الخميس 16 مايو 2024

ليه كده ياعم «البارون»؟!

1-5-2017 | 10:49

نقد تليفزيونى : هبة عادل

برومو ترويجي مثير لمسلسل بأبطال نعرفهم ونحبهم واسم العمل لافت للنظر وعلي قناة فضائية محترمة.. عوامل تؤمن لك اتخاذ قرار بمتابعته وأنت مبتهج النفس مستريح الوجدان...

وهذا ما فعله جمهور كبير من متابعي ومحبي الدراما التليفزيونية عندما اختاروا مشاهدة مسلسل «البارون» للنجم عمرو عبدالجليل المعروف بخفة الظل وأدائه لشكل معين من «الكاركترات» التمثيلية المحبوبة ولما كنت واحدة من هؤلاء الجمهور، فقد جلست وتابعت ولكن وقلمى معي وقد أبي علي أن يصمت علي تدوين بعض الملاحظات الهامة علي هذا المسلسل الذي جاء في ثلاثين حلقة وكذلك عشرات الملحوظات أردت أن أدونها لعلها تحاكي بعضا مما شعر به القارئ العزيز....

فبداية نتوقف عند اختيار «البارون» كعنوان لهذا المسلسل ونعرض هنا لمعني كلمة البارون وهي في الوعي الجمعي تعني اسما للقب عظيم، وبالفعل هي في أصل اللغة الانجليزية تقال بيرون أو Beron وتعني «النبيل»، ولقب نبيل هو لقب ارستقراطي في الانظمة الملكية الاقطاعية في بريطانيا وأصلها الفرنسي يعني المحارب أو الحر... وفي الألمانية يقال الفرايهير وفي الإسبانية فيكوند وفي اليابانية دانشاكو .. إلخ.

أما في المصرية فاختار صناع العمل أن تكون البارون مفردة مرادفة لاسم البطل «عمرو عبدالجليل» أو ماهر كما جاء في العمل ولكن الكلمة كانت أكبر من حجم الدور بكثير فلا نحن وجدنا نبيلاً ولا عظيماً ولا أيا من هذه الاوصاف فليس معني أن يظلم أحد ويدافع عن نفسه وعن حقوق المستضعفين أمثاله ليس معنى الأمر أنه نبيل أو بارون وفي رأيي أنها هوجة عهدناها في الآونة الأخيرة فمثلما كان لدينا الزعيم عادل إمام والساحر محمود عبدالعزيز أصبح الكل لديه رغبة لركوب هذه الموجة، فصار هناك الأسطورة محمد رمضان والبارون عمرو عبدالجليل وهكذا..

وإذا كانت القصة لكاتبها أحمد صبحي تنتمي لنوعية الدراما الاجتماعية الكوميدية السوداء المعروفة Black comdey وهي تحكي عن شاب تقدم في العمر ويعمل في مكتبة لتصوير أوراق طلاب الجامعة خاصة طلاب كلية الحقوق ومن خلال هذا العمل وعشقه للقانون يحفظ المواد جيدا... وتمر به الأحداث ليموت صديق عمره غدرا علي يد سيدة أعمال شريرة ويحاول هو الشروع في قتلها وبطبنجة ميري لعسكري الشرطة فيدخل السجن علي ذمة هذه القضايا «التي لم يكن بريئا منها بالمناسبة» فلو أن أخذ الحق مهما كان حجم الظلم الواقع أصبح مبررا لقتل هذا وسفك دم تلك لصرنا في غابة وأعتقد كفانا تقديم هذا النوع من الشخصيات التي لم يعد الوطن محتملا لوجودها أكثر، ففي هذا الإطار لم نملك التعاطف الكامل مع هذا البطل نصف المظلوم.

