هائلة على الصين.

 

 كما بدأت الصين في تشييد خطوط سككٍ حديدية فائقة السرعة، تربط ميناء (كيوك بيو) في ميانمار (بورما سابقًا) بمدينة كونمينغ في مقاطعة يونان الصينية، مسافة    1215)كم).. هذه المقاطعة الصينية ستصبح محطة لما يسمى (شبكة آسيا عالية السرعة) بقطاراتٍ فائقة السرعة تربط الصين بدول الآسيان (ميانمار – كمبوديا – لاوس – تايلاند - ماليزيا – سنغافورة ) وهو ما يطلق عليه (الممر الاقتصادي الجنوبي الغربي للصين).

 

وتقدر (بكين) زيادة الناتج المحلي الإجمالي، لدول جنوب شرق آسيا المعنية بهذا المشروع، بقيمة 375) مليار دولار) وهو ما عجزت الولايات المتحدة عن تقديمه لهذه الدول عبر اتفاقية (الشراكة عبر المحيط الهادئ) التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) عام 2016، في مواجهة الحزام والطريق، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) انسحاب بلاده من هذه الاتفاقية.

 

الفوائد الاقتصادية للصين، ليست هي الثمرة الوحيدة بين جنبات هذا الممر الاقتصادي، فهناك فوائد استراتيجية مهمة منحت الصين الوجود في المياه العميقة للمحيط الهندي؛ حيث وجدت بكين شاطئًا جديدًا عبر هذا الممر البري، يوفر للمقاطعات النائية في الجنوب الأوسط للصين، منفذًا بحريًّا لها، وإطلالة على المحيط الهندي.

 

حرب بالوكالة تقطع أواصر الممر الاقتصادي

ميناء الاستقبال الجديد بميانمار المشار له، والواقع في المياه العميقة بجزيرة ماداي، يقع في ولاية راخين التي تشهد عمليات التهجير العرقي خارج ميانمار، ضد مسلمي ولاية راخين ذي العرق البنغالي، المعروفة باسم (الروهينجا).

 

 تجددت أحداثها في أغسطس من عام 2017، حينما اقتحمت جماعات (جيش تحرير الروهينجا) العديد من مقرات الشرطة، وقتلت ما قتلت من عناصر الشرطة والمدنيين، الأمر دفع جيش الدولة إلى الدخول في حربٍ عسكرية شرسة مع هذه الجماعة، التي تطالب بانفصال إقليم راخين عن ميانمار، راح ضحيتها الآلاف من مواطني الروهينجا من المسلمين الأبرياء، الذين بدأوا في النزوح إلى بنجلاديش عبر بحر البنغال.

 

يقينًا هناك اضطهاد من قبل البوذيين، والجيش في بورما، تجاه بعض الأقليات من مسلمي ولاية راخين تحديدًا؛ كما أن حكومة ميانمار لم تمنحهم الجنسية، وترفض الاعتراف بهم كمواطنين، وتعترف بهم فقط كمهاجرين جاءوا من بنجلاديش والهند، بعد استقلال البلاد عن بريطانيا عام1948 .

 

فإن جوهر الصراع عرقي وقومي وليس طائفي؛ بدليل أن باقي مسلمي ميانمار البالغ عددهم مليون مواطن في العديد من الولايات والبلديات والمراكز، في شتى بقاع البلاد، يعيشون آمنين سالمين.

 

انطلاقًا من هذا الصراع المستمر، تسعى الاستخبارات الأنجلوأمريكية إلى استغلال الاضطرابات في ولاية راخين، حيث ينطلق من عندها الممر الاقتصادي (الصين – بورما) والهدف نقل رواية الإرهاب العالمي من منطقة الشرق الأوسط، إلى جنوب شرق آسيا، وفق الاستراتيجية الأمريكية الجديدة (إعادة الاتزان لآسيا) وبنفس تكتيكات الاستخبارات الأنجلوأمريكية، التي استخدموها ضد الشعوب العربية، خلال ثورات الربيع العبري عام 2010 – 2011.

