الأحد 24 نوفمبر 2024

سيدتي

رجاء حجاج.. رائدة العمل الاجتماعي والخيري ورمز الوطنية والعطاء

  • 25-12-2020 | 19:28

طباعة

حينما أتطلع إلى مشواري الطويل والصعب واستطاعتي شق طريق نجاح في وطني الحبيب حفرته بكثير من الجهد والصدق والحب أيضا ككاتبة مصرية وأديبة وشخصية عامة لها دور بارز أيضا في العمل الاجتماعي والخيري فإنني وسط كل من عرفته من شخصيات مهمة وفعّالة وناجحة من نساء ورجال في وطني فإنني أتوقف لأختار وأنحني لسيدة مصرية عظيمة من عظيمات مصر تعلمت منها الكثير ونشأت على مبادئ وقيم وأهداف وأسلوب حياه غرسته فيّ منذ الصغر ..منذ نعومه أظافري ..ومنذ أن بدأت خطواتي الأولى كطفلة ثم شابة ثم امرأة مصريه تتولى العديد من المسئوليات وتجاوز إنجازاتها على أكمل وجه ..حينما تتحول حياة المرأة لتكون لها رسالة في العطاء لمجتمعها ووطنها وأسرتها وأن تكون لها ريادة في أحد المجالات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية، وأن تنجح فيها فإنها تستحق أن نطلق عليها امرأة مصرية عظيمة ..وأنا من هذا المنطلق فإنني اخترت من ربتني وعلمتني أن أكون امرأة مصرية لها دور فعال في تقدم وطنها وفي رعايه أسرتها وفي التفوق في عملها وفي العمل الاجتماعي والخيري .. هي السيدة العظيمة النبيلة أمي رجاء حجاج رائدة العمل الاجتماعي والخيري والوطني ورمز العطاء والخير والفن والجمال والرئيسة لجمعية هدى شعراوي على مدى أكثر من 16 عاما ثم الرئيسة الشرفية لها حتى رحيلها عن دنيانا في 7 يوليو 2020 ..والتي حولت أعرق جمعية مصرية إلى عمل مؤسسي كبير للعمل الاجتماعي والخيري ومنبر ثقافي أيضا .. كما كانت الداعم والشريك الأساسي لزوجها المفكر المصري الكبير الراحل أنيس منصور الذي توفي في 21 أكتوبر 2011، وعاشا معا قصة زواج عن حب دام لـ47 عاما ..كانت هي التي وضعت أمامه هدفا ليحققه بأن يتحول إلى مفكر وكاتب صحفي كبير له أكبر عدد من الكتب، وأن يكون أحد كتبه في أدب الرحلات 200 يوما حول العالم إلى أكثر الكتب مبيعا في المنطقة العربية حسب أرقام منظمة اليونسكو العالمية وكاتب أشهر عمود صحفي يومي مواقف في الصفحة الأخيرة بالأهرام ..استطاعت رجاء حجاج أن تنشئ مكتبة ثقافية لكبار الكتاب المصريين في مقر الجمعيه بعد تجديده، وأقامت أول مكتبة تضم كتب أبرز الكاتبات المصريات من مختلف الأجيال ..وأن تجمع أرشيف صحف وصور لرائدات حركة تحرير المرأة.. المصريات والمشاركات في ثوره 1919..ومنهن هدى شعراوي رائدة تحرير المرأة المصرية والرئيسة الأولى التي أسست جمعية هدى شعراوي.