ثم أراد لنا العمل دخول عالم «سجن الرجال» والتعرف عليه من الداخل فوجدناه يقدم صورة سخيفة مستخفة بحياة هؤلاء المسجونين بدون عمق كاف للتعرض لحياة مثل هؤلاء.. والانكي من هذا أن نجد «البارون» ولدرايته بأمور القانون يجذب المسجونين حوله ويستمع لقضية كل واحد منهم ولما كان صاحبه خارج جدران السجن محامياً «بحق وحقيقي» حيث لعب هذه الشخصية النجم الشاب ماهر عصام.. فنجد البطل المسجون يتصل به ويقول «هابعت لك بقي زباين ومع أهل كل واحد هيجي لك هابعت لك ورقة فيها تفاصيل القضية تمشي إزاي وأنت ما تجتهدش من عندك.. أنا هاقولك تعمل إيه».

فهل هذا معقول ياسادة؟! لدرجة أن الرجال في السجن ينادونه بسيادة المستشار .. وإمعانا في هذا السخف نجد أن مأمور السجن نفسه يتودد لهذا السجين والذي يساعده في حل مشاكله الأبوية مع ابنه الشاب العاق فينبهر المأمور به مما يجعله يستشيره في قضية ميراث خاصة به وبعائلته!

ومع دراما اللامعقول هذه تستمر الأحداث فنجد أن من خلال هذه المهارة في المحاماة يتعرف علي سجين من رجال الأعمال الذي يستدعى ابنته للتعرف علي ماهر لعرض بنود قضية والده ونجد الفنانة الشابة «ملك قورة» التي لعبت دور كارمن وهي الفنانة الشابة الجميلة الثرية تقع في حب هذا السجين وعندما يمرض والدها يهرب هذا السجين بادعاء أن والدته توفيت ليزور والدها في المستشفي توددا إليها ويعود في سلام الله ثاني يوم بعد أن يكون قد أتم مراسم دفنه لوالدته حسب التمثيلية التي صاغها ..أبهذه السذاجة تدار سجوننا المصرية؟! و في لقطة أكثر عبثا نجد مذيعة قدمتها «سهر الصايغ» تذهب لزيارة السجناء وتفقد أحوالهم فينتهز هذا السجين الفرصة علي الهواء مباشرة ليقول لحبيبته «بحبك ياكارمن» ونحن المشاهدين لا نملك إلا القول: فيه إيه جماعة بجد؟!

ونزيد مما لم يبخلوا علينا به بصراحة، فنجد أن هذا السجين يريد أحدا يتجسس علي عنبر المسجونين من رجال المال «التقال» في البلد فتقوم والدته بادعاء اتهام كاذب لأحد الرجال في الحارة بأنه حرر لها شيكا بدون رصيد فيحكم عليه ويدخل هذه الزنزانة ليصبح عينه علي قاطنيها وكأن الحكم يصدر في يوم وليلة وهو ضامن دخول هذا السجين نفس السجن ونفس الزنزانة المستهدفة!

والمشكلة أن هناك مستشاراً قانونياً يكتب علي التتر كمراجع قانوني للأحداث فأين كانت هذه المراجعة من مشهد كهذا علي سبيل المثال لا الحصر؟

وحول اللامعقول آخر عشنا قصة النجمة الشابة «كوكي» التي هي زوجة هذا الشاب الذي قتل غدرا وأم ابنه الرضيع وتريد الانتقام والأخذ بالثأر من سيدة الأعمال الشريرة .. وهي خارجة من المحكمة والأولي معها قريب زوجها الصعيدى وأمام ساحة المحكمة يضربونها بالرصاص وكأنه لا يوجد مكان آخر يمكن أن تحدث فيه هذه الحادثة إلا أمام جموع العساكر وحماية الأمن ولما تفشل المحاولة وعبر الأحداث يزج بهذه الثرية التي قدمتها دنيا عبدالعزيز في إحدي مصحات العلاج النفسي.. فتترك هذه المنتقمة الجبارة الحياة وتذهب إلي هذه المصحة لتعيش فيها وتدفع 30 ألف جنيه مقابل العلاج الذي قد تتعرض فيه للكهرباء مثلا، لكن مش مهم، المهم أن تنقض علي فريستها في المستشفي النفسي وكأن أحدا أيضا لن يراها، هذا فضلا عن كونها قد تركت ابنها الرضيع مع جدته في الصعيد لتأتي إلي مصر لتقتل عدوتها، فيما يتوفي هذا الطفل وهي بدون وعي تنساق وراء رغبتها في الانتقام الأعمي فأي قيم ومعايير يزكيها هذا العمل إذن؟!

