الأحد 30 يونيو 2024

«قوت القلوب» صاحبة اكتشاف.. نجيب محفوظ

فن25-12-2020 | 18:41

مثلما تقود كل الطرق إلى روما فجميع العناصر والأواصر والمواهب وشرايين المعارف والأسفار وحسن الاختيار وتجليات التصوف وثورة الحرملك ومصادقة الفكر وأجواء السوربون وطه حسين، والطريقة الدمرداشية الخلوية.. كلها.. كلها.. طرق وعناوين ولافتات تقود إليها.. واحدة من مصر منحت مصر جامعة عين شمس ومستشفى الدمرداش واكتشفت  نجيب محفوظ من بين مئات الموهوبين لتقدمه على جميع الصفوف وتمنحه جائزة الأدب من قبل نوبل بخمسين عاماً.


قوت القلوب الدمرداشية التى ولدت فى قصر والدها عبدالرحيم باشا الدمرداش عام 1892 ونشأت فى إطار إسلامى صوفى تقول عنه فى مقدمة روايتها "ليلة القدر" التى أهدتها لوالدها: "لقد ولدت تحت قدم مئذنة.. ومنذ بدأت أرى فإن أصبعى أشار إلى السماء، ومنذ بدأت أسمع فإن اسم الله الذى يذاع خمس مرات فى اليوم قد سكن قلبي".. لكن تلك النشأة الصوفية لم تجعل الأب الشيخ الباشا المليونير المتصوف عضو مجلس شورى القوانين المصرى، والجمعية العمومية المصرية، الذى ورث مشيخة السادة الدمرداشية وعمره أربعة وعشرين عاماً لينهض بها فيجعل من مجرد زاوية الطريقة مسجداً كبيراً مزوداً بالعديد من الخلوات المعدة لاختلاء الدمرداشيين، ونجح وهو المشتغل بالحركة الوطنية المصرية فى تنمية ثروته إلى حد وضعه على رأس كبار رجال الاقتصاد فى مصر.. الأب الذى لم يغفل يوماً عن قراءة ورده مع كل فجر، والمواظبة الأسبوعية على إحياء حلقات الذكر الصوفية، وإقامة المولد فى كل عام، وكانت مدة مشيخته للطريقة أربعة وخمسين عاماً، وتنحدر الأسرة من سلالة أحد أمراء المماليك الذين قدموا إلى مصر من القوقاز مع العثمانيين، وقد حملت الأسرة اسم "تيمورتاش" وبمرور الوقت تحول الاسم إلى الدمرداش.


تلك النشأة والنزعة الصوفية لم تجعل الأب منغلقاً ولا محدداً إقامة الابنة داخل أسوار الحرملك، وإنما تربت قوت كسائر بنات الطبقة العليا، وتلقت تعليماً جيداً، وكانت بطبيعتها شغوفة باللغات والفن والأدب، حريصة على حضور حفلات الأوبرا والباليه والكوميدى فرانسيس والموسيقى الكلاسيك، كما كانت عاشقة للسفر والرحلات وقضاء الإجازات فى أوروبا بين فرنسا والنمسا، وعندما توقفت المواصلات إلى أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية لجأت إلى السياحة الداخلية فى الغردقة والقصير والواحات.


ولأنها الفتاة التى تسبح ضد التيار بالنسبة لانتمائها الصوفى أو مسلكها العام أو تصرفاتها الشخصية، فإنها رغم تربيتها الدينية ظلت صاحبة رؤية تقدمية خاصة فى مسألة الزواج لترتبط بزوج أقل منها فى المكانة الاجتماعية وإن اشترطت فى الوثيقة حق أن تكون العصمة فى يدها أن تطليق نفسها متى شاءت، ولم يستمر الزواج طويلاً لكنه أثمر ثلاثة أولاد وابنة واحدة، وكانت حريصة على تعليمهم تعليماً جيداً فقد درس "أحمد" الهندسة، و"مصطفي" الحقوق، و"محمد" الطب، كما حصلت ابنتها الوحيدة "زينب" على البكالوريا لتتزوج من الصحفى الكبير على أمين، وكانت أم كلثوم واسطته لدى الأسرة، ومن بعده ارتبطت زينب بالطبيب وأستاذ الروماتيزم الشهير بسيونى.