وقد أسستها السيدة هدى شعراوي سنه 1923 ..أما أمي فقد قررت أن تتوسع الجمعية بشكل كبير في تقديم الرعاية والخدمات للسيدات اللاتي في حاجة إلى دعم، والمعيلات فأقامت مشغلا للأشغال اليدوية للنساء وإنتاج منتجات للبيت رائعة كان يتم تسويقها وبيعها من خلال إقامة سوق دوري لبيع منتجاتهن كدخل أهم يدعم بيوتهن.. كما أقامت في مقر الجمعيه بحي مصر القديمة 22 شارع قصر العيني والتي تطل على نيل القاهرة أول متحف لمقتنيات السيدة هدى شعراوي يضم تحفا نادرة وملابس كانت تستخدمها مثل فستان خطوبتها المطرز يدويا وأدواتها الشخصية ..كما أقامت حضانة لأبناء الأمهات العاملات في المنطقة وطورت المبنى الملحق الجمعية ليتحول إلى مسرح ومنارة ثقافية ..كما أقامت دارا للمغتربات، وأسست نظام كفالة الأيتام المساهِمة في تعليمهم ورعايتهم حتى دخول الجامعة ..وكانت أمي أيضا لا تنسى يوم اليتيم فتقيم احتفالا لعدد من دور الأيتام وتقدم لهم الهدايا والموسيقى والغناء لإسعادهم في هذا اليوم في الأسبوع الأول من شهر أبريل، كما كانت تقام ندوات ثقافية كنت أساعدها في إقامتها مع شخصيات ذات دور فعال وبارز في بلدنا وساعدتها أيضا في إقامة عدة احتفالات وفعاليات ثقافية لتكريم قيادات نسائية مصرية في مختلف المجالات ..وكان شهر رمضان يعد ملتقى لإقامة أمسيات للإفطار لعضوات الجمعية مع العاملين بها وندوات في شرح مبادئ الدين الإسلامي المستنير. 

ومنذ صغرها كانت تقوم بدور وطني حيث كان خالها محمد توفيق عبدالفتاح ..واحدا من الضباط الأحرار ..فكانت تقوم بتوصيل الرسائل وهي ًفتاة صغيرة بين ضباط ثورة 1952 قبل قيامها ..وكانت أمي أيضا الوطنية المصرية تُغرس في حب الوطن منذ الصغر وفي ثورة 30   يونيو 2013حينما شاركت في الثورة الشعبية الهادرة التي حماها الجيش المصري والشرطة المصرية نزلت أمي معي رغم إصابتها بجلطة في المخ نتجت عنها إصابتها بالشلل في الجانب الأيمن من جسدها إلا أنها نزلت في السياره معي بعد أن ساعدتها على أن تكون معنا وكانت تحمل العلم المصري وتلوح بيدها اليسرى للثائرين من كل الأعمار ضد التطرّف وحكم الجماعة الظلامية الأسود ..وكانت سعيدة بنجاح الثورة المصرية الهادرة وبنجاح الرئيس عبدالفتاح السيسي في قياده مصر ونقلها إلى طريق النور والحريه .

كانت أمي أيضا سبّاقة في تربيتي على القيم والمبادئ وشجاعة الرأي والقول كانت شخصية قوية ذات قلب كبير فكانت منذ صغري تعلمني الموسيقى بدرس بيانو أسبوعي والحرص على دروس الباليه والرسم وأيضا ممارسة الرياضة حيث كانت تلعب رياضة التنس منذ صغرنا وكانت ميولي تتجه إلى السباحة فكانت تحرص أيضا على اصطحابي إلى النادي لممارسة تدريبات السباحة، حصلت على بطولة للجمهورية عدة مرات تحت سن 12و14و16 سنة ..أدركت أيضا أهمية اللغات فأقنعت أمي الطبيب الكبير والأستاذ الجامعي بقصر العيني  ومؤسس قسم الطب الطبيعي والآشعه لكليه طب قصر العيني ..أقنعته بأن ألتحق بمدرسة ليسيه الحرية لتعلم اللغة الفرنسية والإنجليزية ..وأفادني هذا فيما بعد في مشواري الصحفي في بلاط صاحبة الجلالة..وفي تمثيل مصر بشكل سليم والتواصل مع الآخر في المؤتمرات الثقافية والمعنية بالمرأة والطفولة العالمية في الدول الأجنبية..كما كانت أمي أيضا عظيمة في إيمانها بوسطية الدين الإسلامي، وكانت أحرص على الصلاة والصوم مما جعلني أسير على خطاها في الدين المستنير وأتممنا شعائر الحج معا، ومع المفكر الكبير أنيس منصور الذي أقنعته بضرورة الحج لبيت الله الحرام باعتباره فريضة في الدين الإسلامي وهي التي كانت وراء تأديته لفريضة الحج عدة مرات والعمرة، وكتب واحدا من أهم كتبه .. طلع البدر علينا...

