الخميس 23 مايو 2024

سهير القلماوي.. أول بنت مصرية تحصل على شهادة الدكتوراه في الأدب

سيدتي25-12-2020 | 21:45

حينما تأتي سيرة الدكتورة سهير القلماوي، يتصارع علي الذهن، علاقتها بأستاذها عميد الأدب العربي طه حسين، ورائعة شهر زاد التي حصلت بها على رسالة الدكتوراه، وأحاديث الجدة ، التي  رأينا  فيها صورًا واضحة لأول  فتاة التحقت بجامعة فؤاد الأول " جامعة القاهرة حاليا"، واختارت قسم اللغة العربية التي كان يرأسه أستاذها حينذاك، وأنها البنت الوحيدة  التي تفوقت على أربعة عشر زميلاً من الشباب في الدراسة. 

   سهير القلماوي هي التلميذة النجيبة للدكتور طه حسين، الذي كتب لها مقدمات لأعمالها الأدبية إيمانا بنبوغها وتفوقها وقدرتها على صياغة الأفكار والقدرة على دخول المعارك الأدبية منتصرة بقلمها الرشيق. 

   حينما احترفت الكتابة بدأت تكتب في مجلات "الرسالة والثقافة وأبولو" وهي في السنة الثالثة من دراستها الجامعية، حصلت على ليسانس قسم اللغة العربية واللغات الشرقية عام 1933. لتصبح أول فتاة مصرية تحصل على الماجستير عن رسالة موضوعها "أدب الخوارج في العصر الأموي عام 1937"، كما حصلت على الدكتوراه في الأدب عام 1941 عن (ألف ليلة وليلة).

  عاشت رحلة طويلة من النضال والمثابرة لتحقيق أهدافها كامرأة  شغلت مناصب قيادية في مجتمع ذكوري ، فقد تولت منصب أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب عام 1956، ثم منصب رئيس قسم اللغة العربية (1958- 1967). كما تولت الإشراف على (دار الكاتب العربي)، ثم الإشراف على مؤسسة التأليف والنشر في الفترة "1967-1971" 

 وكان لها دور فعال في إقامة أول معرض دولي للكتاب بالقاهرة عام 1969 والذي يشمل على الأخص جناحا خاصا بكتب بالأطفال وهو ما استمر بعد ذلك ليصبح فيما بعد المعرض السنوي لكتب الطفل، في عام 1979 وحينما أصبحت عضواً بمجلس الشعب عن دائرة حلوان كان لها نشاط بارز في الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة .

 وعندما شاركت في عضوية مجلس اتحاد الكتاب اختيرت عضواً بالمجالس المصرية المتخصصة التي ساعدتها في حضور العديد من المؤتمرات العالمية،  ومن ثم نالت العديد من جوائز والأوسمة منها: الجائزة الأولى لمجمع اللغة العربية عن كتاب "ألف ليلة وليلة" عام 1943، وجائزة الدولة عن كتاب "المحاكاة فى الأدب" عام 1955، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1977، وحصلت -أيضًا- على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1978.


رحلة عامرة


   سهير القلماوي ولدت في مدينة طنطا في عام 1911، نشأت في عائلة تفخر بتعليم إناثها، أحبت الاطلاع والقراءة من صغرها وكان  لوالدها مكتبة ضخمة استطاعت أن تستفيد من الأعمال الأدبية في سن مبكرة حتى أن كُتابا مثل طه حسين ورفاعة الطهطاوي وابن إياس ساهموا في موهبتها الأدبية بشكل كبير وشكلوا صوتها كأديبة، مما أثرى حياتها  بالكتابة فيما بعد ، التي بلغت مجلدين من قصص قصيرة وعشرة دراسات نقدية والعديد من تراجم في عالم الأدب.

 تأثرت كاتبتنا بالنساء المصريات اللاتي قمن بالمشاركة في ثورة 1919 من أمثال صفية زغلول وهدى شعراوي وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها السيدات في الثورات، فعاشت وسط تأثير هؤلاء النساء اللاتي نقلن المناظرات النسوية للشوارع لإنشاء حركة بعيدة المدى. وقد أثر هذا المقصد على بعض مبادئها النسوية في المطالبة بحقوق المرأة والدفاع عنها  ومساواتها بالرجل ، وساعدها أستاذها في شغل منصب مساعد رئيس التحرير في مجلة جامعة القاهرة عام 1932، وهكذا أصبحت القلماوي أول امرأة  تعمل في الصحافة بمصر، مع تصاعد نشاطها عملت مذيعة لخدمة البث الإذاعي المصري. وصارت إحدى الوجوه النسائية الفاعلة في المجتمع المصري وخاصة بعد أن حصلت على الماجستير في الآداب، ثم سافرت فى بعثة لفرنسا للتحضير لرسالة الدكتوراه عن " ألف ليلة وليلة "، وبالفعل حصلت على الدكتوراه عام 1941م فى أول رسالة علمية تناولت ألف ليلة وليلة من خلال دراستها وتقديمها من حكايات شعبية إلى عمل أدبى لتصبح أول فتاة مصرية تحصل عليها، ثم بدأت حياتها المهنية كأول مُحاضرة في جامعة القاهرة عام 1936. 