وفى سباحتها ضد تيار التقاليد الأسرية كانت قوت القلوب من أوائل سيدات المجتمع المصرى المخملى اللائى اهتممن بالثقافة والأدب بوجه خاص فأقامت صالونها امتداداً لصالون والدها، حيث زارها فيه أشهر أدباء فرنسا مثل فرانسوا مورياك، وأناتول فرانس، وجان شارو، وروجيه كابو، وجان كوكتو الذى قام بكتابة مقدمة روايته "الخزانة الهندية" عام 1954 بالفرنسية، وتدور أحداثها حول شخصية عائشة الفتاة الريفية الساذجة التى كان من حسن حظها أن نشأت مع ابنة رضوان بك فى القاهرة، ومن هنا فهى لا تتصرف كخادمة وإنما كابنة أخرى للبك، وقد استطاعت عائشة جذب انتباه المجتمع من حولها من خلال مهارتها الموسيقية وعزفها الرائع على العود لتصبح بعدها مطربة مشهورة تغنى على مسرح الأوبرا.


وتكتب "قوت القلوب" فى روايتها "رمزة ابنة الحريم" فى تداخل ظاهر مع شخصيتها الحقيقية عن صالون والدها: "كنت أسمع بوضوح من خلف الستائر صوت الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى، والشيخ محمد عبده، وأصوات الشعراء شوقى وإسماعيل صبرى، وشاب له ضحكة رنانة وهو البرنس حيدر على، وذات مرة سمعت كلاماً عن إتاحة الفرصة لتعليم البنات ومنحهن نفس حقوق الرجال، وتحريرهن من الحجاب، وتغيير قوانين الزواج، وكنت أتمنى رؤية وجه الشاب المتحدث، وفى اليوم التالى دخلت مكتبة والدى فوجدت فوق زجاج مكتبه كتاب "تحرير المرأة" وعرفت أن صاحب الصوت كان قاسم أمين".


وعلى نفس الدرب الأب عبدالرحيم باشا الدمرداش الذى تبرع عام 1928 بمساحة من الأرض تبلغ 15 ألف متر مربع لبناء مستشفى الدمرداش الخيرى وتبرعت معه زوجته بمبلغ 25 ألف جنيه، وفى حفل وضع حجر الأساس الذى قامت الأهرام بنشر الخبر فى 25 نوفمبر 1928 عندما كان الاشتراك فيه لمدة ستة أشهر 120 قرشاً داخل القطر المصرى، وفى سائر الأقطار 200 قرش، حيث تصدر الخبر الذى احتل ثلاثة أعمدة من الجريدة صورة لضيوف الحفل كما ورد فى ذكرهم "دولة محمد محمود باشا، وإلى يمينه فخامة اللورد لويد فصاحب المعالى الدكتور حافظ عفيفى بك وزير الخارجية فنجله المطيعى باشا وزير الزراعة وإلى يسار دولة رئيس الوزراء فضيلة الأستاذ المراغى فمعالى جعفر باشا وزير الحربية".


 وجاء فى مقدمة الخبر وصف تمهيدى لمحتواه جاء فيه: "خيول مطهمة، وأوتوموبيلات فخمة، وجنود مصطفة، وضباط ببزتهم اللامعة وسيوفهم المدلاة، وخدم وحشم وأعلام خافقة وزينات باهرة ووزراء عظماء وعلماء وأدباء وتجار وصناع وقضاة ومهندسون وأطباء ومحامون وسيدات كريمات وأوانس باسمات طروبات وشباب نضير وشعب تنطلق أسرته بشراً وألسنته حمداً وثناءً.. ذلك المنظر الذى رآه الناس فى حى الدمرداش وفى جوانب ذلك الحى وعلى تلك المقاعدة المذهبة اللآلئ والطنافس الثمينة الغالية، ولكن ذلك كله لم يكن يأخذ الأبصار، ولا يجول فيه الخواطر والأفكار، ولا يتجاذب العيون ونظراتها ولا القلوب ومشاعرها بل قد يرى المار بذلك كله على فخامته وعظمته وكأنه لا يلمحه ولا يحس به ولا يراه إلى التمنى وإلى البحث وإلى السؤال وإلى التشوق إلى رؤية ذلك الرجل الذى بر بأمه مصر وأحسن إليها السيد عبدالرحيم الدمرداش "لم يكن قد حصل على الباشوية بعد".. أجل إن عيون تلك الألوف كانت متجهة إليه وحده دون سواه، فإذا سار أحصيت خطواته وإذا باسم الله وصلت إلى حبات القلوب ابتساماته وإذا دمعت عينه - وقد دمعت عيونه مراراً - حار الدمع فى عيون الجميع لدمعته، وإذا تكلم أصغت المسامع لتتخطف كلماته وإذا نظر شمالاً رافقت العيون عينه فكأنما كان فى تلك الساعة التى صرفها الناس معه فى وضع حجر الأساس لبناء مستشفاه مستشفى البر بالإنسانية والإحسان إليها لا يملك قلباً واحداً يخفق بين جنبيه بل قلوب الألوف تخفق لخفقان قلبه ونفوس الألوف أسيرة نفسه وصفق هذا المحسن للخطباء والشعراء فصفق الناس له وضحكوا له لأنه صفق وضحك.. إلخ.