 

تكمن خطورة هذا السيناريو في علاقة (جيش تحرير الروهينجا) بـ (جماعة أبي سياف) الإرهابية في الفلبين، والتي تطالب بانفصال الجنوب عن البلاد، وإقامة دولة الخلافة، وقد نادى زعيم تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري) جيش تحرير الروهينجا قائلًا: "نحن قصرنا معكم ولكننا قادمون لنجدتكم".

 

ومن الفلبين إلى ميانمار، ومن وادي فرغانة بوسط آسيا إلى أفغانستان، وباكستان في جنوب آسيا، ومن الشيشان، وداغستان بشمال القوقاز، تنتشر الخلايا النائمة من الجماعات الإرهابية المحلية كنهاياتٍ طرفية لوكالة الاستخبارات المركزية، تطالب بإقامة دولة الخلافة وتنتظر توصيل الدائرة الكهربائية، والمفتاح لا يزال بحوزة واشنطن.

 

ظلت الفلبين كمستعمرةٍ أمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تمثل ورقة ضغطٍ على التواجد العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي، وحتى وصول (رودريجو دوتيرتي) إلى سُدة الحكم في البلاد عام 2016، وقد عزم على طرد الوجود العسكري الأمريكي من القواعد الساحلية للبلاد، حينما قام بتجميد خط الدوريات، والتدريبات العسكرية المشتركة، مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، وتوعد بطرد القوات الأمريكية الموجودة في الجنوب بحجة مراقبة الجماعات المتطرفة في (جزيرة مينداناو).

 

 وصم رودريجو، الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) بـ (ابن العاهرة) في سبتمبر2016، على إثر انتقادات واشنطن أسلوب مواجهة الفلبين لتجار المخدرات، بالقتل، كما رد على تصريحات أمريكية بمنع السلاح عنه، بعدم الاهتمام، في ظل استعداد روسيا والصين، مد الفلبين بالسلاح المطلوب.

 

)رودريجو) الذي وصل للحكم كأول رئيسٍ قادم من (جزيرة مينداناو) حالة تستحق التوقف عندها قليلًا، إذ منحت شعبية الرجل نسبة (80%) في آخر استطلاعات للرأي أُجرِيت بالفلبين، وقد فاز بالانتخابات الرئاسية في 30 يونيو 2016، على منافسه المصرفي السابق في بنوك وول ستريت (مار روكساس) المدعوم من واشنطن، كما ينتهج رودريجو سياسة عكسية لسياسة سلفه (بينينو أكينو) الثالث (الموالي لأمريكا أيضًا، ويسعى إلى توجيه الفلبين (المستعمرة الأمريكية القديمة) إلى تحالف أوروآسيوي مع الصين وروسيا.

 

ولهذا قام رودريجو بالتوقيع على العديد من الصفقات التجارية مع الصين، وأبدى موافقته على حل نزاع بحر الصين الجنوبي بين الفلبين والصين، من خلال المحادثات الدبلوماسية السلمية، كما سعى إلى إقامة علاقات أوثق مع روسيا؛ حينما وقع في مايو من عام 2017، على عشر اتفاقيات رئيسية، تهدف إلى تعميق العلاقات الثنائية للدفاع، والعلاقات الاستراتيجية والاقتصادية، خاصة في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية، لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب.

 

التحالف الاستراتيجي بين الفلبين من جهة، وروسيا والصين من جهةٍ أخرى، يشكل خسارة جيوسياسية لاستراتيجية الاحتواء العسكري الأمريكي ضد الصين وروسيا، في المحيط الهادئ.

 

ولهذا جاء العقاب سريعًا كالعادة من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية، في مايو من عام 2017، حينما نظمت الوكالة عملية إرسال نحو ((500 من عناصر تنظيم داعش، من مناطق الصراع بالشرق الأوسط ،إلى مدينة ماراوي في جزيرة مينداناو، لتشكل حصارًا إرهابيًّا مع (جماعة أبي سياف) التي تدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية غربي الجزيرة، ما يمكن واشنطن من إسقاط شعبية (رودريجو) ومن ثم التخلص منه.