الأربعاء 15 مايو 2024

من أين أتيتم بدينكم؟ !

أخرى26-12-2020 | 12:04

في بدايات ما يسمى الربيع العربي، كان يجادلني أحد الزملاء، وأحسبه ينتمي لما يسمون أنفسهم الإخوان المسلمون، حول عدم فهمه لنقدي الدائم لتلك الجماعة، رغم أنها لم تفعل شيء إلا الدعوة للإسلام، على حد قوله.

كنت أقص عليه في بعض الأحيان فحوى رسالة الماجستير أو رسالة الدكتوراه أو الخطوط العريضة لبعض المقالات والكتب التي كتبتها حول الموضوع منذ عام 2010، والتي تؤكد عكس ما يعتقده عن الجماعة.

ولكن هذا لم يضع نهاية للنقاش حول الموضوع، فأصابنتي حيرة كيف لي أن أضع حدا لاعتقاده بأن الإخوان هم الإسلام، كما يعتقد.. ولكنني تذكرت فجأة قصة ربما تساعدني في ذلك، وخصوصا أنها منتشرة إلى حد ما، ولها تأثيرا على ما أظن على نمط ثقافته.

والقصة هي (مع الإشارة إلى تعدد نمط سردها وعدم يقينية حدوثها، ولكنها جد معبرة):

استدعى الشاه علماء السنة وعلماء الشيعة حتى يقرب بينهم وينظر إلى وجه الاختلاف بينهم.

فجاء الكثير من علماء الشيعة ولم يأتي من علماء السنة إلا واحد بعد أن تأخر عليهم.. فلما دخل عليهم حاملا حذاءه تحت إبطه نظر علماء الشيعة إليه وقالوا: لماذا تدخل على الشاه وأنت حاملا حذائك؟.

فقال لهم: لقد سمعت أن الشيعة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يسرقون الأحذية.

فقالوا: لم يكن هناك شيعة في عصر الرسول.

فقال: إذن انتهت المناظرة، من أين أتيتم بدينكم؟ !

انتهت القصة.

قلت له مقلدا القصة:

سمعت أن الإخوان المسلمين كانوا يحرفون الآيات أيام الرسول ويلون عنقها لتناسب مصالحهم السياسية.

فقال لي: وهل كان هناك إخوان مسلمون أيام الرسول؟

فقلت له من أين أتيتم إذا بدينكم؟

وأضفت، أنت حر فيما تعتقده ولكن في الحقيقية (التي يتفق عليها جل المسلمون دون أن يطبقها معظمهم)، أنه لا كهنوت في الإسلام وأنه لا يجب أن تضع جماعة أو فرقة أو شخص بينك وبين الله وأنه ليس من حقك مصادره الدين لحسابك.. فأنت لست متحدثا رسميا باسم الدين؛ فهذه مهام الرسل والأنبياء، وأنت لست منهم بالطبع.

الإسلام أوسع من كل الجماعات والفرق مجتمعة والتي، في ظني، لم يضر الإسلام مثلها.. نظرة سريعة وموضوعية للتاريخ ودون تحزب ودون تمذهب ليس لها إلا أن تثبت ذلك وأن تثبت أيضا أن السياسة هي سبب ظهور الفرق والشيع والجماعات منذ بداية الإسلام وحتى اليوم.. منذ نشأة الجماعات الإسلاموية المعاصرة منذ عام 1928 طغت السياسة وقل الدين (مكارم الأخلاق).

أخيرا استشهدت بكلام إبراهيم منير نفسه والذي قاله في بدايات ما يسمى الربيع العربي في مقابلة مع الصحفي محمد قواص عندما ضيق عليه الخناق وحاصره حتى قال الحقيقية، وهي من المرات النادرة:

الإخوان ليسوا الإسلام.. لم تأت جماعة الإخوان لتنفي الآخر.. مرجعيتنا فهمنا للدين، لم تحتكر جماعة الإخوان في أي لحظة من اللحظات الإسلام، وإنما نقول هذا هو فهمنا للدين.. الإسلام مشاع بين الناس.

بالطبع هذا ما يجب أن يكون، ولكن ما يربي عليه الإخوان ونصوص منظريهم وخطاب وسلوك قادتهم (بمن فيهم منير بالطبع) هو عكس ذلك تماما إن أكبر جرم ترتكبه تلك الجماعة في حق المغرر بهم أن تصور لهم أنها الإسلام وأن من ينتقدها ينتقد الإسلام.

ولا يجب أن ننسي كلام عبد الفتاح مورو الكادر الإخواني التونسي؛ عندما قال مخاطبا شيخ التكفير وجدي غنيم عن التوانسة المسلمين من غير الإخوان:

لن نباشرهم بعدواه لأن غايتنا أبناءهم ونسائهم وأحفادهم.. نحن لا نرغب في هؤلاء، نحن نرغب في أبنائهم سيدي الكريم، وأبنائهم عندنا اليوم، وبناتهم عندنا اليوم وغايتنا أن نفصل أبناءهم عن رأيهم.

هدف مورو وغنيم واحد، وتختلف فقط الوسيلة، الهدف تطبيق نموذج البنا للوصول للحكم بتديين السياسية وتسييس الدين، وخلق طائفة أو فرقة دينية مستعلية غازية، تحتكر الدين وتصادره لحسابها، فتكون كهنوت في دين لا كهنوت فيه.

ومن يتابع بعين فاحصة قناة الجزيرة، يجد أنها كأنما تدشن رسميا لدين جديد.. الإخوانجية، والتي تسعى من خلاله لاحتلال الإسلام؛ فيصبح هو الإسلام والإسلام هو، وبالتالي، من ينتقد من المسلمين إحلال الإخوانجية محل الدين فهو يعادي الدين (دين الإخوان).. وبهذا المنطق، يعادي أكثر من مليار مسلم الإسلام (الذي هو الإخوانجية)، ويؤمن به فقط بضعة آلاف من الإخوان، إنه تطبيق عملي لفكرة الجاهلية وتكفير المجتمع التي نظر لها أحد مؤسسي هذا الدين الجديد وهو سيد قطب، ويمجد أصحاب هذا الدين الجديد بعضهم البعض فيقول علامة هذا الدين الجديد يوسف القرضاوي، مخاطبا أردوغان كأنه واحد من الرسل:

الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، وكل الأحرار في العالم معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب معك.. وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير.

هذا ونقل موقع الجزيرة عن راشد الغنوشي، في 16 ديسمبر 2020 أنه قال: إن من لا يؤمن بأن الإسلام دين ودولة إيمانه منقوص؛ ولو أتى بأركان الإيمان والإسلام كاملة.

لا نملك إلا أن نقول لمثل هؤلاء: من أين أتيتم بدينكم؟ !

    Dr.Radwa
    Egypt Air