وتواصل الابنة مشوار والدها الخيرى فى تشييد مستشفى الدمرداش الذى تبرعت له بما يعادل 50 ألف جنيه من الذهب منفذة وصيته بأن يظل المستشفى للجميع بغض النظر عن الدين والجنس، وكانت تتبرع سنوياً بالآلاف لكلية طب عين شمس للإنفاق على البحوث التى يجريها الدكتور بول غليونجى على الغدد الصماء، كما فتحت أبواب مكتبتها الخاصة التى تضم آلاف الكتب لطلاب الجامعة، إلى جانب تبرعها لإنشاء مكتبة طبية فى المستشفى.. وظلت احتراماً لذكرى أبيها شيخ الطريقة الدمرداشية تحتفظ بعمامته فى صندوق كبير من الكريستال تضعه فى واجهة الصالون.


وإذا ما كانت قوت القلوب قد عرفت طريقها إلى الأدب فى سن متأخرة نسبياً فقد تجاوزت الخامسة والأربعين عند نشر كتابها الأول "مصادفة الفكر" عن دار المعارف الفرنسية عام 1937، وفى نفس العام قامت دار جاليمار الكبرى بنشر روايتها "حريم" وهى نفس الدار التى نشرت فى نفس العام ترجمة "الأيام" لطه حسين الذى أبدى أسفه الكبير على موهبة أدبية عظيمة يخشى عليها من أن يطويها النسيان فى الشارع العربى لأنها تكتب بالفرنسية وذلك بعدما طالع باهتمام رواياتها "ليلة القدر، زنوبة، ورمزة، والخزانة الهندية" وقصصها القصيرة "حكايات الحب والموت" ويومياتها بعنوان "ليالى رمضان" وإن لم يكن قد قرأ روايتها الأخيرة التى كتبتها فى عام 1961 بعنوان "حفناوى الرائع"، ويعود لدار الهلال الفضل فى ترجمة روايتها "زنوبة" و"ليلة القدر"، وللتليفزيون المصرى حلقات "عصر الحريم" المأخوذة عن روايتها "رمزة" التى قدمها السيناريست مصطفى محرم وقامت بإخراجها إيناس الدغيدى وقامت ببطولتها صفية العمرى ومصطفى فهمى، حيث تتناول الأحداث صراع المرأة المصرية للتحرر منذ عصر الخديو إسماعيل، وكانت قوت القلوب فى "زنوبة" التى صدرت عام 1947 قد دارت حول المفهوم الاجتماعى المصرى والعربى فى تفضيل الذكور على الإناث حيث شعرت المبدعة بميل والدها لهذا الاتجاه فوثقت ذلك فى روايتها التى دارت عبر خمسة فصول كاملة يحاول الرجل فيها البحث عن امرأة تنجب له ولداً فيفشل فى ذلك، فتضطر لتحقيق حلمه إلى أن تضيف اسم الدمرداش إلى أسماء أولادها حتى يخلد اسمه.. ومن أجواء الرواية سطوراً لقوت القلوب تقول فيها: "تنساب دموع غزيرة على وجنتى المرأة، فترى العيون الرحيمة تتجه نحوها، وهى تعلم أن هذه الشفقة صادقة بلا تصنع، فليس هناك شىء يجمع بين النساء ويربط بينهن بشدة مثل جبر الخواطر".. وفى نهاية رواية "رمزة" تكتب المناضلة الفنانة بنت الأكابر بالفرنسية "أخذت على عاتقى أن أستمر فى النضال حتى يختفى من وجوه سيدات الشرق هذا الختم للطغيان الرجالي".


