الخميس 16 مايو 2024

يوم ما مات السادات!

أخرى30-12-2020 | 11:49

سليمان عبدالعظيم

الأسبوع الماضي سألتني ابنتي هبة الطالبة ببكالوريوس الإعلام بالجامعة البريطانية كنت فين لما قتلوا الرئيس السادات يوم 6 اكتوبر 1981 ؟!



ياه ياه يا هبة.. ما تفكرنيش.. أصل دي المناسبة الكبري الوحيدة التي لم أشارك فيها كصحفي منذ أن دخلت مبني دار الهلال لأول مرة في لحظة لن أنساها في 20 يوليو 1981. وحتي خرجت منها في لحظة أتمنى أن أنساها!


ﻻ أعرف لماذا استحوذ العنوان أعلاه على كل تفكيرى وأنا استرجع ذكرياتى حول ما جرى فى هذا اليوم المشئوم 6 أكتوبر 1981!



فى هذا اليوم كنت فى الإسكندرية أجلس دون موعد مسبق مع اللواء بحري فاروق عمايم رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية..



4 اكتوبر كنت أدخل باب 10 الشهير فى ميناء الإسكندرية .. باحثاً عن إجابة تشفى غليلى : متى ستأتى هدية مصطفى أخويا بمناسبة دخولي رسمياً أبواب صاحبة الجلالة؟!



سيارة فيات131 ميرافيورى موديل 1976..أخضر زرعى كان مصطفى المقيم في إيطاليا قد كلف صديق له بشرائها من ألمانيا وشحنها إلى ميناء نابولى.



من نابولى كان من المفروض أن يتم شحن السيارة إلى ميناء الإسكندرية على باخرة الركاب سوريا.. لكن الباخرة لم تصل فى موعدها المحدد يوم 3 أكتوبر.." شحطت" سوريا بركابها الثلاثة مائة وما عليها فى جزيرة كريت..



عندما أبلغ الرئيس السادات بالأمر،  أمر على الفور نائبه حسني مبارك بالسفر فوراً  بطائرة هليوكوبتر إلى حيث ركاب الباخرة التى شحطت فى كريت للاطمئنان عليهم و نقلهم بالطائرات إلى القاهرة.



تمت إعادة كل الركاب الـ 300 لكن الباخرة سوريا نفسها وما عليها من سيارات وأجهزة منزلية هى تحويشة عمر ركابها ظلت كما هى حتى تم تعويمها ووصلت بالسلامة إلى ميناء الإسكندرية..



دخلت مقر الشركة قاصداً مكتب الأستاذ حسن صبري مدير العلاقات العامة.. طمأني الرجل الطيب إلا قليلاً.. اكتشفت أننى سوف أدفع 910 جنيهاً غرامة تأخير لأن شقيقي ، حسب العرف المتبع وقتها،لم يقم بعمل بوليصة شحن .. شحن السيارة ولم يدفع البوليصة .. ودفعتها أنا من فلوسه طبعاً.. "منين اجيب 910 جنيهاً فى بداية مشوارى فى بلاط صاحبة الجلالة"



5 أكتوبر حدد لى حسن بك موعداً مع رئيس الشركة لمعرفة أخر أخبار الباخرة التى شحطت بعيداً عن الوطن.




ظهر اليوم التالي 6 أكتوبر كان اللواء فاروق عمايم يكشف لى اهتمام الرئيس السادات شخصياً بما جرى وأنه تلقى اتصالاً رئاسياً بسرعة اتخاذ إجراءات لإنهاء معاناة ركاب الباخرة .



فجأة خرج حسن بك ولكنه عاد بعد 15 دقيقة مذعورا.. دار حديث قصير هامس بينه وبين اللواء عمايم.. بسرعة على غرفة العمليات أجمع الناس نطبق الخطة المقررة سلفاً في تلك الحالة..!


"معلش أنا مضطر لإنهاء المقابلة" ..!



خرجت من مكتب رئيس الشركة وبداخلي إحساس صحفي عميق بأن شيئاً كبيراً  قد حدث فقد امتقع وجه اللواء عمايم ولم تخرج من شفتيه سوى : ربنا يستر..ربنا يستر!




قال لي اللواء عمايم الريس أضرب عليه رصاص .. لم يقل لي  أى شئ آخر.. وبمجرد خروجى من الشركة عرفت ما حدث..الرئيس السادات أغتيل.. الخونة ضربوه بالرصاص.. السادات مات .. في سري قلت يا وﻻد الكلب.. يا وﻻد الكلب.. لكن سمعها بعض من كانوا حولي .. وبدورهم رددوها ولكن بصوت عال.. ياوﻻد الكلب. يا وﻻد الكلب !



حاولت الاتصال ببعض زملائي في مجلة المصور.. لكن السكتة القلبية للتليفونات كانت وقتها.. فى عزها.. مفيش اتصاﻻت.. و كمان مفيش سفر إلى القاهرة..اتحبست في الإسكندرية بدون قرار اعتقال .. ماعرفتش اتحرك..عدت إلى شقة صديقنا الراحل مجدي نجيب في عمارة زوزو بشارع بورسعيد.. شريف نجيب أخوه كان ينتظرني بعد أن انتشر الخبر الفظيع.. ها تعمل إيه يا سولم.. لم أجد إجابة..أنا مشلول يا شريف..مشلول!



خلال تلك الحبسة التي لم يصدر اللواء النبوي إسماعيل قرارا بها راحت تطاردني  بشدة و بشدة ذكريات أخر مرة رأيت فيها الرئيس السادات !



كان ذلك في منتصف سبتمبر الماضي.. في المؤتمر العام للحزب الوطني الذي يعقد سنوياً..كان الأستاذ مكرم رئيس التحرير قد وقع اختياره على العبد لله لأكون ضمن فريق عمل ينقل لقراء المصور أحداث المؤتمر و قرارات لجانه المتعددة.




تذكرت كيف وقفت في طابور طويل حتى أدخل قاعة الاحتفاﻻت الكبري بجامعة القاهرة قاعة جمال عبد الناصر .. في الطابور كنا كلنا سواء.

إجراءات أمنية مشددة للغاية.. بيني وبين سيد سرحان محافظ بور سعيد ثلاثة أشخاص.. تأمين رهيب رهيب من جانب النبوي إسماعيل وزير الداخلية والرجل الأقوى صوتاً والأكثر نفوذا في سنوات حكم السادات الأخيرة.



تذكرت حالة الإنفعال الحادة والرئيس السادات ينتقد الشيخ المحلاوي..ويهدد عبود الزمر الولد اللي كان جاي ورايا المنصورة.. تذكرت كيف كان السادات عصبيا وهو يسب أحد المراسلين الأجانب ( أظنه دافيد هيرست ).. وتذكرت قرارات سبتمبر بسجن 1536 سياسياً معارضاً في حملة اعتقالات 5 سبتمبر !




ظللت محبوسا في الإسكندرية أكثر من أسبوع.. حرمتني الظروف من المشاركة في العدد الخاص والتاريخي الذي اصدرته المصور عن أسرار اغتيال السادات ونزل هذا العدد التذكاري إلى الأسواق والمكتبات وباعه البعض في محطة الرمل بالإسكندرية بـ 5 أضعاف سعره.