ونحن نسير في درب القلماوي لابد وأن نتوقف عند رسالة الدكتوراه التي تناولت فيها بالبحث والدراسة حكايات "ألف ليلة وليلة" كأساس لمهمتها النسوية، التي استهدفت الإعداد لامرأة جديدة ذكية ومثقفة وحكيمة مسؤولة بشكل كامل عن حياتها وأسرتها. امرأة لا تستخدم فطنتها وفضائلها لتتساوى بالرجل، ولكن أيضاً تسعى جاهدة لإعادة تثقيف الرجل لتحظى بالمساواة. ظهرت هذه الرسالة في كتب النقد الأدبي الخاصة بها، في النقد الأدبي 1955، والعالم بين دفتي كتاب 1985، بمقدمة بقلم الدكتور طه حسين.


وبعد حصولها على درجة الدكتواره سرعان ما شقت طريقها لتصبح أستاذة جامعية، وتوالت المهام والنجاحات من درجة علمية إلى وظائف قيادية حيث عملت كرئيسة الاتحاد النسوي المصري الذي كان يهتم بقضايا المرأة حينذاك، وفي عام 1959 أصبحت رئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية، حيث أسست هيئة للتعاون بين الاتحاد المصري والاتحاد العالمي للجامعات. 

ومن بين المناصب التي شغلتها أيضا وكان لها أثر في دورها الإيجابي في المجتمع، منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى عام 1967 ورئاسة مجتمع ثقافة الطفل عام 1968. تلك المناصب الذي كان يحظى بها الرجل دوما،  ولكنها استطاعت بفطنتها وذكائها  كسرهذا الحكر بإرادتها القوية كامرأة صممت على النجاح ونجحت، وكان لها دور فعال في حركة النضال من أجل تحسين وضع المرأة من خلال مشاركتها في مؤتمرات المرأة العربية.

وفي عام 1960عينت رئيس المؤتمر الدولي للمرأة؛ وفي عام 1961 أصبحت رئيسة أول اجتماع للفنون الشعبية، حيث شكلت لجنة للإشراف على جامعة الفتيات الفلسطينيات للحديث عن اهتمامها بالقضية الفلسطينية وكان ذلك عام 1962. 

ولقد بدأ عملها السياسي بالفعل عندما دخلت البرلمان كعضوة في عام 1958  حيث أصبح لها الحق في المطالبة بالحقوق السياسية للمرأة كحق الانتخاب أسوة بالرجل. 

أحاديث جدتي

     حينما نتحدث عن مسيرة الدكتورة سهير القلماوي لا بد أن نذكر دورها الإبداعي المستنير في الإبداع الأدبي، فمن أبرز أعمالها كتاب "أحاديث جدتي" الذي جاء بمثابة أول مجلد قصص قصيرة تنشره امرأة في مصر في عام 1935. أوضحت فيه الدورالاجتماعي للإناث باعتبارها الحافظ والمجدد لتأريخ المجتمع عبر السرد الشفوي بهذا العمل الذي يدور حول قصة جدة تحكي ذكريات الماضي لحفديتها ، بهدف النقد للوضع الاجتماعي من منظور المدنيين الذين لزموا بيوتهم في زمن الحرب. حيث تستنبط الجدة الأخلاق من ذكرياتها عن الأحداث وترسم مقارنة بين الماضي والحاضر، وكانت دائماً ما تؤثر الماضي وتفضله كنموذج. 

حيث تلمح القلماوي عبر هذا العمل بأن حكايات الزوجات القديمة وقصص الجدات لما قبل النوم يمكن أن تحمل رسالة نسوية عميقة. كعديد من الأعمال الخيالية خلال حقبة الثلاثينيات، التي قدمت من خلالها مجموعة قصص لوصف واقعي لمجتمع الطبقة المتوسطة المصرية ونظرة للمجتمع القروي بعين الطبقة المتوسطة. 