ولقد كان لرونق كتاباتها بالفرنسية مذاقاً ساحراً استحوذ على أدباء فرنسا الذين أعجبوا بالأديبة القادمة من الشرق حتى لقد دعوها مراراً لإلقاء المحاضرات الأدبية فى جامع السوربون بباريس، وما لبثت أعمالها أن ترجمت إل عدة لغات أهمها الإنجليزية والألمانية واليونانية والإيطالية واليابانية والهولندية، ولقد بلغ من شغف كاتبتنا بالقضايا الأدبية أن أنشأ أول جائزة أدبية لأفضل عمل أدبى جديد ومبدع ويخدم قضايا الناس، وحصل نجيب محفوظ على الجائزة الأولى عن روايته "رادوبيس" ليروى عنها رجاء النقاش فى حواراتهما المطولة: "أول جائزة فى حياتى هى جائزة قوت القلوب الدمرداشية للرواية، وهذه السيدة المحبة للأدب نظمت مسابقة عام 1940 رصدت لها 40 جنيهاً، وتشكلت لجنة الاختيار من أبرز أعضاء مجمع اللغة العربية وعلى رأسهم طه حسين وأحمد أمين وفريد أبوحديد، وقد تقدم للمسابقة مئات من الكتاب الشبان، وفزت أنا بالجائزة الأولى مناصفة مع على أحمد باكثير عن روايته "وا إسلاماه" وكان فوزى مبهراً، وحصلت منها على 20 جنيهاً، وكان ذلك المبلغ عظيماً وقتها ومناسباً للأثرياء، وقد علم سكان العباسية بالأمر فتزايد الحسد لى، ولم يكن مبلغ الجنيهات العشرين هو المهم بل كانت الجائزة التى رفعت من روحى المعنوية إلى حد كبير، ففى تلك الفترة تعرضت للفشل وأنا أحاول نشر رواياتى فى الصحف، واعتدت أن أكتب وأضع ما أكتب فى الدرج فى انتظار الفرج، وبعد جائزتها تشجعت وتقدمت لمسابقة مجمع اللغة العربية، وكنت من بين الخمسة الفائزين ومنهم عادل كامل، وعلى أحمد باكثير، ويوسف جوهر، وأحمد حسنين مخلوف، وكانت هذه الجائزة سبباً فى تعرفى على هذه المجموعة من الأصدقاء، وفاتحة خير لأنه بناءً عليه قام عبدالحميد جودة السحار بإنشاء لجنة النشر للجامعيين، وكلفنى شخصياً بالاتصال بالفائزين والتفاوض معهم لنشر أعمالهم وذلك فى عام .1943