أما هذا الشاب ابن عم كارمن النجم أحمد فريد فيقتل عمه ليرثه ويتزوج ابنته الجميلة ولما تعرف الابنة بهذا الأمر فقط تصرخ فيه وهو قاتل والدها بكرهك يا ابن الكلب بكرهك «يا سلام» .. وهو من جانبه وهو المجنون يصر علي حبسها ويحدد موعد زواجها دون رغبتها وكأنها مغيبة هل يتزوج أحد في عصرنا هكذا بالله عليكم؟! أما هو فمن جانبه وفي محاولة مستفزة منه يبرر فعلته بالقول أنا بحب عمي وكنت شايفه بيتعذب فقررت أريحه من مرضه وده عشان خاطرك وعشان خاطر بحبك.

ثم بطلتنا الأساسية للعمل دنيا عبدالعزيز أولاً انت أجمل بكثير في أدوار البطولات الجماعية من هذا التحمل المبكر لدور بطولة مطلقة ولا أري أيضا علي سبيل المثال أن يكون دورك هو التحول من المستشارة الثقافية بالمركز الثقافي الألماني إلي حرامية ونصابة توقع رجلاً كبيراً هو النجم السوري جهاد سعد في حبها وزواجها لتحاول قتله من خلال تدبير حادث سيارة له يخرج منه قعيدا علي كرسي متحرك فتستمرين في سرقته بما أنك المسئولة عن شركته وبشكل غريب تعاملين كل من حولك بغرور وصلف حتي يتم إيداعك في مصحة نفسية يقومون فيها إعطائك حبوباً مهلوسة ليجهزوا عليك تماما فأي مبرر درامي يمكن أن يقنعنا بهذا التحول الأسود في حياة سيدة محترمة ومثقفة ومرموقة.. الله أعلم؟!

أما إذا تحدثنا عن الأداء التمثيلي فأيضا مع عمرو عبدالجليل نتوقف عند استخدامه المتكرر لفكرة اللعب علي الافيهات اللفظية مثلما يقال له «أمك تعيش أنت» فيقول أمي أنا اعيش أنا!! ولكن تعبير وجهه في أحد أهم المشاهد إثر الشعور بالظلم كان البطل الحقيقي عندما جاء مأمور جديد ظالم واتهمه بمحاولة الهرب وحرر له محضر ظلم لهذه الواقعة فقد وجدنا وجهه ينبض بأداء تمثيلي رائع ذكرنا بـمحمد سعد «اللمبي» وهذه المهارات التمثيلية يمتلكانها إذا أرادا ولكنهما يتعمدان حرق أنفسهما في أعمال محددة.. لا أدري لماذا؟!

وقد تألقت النجمة الشابة نهي عابدين التي شاهدناها في مسلسل «ونوس» حيث لعبت الدور الشهير دنيا.. هذه الفتاة تعتمد علي أدواتها الشكلية كأنثي وهذا ليس عيبا ولكنها توظف هذه الامكانات بمهارة نضجت جدا في دورها في هذا المسلسل وصعودها من فتاة الحارة الفقيرة إلي السيدة الثرية عشيقة رجل الأعمال «جهاد سعد».

أما النجمة المتألقة «لطيفة فهمي» صاحبة الدور المشهور جدا الذي قدمته العام السابق في مسلسل فوق مستوي الشبهات حيث كانت حماة نجلاء بدر التي انتقمت منها اشد الانتقام، نجدها هنا سيدة بلدي في حارة شعبي بأداء جديد ومنطقة اخري أبرزت جدا قدراتها علي التنوع في التمثيل مهما اختلفت الشخصية وقدمت الشخصية لها بإبداع يضاف لها ولرصيدها..