   تميزت الدكتورة سهير القلماوي بمكانة خاصة لدى أستاذها د. طه حسين الذي ظل مناصرا ومؤيدا لها طوال رحلتها العلمية والإبداعية وإيمانه بدورها في المجتمع المصري حتى أنه خصص لها رسائل فى كتابه " الوثائق السرية لطه حسين " والذي حدثنا عنها الكاتب جهاد فاضل قائلا" لقد احتفظ طه حسين في أوراقه برسائل ثلاث شخصيات نسائية هي: مي زيادة وأمينة السعيد وسهير القلماوي هي الوحيدة التي احتفظ طه حسين برسالة منه إليها، لعله كتبها ثم رأى أن يحتفظ بها لنفسه، فهو نوع من الرجال الذين يخفون مشاعرهم حتى عن أقرب الناس إليهم.

وطه حسين عادة متحفظ في عواطفه لا يتجاوز فيها المقدار الرسمي. ولكنه مع  سهير  يخرج عن عادته. فهو يبدأها بالمراسلة، وهو يحثها على استمرار المراسلة، وهو يودّعها بنفسه قبل سفرها إلى البعثة.

ورسالة طه حسين إلى سهير قطعة أدبية، تحمل خصائص طه حسين الأسلوبية في التكرار، وحسن التقسيم، والإيقاع الصوتي.

وهي ربما للمرة الأولى، تنقل طه حسين من موقف المتأمل للمرأة، الذي يرصدها كذكرى، أو يرقبها كرمز، إلى موقف المشارك الذي يصبح طرفاً في المعادلة.

الرسالة ليست حديثاً عن المرأة أو معها، بقدر ما هي توصيف لمشاعر طه حسين الخاصة : " والله يشهد أني لأذكرك كل يوم غير مرة. وما أظن أنك تذكرينني كما أذكرك. وهذا طبيعي. فإن لك من حياتك الجادة الخصبة في باريس، ما يشغلك حتى عني.

رسائل د. طه حسين  إلى  سهير  القلماوي تتضمن النصيحة والتوجيه والعاطفة من أستاذ لتلميذته. وفي حالات كثيرة  كان يقسو عليها، ولكن الأمر هنا يختلف. فهو في تلك الرسالة يفضفض عن نفسه دون تكلف أو تحفظ. ويتحدث عما يسميه عذابات نفسه مع  السأم وضيق النفس والضجر بالحياة، ويعتذر حيث لا ضرورة لاعتذار، ولكنه الإحساس المرهف بمشاعر الطرف الآخر:" والحرص على ألاّ أكتب إليكّ، فتجدين في ما تقرئين لوناً قاتماً ونغمة حزينة. والله يشهد مرة أخرى ما أريد ولا أطيق أن أقسو عليكِ، وإنما هي اللهجة التي تستطيع أن تصدر عن نفسي في هذه الأيام والتي أتحدث بها إلى أقرب الناس إليّ، وآثرهم عندي، والذين لا أتكلف معهم ولا أتصنع.

ولم تكن رسائل سهير القلماوي في مستوى رسائل أستاذها، إن لم يكن أكثر من ذلك.. كثيرة الاعتذار، كثيرة الحذف والتغيير، تكتبها على عجل، دون أن تقف عند الخاطرة فتقلبها وتنقيها، وتنتقي لها المستوى الجمالي الذي كان طه حسين يحرص عليه في رسائله، ويحرص عليها أصدقاؤه المقربون في رسائلهم، فنراها تكتفي بمجرد نقل المعلومة، وتترك نفسها مع تعبيرات أقرب إلى العامية".

وكما كانت القلماوي تلميذة محببة إلى أستاذها عميد الأدب العربي فقد تتلمذ على يدها مجموعة من الأدباء والشعراء والنقاد منهم " صلاح عبد الصبور ود. جابر عصفور، د. عبد الحميد يونس، د. أحمد مرسي وغيرهم من رواد الفكر في مصر والوطن العربي.

لقد أسست بالفعل مدرسة لاكتشاف ورعاية أجيال جديدة من الباحثين، الذين مضوا يدعمون -داخل الجامعة وخارجها- قضيتها، وقضيةَ أستاذها طه حسين، وهي “عالمية الأدب العربي، وانفتاحه على الثقافات العالمية”. وتخرج في مدرسة سهير القلماوي مجموعة من أنبغ تلاميذها في كافة التخصصات، حملوا شعلة النهضة والتحديث في الجامعة والثقافة العربية، منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي وحتى وفاتها عام 1997.