بات المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في مهب الريح، على خلفية الضربات القاصمة التي تلقاها طوال العام الماضي من أشد المقربين له، ومن أحزاب المعارضة بكافة أطيافها السياسية، مشكلة تحدياً كبيراً ومنافساً شرساً يمكنها إزاحة الحزب الحاكم من السلطة في الانتخابات المقبلة 2023 أو في حالة إجراء انتخابات مبكرة.
فمن انشقاقات في صفوف الحزب الحاكم برئاسة أردوغان الذي راهن على تحكمه في الساحة السياسية التركية، وحتى استقالة أقرب مستشاريه، مروراً بالزلزال العنيف الذي أحرجه أمام العالم مع استقالة زوج ابنته من منصب وزير المالية، سلسلة من الأزمات جعلت حزب العدالة والتنمية يتهاوى أمام قوة المعارضة.
وكشفت دراسة مهمة صادرة عن "معهد واشنطن" لسياسات الشرق الأدنى، أن حظوظ أردوغان في السلطة بدأت تتراجع بعد خسارته في الانتخابات المحلية عام 2019 أمام حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة في مدينتي إسطنبول وأنقرة.
وطرحت دراسة "معهد واشنطن" والتي أعدها كل من، سونر چاغاپتاي مدير برنامج الأبحاث، ورايلي باري الباحثة في معهد واشنطن، مجموعة من التساؤلات حول قدرات وإمكانيات المعارضة في إزاحة وإبعاد الحزب الحاكم من السلطة حالة الانتخابات المبكرة أو إجرائها في موعدها المقرر عام 2023، من خلال تموضعها ككتلة واحدة إزاء كتلة أردوغان، وموقفها من القضايا الوطنية والعالمية من قبيل: معارضة العولمة، والحوكمة، والقومية، ومكانة تركيا في العالم، وعلاقة تركيا بماضيها، وقدرة الناخبين على إحداث التغيير.
وقالت الدراسة إن الاقتصاد التركي تعرض لهزة عنيفة ودخل في حالة ركود عام 2018، وزادت حدتها مع جائحة كورونا، فضلاً عن اتساع الخريطة الحزبية للمعارضة بعد تأسيس أحزاب جديدة لمسئولين كانا حليفين سابقين لأردوغان.
فقد أسس كل من وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوجلو، ووزير الاقتصاد السابق على باباجان، "حزب المستقبل"، و"حزب الديمقراطية والتقدم" على التوالي، وانضما كلا الحزبين إلى أربعة أحزاب رئيسية أخرى معارضة وهي "حزب الشعب الجمهوري" و"حزب الشعوب الديمقراطي" و"حزب الخير" و"حزب السعادة".
وحالياً أصبح المشهد السياسي في تركيا منحصراً بين كتلتين انتخابيتين هما، كتلة "تحالف الشعب" والمؤلفة من "حزب العدالة والتنمية" و"حزب الحركة القومية"، في مواجهة "تحالف الأمة" الذي يضم خمسة أحزاب من المعارضة، بينما تُرك "حزب الشعوب الديمقراطي" وهو يساري موالٍ للأكراد خارج التحالف الرسمي للمعارضة، لكنه يدعم تحالف الأمة بشكل غير رسمي.
وخلصت الدراسة إلى أن ثمة أربعة أحزاب معتدلة تبحث عن مكان لها على طاولة الحكم في تركيا وهي،"حزب المستقبل" و "حزب الخير" و"حزب السعادة" و"حزب الديمقراطية والتقدم" فضلاً عن الحزبين المتطرفين من جهة المعارضة وهما "حزب الشعب الجمهوري" و"حزب الشعوب الديمقراطي" واللذان يوجهان سهام النقد للممارسات التركية الأردوغانية التي يتقمص فيها الإرث العثماني.
وفي سعي أحزاب المعارضة لإزاحة حزب العدالة والتنمية من سدة الحكم في غضون الانتخابات المقبلة، تستخدم أحزاب المعارضة استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي التي تعكس نهجها الانتخابي الأوسع نطاقاً ومحاولات التصدي لأردوغان، وسيصبح هذا الأسلوب الأنجع والأكثر ديمومة، نظراً للتدابير القمعية الجديدة التي سمح بها أردوغان، بما فيها القانون التقييدي المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من أكتوبر 2020.
ووفقاً للدراسة، أنه باستثناء "حزب الحركة القومية"، فإن كافة الأحزاب المعارضة تتموضع يسار "حزب العدالة والتنمية"، ورغم دخول أردوغان في عدد من التحالفات، ابتداءً من الليبراليين ووصولاً إلى القوميين الأكراد والقوميين الأتراك اليمينيين، للتغلب على التحديات الداخلية والخارجية، فإن الأحزاب المعارضة باتت تؤرق مضجع أردوغان السياسي وتنذر باقتراب رحيله، بشرط توحد أهدافها وغاياتها واستراتيجيتها في الإحلال والإزاحة.
وبحسب مراقبين.. فإن هناك ثمة تكهنات بانقلاب وشيك من حليف أردوغان، دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، حيث يمكن أن يشهد العام المقبل انشقاقًا بين الحليفين بسبب رغبة العدالة والتنمية في التحكم في القرارات التركية بالاستبداد في الرأي إزاء القضايا الوطنية والعالمية.
وكان دولت بهتشلي قد كتب في تغريدة له مؤخراً "يجب إنهاء نشاط حزب الشعوب الديمقراطي وعدم السماح له بالعمل مرة أخرى، لا ينبغي إبداء أي تسامح مع أي منظمة حزبية تعتبر أن مرجعيتها هي الانفصالية العرقية والإرهاب"، وذلك رداً على عدم توقيع "حزب الشعوب الديمقراطي" ـ يميل إلى النزعة الليبرالية ويعارض استراتيجيات حزب العدالة والتنمية ـ على بيان برلماني يدين العقوبات الأمريكية على تركيا.