الخميس 6 يونيو 2024

رضوى عاشور.. افتحوا الباب لتدخل السيدة

سيدتي25-12-2020 | 21:32

بعض القصص الواقعية تُعيد إيمانك بالأساطير، رُبما لم يكن حبي لها فقط لكونها رضوى عاشور الأديبة المميزة بين أبناء جيلها، ولا لأنها الثائرة الحُرّة التي لطالما كانت أيقونة للوطنية حتى أنها نزلت الميدان وشاركت في التظاهر برغم سنواتها الستين ومرضها، وليس فقط لأنها الهادئة الوقورة الساطعة التي تسحبني من يدي عندما أقرأ لها وتبعث في قلبي الوجد والشجن والتحرر والوطنية، لكن لأنها امرأة استطاعت أن تصنع أسطورة ببساطة كأنها تطهو أكلة دافئة في بيت ريفي بعيد.

حققت رضوى عاشور المثلث الذي طالما أسرني، الوطنية، الإنسانية والعشق، هذه المرأة الموتورة بمصير الوطن، "ضربوا العيال؟" هكذا سألت عندما أفاقت من جراحة مهمة قامت بها في الولايات المتحدة في يناير 2011، وعندما وصلت مصر نزلت للميدان بعد يومين لتواصل النضال الذي بدأته منذ شبابها، نضال وطني وعاطفي مع شريكها الذي باعدت الظروف السياسية بينهما لكنها لم تستطع أن تباعد بين قلبين تعاهدا على المسير تحت كل أنواع القصف.

لم تكتب رضوى عاشور روايات لكنها كتبت حياة كاملة، كتبت عن جيراننا وأهلنا وأحبتنا ووطننا، حولت كل ما هو هش فينا إلى صلابة، وكل ما هو ضعيف فينا إلى قوة، وكل ما يحزننا إلى ذكرى، هي الصوت النسائي الذي أتى كامتداد لـ لطيفة الزيات في التعبير عن الحريات، لكن مع بُعد اجتماعي قريب من القارئ المعاصر وعاطفة عربية كبيرة، تفردت في أسلوبها فأصبحت رمزا للتغيير والحياة.

الحُب يصنع بين المُحبين تاريخًا مهما فرقتهما الجغرافيا، يصبح المحبوب حاضرًا دائمًا حتى وإن طال غيابه، تراه في عين الحبيب وبين كلماته ولفتاته، هكذا كان حضور رضوى في أبيات تميم، وهكذا كان حضوره بين سطورها، فهي كاتبة تؤمن بأنه لا يمكن فض الاشتباك بين التاريخ والرواية، ولا بين الواقع والكتابة حتى وإن اختلفت أساليب الكتابة عن الواقع، فالرواية كما قالت كـ ابن يشبه أباه وإن لم يتطابق معه.

قصة الحُب الحقيقية التي عاشتها رضوى عاشور بكل ما فيها من نضال ومعاناة بداية من رفض والديها هذه الزيجة من شاب فلسطيني، مرورًا بفترات التطبيع ونفي الزوج والمواقف السياسية، سمحت لها أن تُبدع ومنحتها الروح المؤرّخة، إضافة للطبيعة الحكّاءة، منحتها هذا البراح واليقين والإيمان لتتناول الحياة بكل ما فيها، لم تجعلها تتوقف مثل كل امرأة مرّت بتجارب عاطفية ونفسية سيئة أمام واقعها فحسب وتتحول مثل معظم الكاتبات للكتابة الذاتية واجترار الألم ومهاجمة الذكور، وهذا ليس عيبًا في الكتابات الذاتية فكل ما يمس الإنسانية أدب، لكنه الفارق بين رجل منح امرأة الحياة لتكتب ورجل منح امرأة الجراح لتنزف.

لخصت رضوى هذه الحالة عندما قالت " لا يمكن أن يكون الحُب أعمى لأنه هو الذي يجعلنا نُبصر"، هذا هو الحُب الذي عرفته، الحُب الذي يمنح النور ويُلهم البصيرة، الحُب الذي جعلها تكتب ثماني روايات فقط غيرت شكل الرواية العربية، الحُب الذي رأيته في أشعار مُريد وانهياره في اللحظات الأخيرة ورثائه الحار لها، ورأيته يوم ندوة أدبية عندما رفع خيطا زائدا فوق ثيابها خوفًا أن يفسد الخيط هندامها، ورأيته في عيونها في نفس الندوة وهي تحكي عن أول لقاء لهما عند مدرّج المكتبة المركزية في الجامعة، حيث كان يلقي شعرًا جعلها تتوقف عن كتابة الشعر آنذاك عندما أدركت بقلبها أن هذا هو الشاعر.. بل هذا هو الحبيب.

هذا الحُب الذي تجلى عندما سردت في الندوة كيف أنه يداعبها في المنزل ويقول على نفسه إنه "senior citizen"وهو لفظ إنجليزي دارج لكبار السن أصحاب الامتيازات، فقالت مُداعبة بدورها "لكننا نفس السن" فكيف يعتبر نفسه senior citizen، ثم استدركت أنه كبير بالفعل لكنه ليس كبيرا في سِنّه، لكن في مقامه.. وأكملت لغة جسدها ويدها المُرتبكة.. كبير مقامه في قلبي.