قوت القلوب.. الأديبة التى صاغت روايتها "ليلة القدر" بمثابة سيرة ذاتية لها تروى فيها تاريخ حياتها من خلال الشعائر والمناسبات الدينية المختلفة، وكانت تحب الكتابة عن التاريخ الذى يعد من وجهة نظرها عجينة طيعة يمكن تشكيلها بأصابع المبدع الذكرى، ومن أقوالها: "إننا نستطيع أن نكتب عن أعتى الجبابرة على نحو رمزى لا يتبعه مساءلة قانونية".. وكانت بنت الدمرداشية من أشد المعجبين بالكاتب محمود أبوالفتح حتى أنها اشترت من أجله شركتى الإعلانات الشرقية والمصرية بما يقترب من ثلاثمائة ألف جنيه عام 1954 وكانت تشكو للجميع من صده لها، وعندما توفى فى بادندهايم بألمانيا أشرفت على مراسم جنازته واستأجرت طائرة خاصة لنقل جثمانه برفقة المعزين إلى تونس، حيث قام بتكريم ذكراه الحبيب بورقيبة وأقام له ضريحاً من الرخام بعدما رفضت السلطات المصرية دخوله إلى مصر، وبقيت قوت على وفائها فعلقت صورة كبيرة له فى بيتها بالقاهرة، وكانت تبدأ يومها كل صباح وتختمه فى المساء بالصلاة على صاحب الصورة، وكان آخر تبرع لها فى 23 فبراير 1960 عندما أهدت 120 مصحفاً إلى 120 درويشاً من أتباع الطريقة الدمرداشية بمناسبة خروجهم من حجرات العبادة التى ظلوا فيها ثلاثة أيام متوالية يقرأون أورادهم ولا يكلمون أحداً عملاً بالآية الكريمة "آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً"، ويختصر طعامهم فيها على ما يقدمه نقيب الطائفة من أرز يتم طهيه بزيت السمسم ليسهل هضمه، ولا يشربون إلا الماء الممزوج بعصارة الليمون.. وكانت الدمرداشية تعيش على ريجيم قاس يتألف من عصير السبانخ والفاكهة لأنها تشكو من كليتيها، ومع اتساع شرائها واقتنائها العديد من الضياع قال لها محمد عبدالوهاب مداعباً: "والنبى يا هانم ماعندكيش لى عزبة قديمة"، وكانت تحضر مع ابنها النقيب حفلات الذكر وتتوسط الرجال، وبلغ عدد الأفدنة التى تمتلكها 5 آلاف فدان بخلاف العمارات المنتشرة، ويروى ابنها الدكتور أحمد الدمرداش: "بدأت إجراءات ثورة يوليو ضد والدتى بتأميمها وهى التى كانت من أغنى اثنتى عشرة شخصية فى مصر، وكانت تملك أجود الأراضى الزراعية وتم اتهامها بتهريب مائة ألف جنيه من أموالها عن طريق أساتذة جامعة من المنتدبين للخارج وبعض المصريين الذين يسافرون للخارج، واعترف وكيل دائرتها فى تحقيقات النيابة أن المتهمة كانت على صلات قوية بإحدى العائلات المعروفة بدولة عربية شقيقة وأنها كانت تطلب من وكيلها بالقاهرة أن يوصل بعض أوراق النقد المصرى إلى وكيل هذه العائلة فى القاهرة وكان الأخير يقوم بتهريب هذه المبالغ إلى الخارج لتودع فى حساب خاص بها فى أحد البنوك الأجنبية، ولقد قام عبداللطيف بغدادى بهدم قصرها بميدان التحرير الذى كان ملاصقاً لقصر الأمير كمال الدين حسين - مبنى وزارة الخارجية القديم - وكان والدها قد أهداها هذا القصر عند زواجها بعد أن اشتراه من المليونير يوسف أصلان قطاوى باشا ومكان القصر القديم تم تشييد نفق الشهيد كمال الدين صلاح".


ولم تجد قوت القلوب أمامها سوى الهجرة إلى إيطاليا، حيث كان موعدها مع قدرها فى 6 ديسمبر 1968 لتكتب جريدة الأخبار خبر المأساة فى سطور تقول "ماتت المليونيرة قوت القلوب الدمرداشية فى روما على إثر مشادة بينها وبين ابنها مصطفى الدبلوماسى السابق بعد أن رفضت منحه مبلغا من المال فانهال عليها بكرسى حديدى وتم نقلها للمستشفى، حيث توفيت فى سن الـ76 ونقل المتهم إلى مستشفى الأمراض العقلية وتبين أنه مصاب بلوثة عقلية".


تحت ثرى روما دفنت قوت القلوب الدمرداش المليونيرة الهاربة من حكم تهريب جنيهات تقتاب بها على أرض الغربة من ثروتها الضخمة.. ماتت ضحية ضيق ذات اليد التى لم تستطع تلبية طلبات ابن يفقد أعصابه إلى حد الجريمة.. بينما يعالج فى القاهرة على أسرة مستشفى الدمرداش التى شيدتها الراحلة آلاف المرضى، ويدرس فى جامعة عين شمس التى أسستها سيدة الخير آلاف الطلبة، ويقرأ أعمالها بالفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية واليابانية والهولندية آلاف الأجانب.. ولا قوت ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.