الجمعة 3 مايو 2024

«البحث عن الذات».. السادات يروى تفاصيل حياته

فن25-12-2020 | 12:54

في كتابه "البحث عن الذات"، استعرض الرئيس الراحل أنور السادات سيرته الذاتية للقارئ العربي، بداية من نشأته في قريته "ميت أبو الكوم" بمحافظة المنوفية، وحتى الخطوة الضخمة التي اتخذها نحو طريق السلام بعد عقود من الحرب مع العدو الإسرائيلي، ساردًا رحلته المدهشة التي تقاطعت فيها سيرته العسكرية مع نشاطه السياسي، ومُبرزًا الجانب الإنساني والرؤية الفلسفية المرتبطة بالأرض، التي نشأ فيها وأدرك قيمتها، فصارت حجر الزاوية في كل قراراته التي اتخذها فيما بعد كرئيس لمصر.

السادات، المولود في عام 1918، أدمن حكايات جدته التي اعتادت سردها في فترة طفولته بجوار الفرن، وصف نفسه في مقدمة الكتاب بأنه "فلاح تربى ونشأ على ضفاف النيل، حيث شهد الإنسان مولد الزمان"، ربط قصة حياته بالتاريخ المصري في سرد جاذب، فسّر فيه ذلك بقوله "واكبت أحداث حياتي، الأحداث التي عاشتها مصر، فى تلك الفترة من تاريخها، لذلك فأنا أرى القصة كاملة لا كرئيس لجمهورية مصر العربية، بل كمصرى ارتبطت حياته بحياة مصر ارتباطا عضويا منذ بدايتى إلى الآن".

جاء العنوان مُبرزًا رؤية الرئيس الراحل وفلسفته، شرحه في إيجاز بقوله "حياتي.. مثل حياة أي منا، ليست فى الواقع إلا رحلة تحت عن الذات. فكل خطوة خطوتها عبر السنين إنما كانت وما زالت من أجل مصر والحق والحرية والسلام". كانت هذه هي الصورة التي رسمها منذ كان يلعب بجوار جدته، وحتى أصبح صانع القرارات الأهم في تاريخ الشرق الأوسط، بعدما أنهى عقودًا من الصراع بمبادرة أثارت غضب الحلفاء والأشقاء، لكنها حقنت دماء شعبه وأثبتت صحتها فيما بعد. لكن، وقت  صدور الكتاب، كان لايزال أمامه مستقبلًا مجهولًا يخطو نحو "والآن وأنا أنظر إلى بانوراما حياتى وحياة مصر تمتد أمام عينى بكل ما شهدته وما صاحبها من أحاسيس، هل أستطيع أن أرى صورتى لنفسى وقد التقت بصورة مصر كما كنت أحلم بها من فوق سطح الفرن فى قريتى ميت أبو الكوم، وأنا ما زلت صبيا فى العاشرة من عمره؟ وهل يمكن أن أقول إن هذه الصورة قد تحققت أو على الأقل أصبح في الإمكان التعرف عليها؟ هذا ما أتركه للقارئ ليراه بنفسه".

ترك السادات في الكتاب المنشور باللغات الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، والبرتغالية، والسويدية، والإيطالية، والعبرية، والفنلدية، والدنماركية، والإسبانية، واليابانية؛ حكاية مُلهمة ومُثيرة، منذ كان طفلًا يمتليء عالمه بالمساحات الخضراء وحكايات الجدة عن الأبطال الشعبيين، والتي تركت أثرًا في نفسه وحاول تقليدها بعدما كان واحدًا من دفعة استثنائية قبلتها الكلية الحربية، ضمت من صاروا أشهر أسماء في تاريخ النصف الثاني من القرن العشرين، وحملوا فيما بعد اسم "الضباط الأحرار"؛ لكن قبلهم كان الضابط الشاب يخوض دهاليز العمل السياسي ضد المحتل الإنجليزي، ويقوم بمغامرات عدة، أدت لفصله من الجيش، ليذوق لسنوات الأمّرين، فيدخل السجن، ويوضع في الزنزانة "54" الشهيرة، ويصير واحد من أشهر المتهمين في اغتيال أمين باشا عثمان، أحد أبرز حلفاء الاحتلال، فتتصدر صورته الصحف وكأنه أحد نجوم السينما؛ بعد يخرج ليمتهن كل ما يُمكن أن يُقيم أوده، ثم يعود إليه معروفًا كان قد صنعه لأحد زملائه في الجيش في بداية خدمته، عندما يصير ذلك الزميل "يوسف رشاد" طبيب الملك فاروق والمشرف على الحرس الحديدي، ليعود السادات مرة أخرى إلى صفوف الجيش المصري، حاملًا في يده خاتم عروسه الجديدة جيهان، والتي صارت فيما بعد أول من تحمل لقب "سيدة مصر الأولى".

عبر لغته السلسلة البسيطة، يروي السادات بعضًا من كواليس حركة الضباط الأحرار التي انضم إلى هيئتها التأسيسية بعد عودته لصفوف الجيش، وموقف السينما الشهير الذي حدث ليلة قيام ثورة يوليو 1952، وسرد حزنه للاتهامات التي حاول البعض توجيهها إليه بعدما استقرت الأمور في أيدي هؤلاء الضباط الشباب. كذلك تحدث عن عصر صديقه الراحل جمال عبد الناصر، والذي تقلد فيه السادات عدة مناصب كانت غير بعيدة عن الدائرة القريبة للسلطة، رغم احتفاظه بصداقته القوية مع الرئيس. من تلك الزاوية، شاهد السادات رموز العصر الناصري، مكونًا رؤية واسعة لما كانت تصير إليه البلاد تحت سيادة إجراءات قمعية سحقت المواطن من أجل الدولة، وانتهت بالكارثة الشهيرة في 1967. كان هو أيضًا رئيس مجلس الأمة الذي دعا صديقه ورئيسه إلى البقاء والمقاومة، وصار بعد عامين نائبًا للرئيس الذي رحل مُجهدًا في سبتمبر 1970.

سرد السادات في كتابه الممتع أيضًا رحلة صراعه مع مراكز القوى، والذين اعتبروه مجرد رئيس صوري بينما حاولوا هم إدارة البلاد. لم يدرك أحدهم وقتها أن الرجل الذي خبر التعامل مع الاحتلال الإنجليزي والمخابرات الألمانية النازية والبوليس السياسي المصري، واستطاع الاختفاء لفترة طويلة بين صفوف الشعب، يحمل من الدهاء ما جعله ينتظر اللحظة المناسبة ليستقر له الأمر، ويُطيح بهم جمعيًا في ما أطلق عليه هو نفسه "ثورة التصحيح" في مايو 1971. والتي شهدت آخر صراعاته السياسية، لتستقر له الأمور بعدها، ويبدأ في إعداد البلاد نحو حرب تحرير الأرض؛ وكيف تعمد نشر أخبار وهمية قبيل الحرب عن الاستعدادات للحرب أكثر من مرة، وفي كل مرة يعود ويتراجع عن قراره مما جعل إسرائيل تتكبد خسائر فادحة اعترفت بها إدارتها فيما بعد.

أمّا عملية السلام فحينما حان وقتها، شرح أسبابه خلف ذهابه للكنيست بنفسه، حاميًا نفسه من فخ التناقض، وقدّم الدليل نحو سعيه إلى اكتشاف نفسه، ليجد بارتياح ذلك اللقب الذي حصل عليه "رجل الحرب والسلام".

    Dr.Randa
    Dr.Radwa