وكانت أمي بعد نكسة 1976 في غاية الحزن على ما أصاب مصر .. وكان شقيق والدتي أيضا اللواء المرحوم محمد فريد حجاج واحدا من أبطال الجيش المصري وكان قد شارك في كل حروب مصر وكان دائما ما يروي عن رجولة رجال الجيش المصري وكان يتميز بالرجولة والأخلاق العالية.. وبعد نكسة 67 انتابها الحزن الشديد لكن بعد رجوع كلٌ من الحرب كانت تدعو ليلا ونهارا أن نسترد الأرض وكان لديها إيمان قوي بذلك وحينما عبر الجيش المصري في 1973، وحقق انتصارات مدوية في هدم خط بارليف المنيع كان خالي يشارك في حرب أكتوبر .. فكانت يوميا تقرأ القرآن داعية أن يعود بالسلامة .. وعاد والحمد لله وحرصت على أن تشارك في رعاية جرحى الحرب والمساهمة في ذلك إذ كانت عضوة  بالهلال الأحمر المصري والذي كانت ترأسه السيدة الفاضلة جيهان السادات التي كانت صديقة شخصية لها .. كما كان أنيس منصور كاتبا ومستشارا ومقربا من الرئيس الراحل محمد أنور السادات .. وهكذا كان بيت أمي ملتقى للسياسة والأدب والصحافة والعمل الاجتماعي والثقافة.. وأسفرت حرب أكتوبر عن انتصار مصري مشرف كما أنها كانت وراء قرار الرئيس السادات بإطلاق مجلة أكتوبر من مؤسسة دار المعارف فوقفت أمي إلى جانب زوجها في هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر وكانت تساعده بنشر باب أسبوعي للأزياء لأنها أيضا كانت سيدة أنيقة تتميز بالجمال والأناقة والرقي ..


وحتى وفاتها كانت مؤمنة بالله وتقبلت إصابتها بالشلل النصفي في نصف جسدها الأيمن منذ 1999، وحتى وفاتها ..هذا العام ..فكنا نقرأ آيات القرآن الكريم قبل نومها كل ليلة وتقبلت قضاء الله في كل شيء وكنت أتولى رعايتها وأحرص على دعمها معنويا وبث الطمأنينة في قلبها منذ إصابتها بجلطة المخ إلا أنها كانت تمدني بقوة هائلة حينما أنصت لدعائها لي بالنجاح والصحة، وقدرة على تكملة مشواري في عملي وتقلد مواقع ومسئوليات قيادية عديدة في الصحافة والمرأة والطفل والثقافة والإبداع. كانت أمي رحمة الله عليها رمزا من رموز العطاء والوطنية والعمل الاجتماعي والخيري في مصر .. أدعو الله كل يوم وكل لحظة أن يدخلها فسيح جناته .. فكلماتها ودعاؤها ونصائحها وحبها لي كانوا الدعم الأكبر لي في حياتي وفي مسيرتي التي أعتز بها لأنني أعتقد أن المرأة الناجحة لابد أن تقوم بدورها الأسري والوطني والمجتمعي والمهني معا وأن تكون شريكا فعالا مع الرجل في تقدم وطننا .. وأرى أن المرأة المصرية هي صمام الأمان في تقدم المجتمع وفي تقدم الوطن ولابد أن يكون لها هدف نبيل تنجزه في حياتها .. فنحن نأمل في غد أفضل لأبنائنا وبناتنا .. وأتمنى أن تأخذ مصر مكانتها اللائقة بين الدول كدولة متقدمة مستنيرة وعريقة وحرة ومستقلة.