وإذا عدنا مرة أخري للرصد والتعقيب علي ظواهر مغايرة احتواها هذا المسلسل فنجده في بداية كل حلقة يضع عبارة جميع الأحداث والشخصيات من وحي الخيال وليس لها علاقة بالواقع وأي تشابه بينها وبين الواقع مجرد صدفة» والحقيقة أننا لم نجد أي حدث أو شخصية في العمل كان من الممكن أن تثير فينا هذا الشعور بالشبه مع أي شيء خارج سياقه فلا أدري لماذا هذه الدعاية المفرطة لاشياء وما هي إلا فرقعات مفتعلة بلا مبرر لها.. بل وأكثر من هذا عندما يقال أيضا أو يوضع علي تتر العمل إنه لمن هم فوق الـ12 عاماً وأيضا العمل لا يحوي ما يحتاج إلي هذا التنويه لا من قريب ولا من بعيد..

لم نجد الإيقاع الذي شابه الملل أحيانا مثلا في دور الأرملة «كوكي» التي تبكي صورة زوجها الراحل إلي الحلقة «28» وتعاتبه علي الرحيل وكأنه الأمر بيده ونجد زوايا تصوير غريبة أحيانا خاصة في لقطات حديقة الفيللا التي تسكنها البطلة الشريرة دنيا فيعتمد المخرج ومدير التصوير د. تامر جوزيف علي استخدام حركة دائرية للكاميرا مستغلا اتساع الحديقة وحركة الدوران وهي تفكر في صمت وبصوت عال في ذهنها وكذلك زوجها صاحب البيت وجهاد سعد هذه المشاهد بجد مرهقة للعين جداً.

وعن رسالة العمل كما وردت في سطوره وعلي لسان أبطاله خاصة عمرو عبدالجليل وحوارات مع المأمور الظالم وأن السجن ليس في السجن وإنما في الصمت، وأن المجرمين اللي بجد عايشين في قصور.. أو كما قال للفنان أحمد فريد «أنا اكتشفت أن اللي بره السجن هما المساجين مش اللي جواه .. جوه الناس لها وش واحد واضح إنما بره انتوا بتحطوا ألف وش بتستخبوا وراه».. فمع احترامي لهذه الرسالة والقيم النبيلة إلا أنها كانت تمر وكأنها علي استحياء وسط هوجة الأحداث التي أشرنا إليها.

وأري أن كلمات التتر البديعة قد عبرت ربما أكثر من الأحداث الشائكة فيها فيقول مطلعها «عماله تدي فوق نفوخي بالأوي وقاسمة وسطي وجايبة أجلي وبضمير.. لكن أما يفتح ليا باب تفتري وتقفليه .. ما بشوفش منك أي خير» وقد كتبها ولحنها مؤمن راجع ووزعها أحمد عادل وغناها نجمنا المتألق محمد رشاد.

المهم «بقي أننا فوجئا.. أن الحلقة الثلاثين من المسلسل تأتي دون ذكر أنها الأخيرة... ولم تنته الأحداث بالفعل ولكن كانت المفاجأة الكبري أننا فوجئنا أن أحداث العمل والمسلسل قد توقفت دون ذكر أسباب ودون ذكر أن للعمل جزءاً ثانياً وإن كانت الأخبار المتواترة علي الإنترنت تفيد بذلك فلا نعلم لماذا لم يضع صناع العمل ومخرجه إيهاب عمرو تنويها بذلك.. علي أي حال نحن في انتظار الجزء الجديد ربما يأتي بشكل أفضل ويحل لنا ألغاز وغموض ودهاليز الجزء الأول ونتمني أن يتلاشي بعض الأخطاء بين الكبري والصغري وأن يقترب من المعقول.. فكلما دخل العمل إلي الجمهور من باب العقل وصل إلي القلب أكثر.. صدقونى.