فى ذكرى ميلادها.. أم كلثوم تُنير الدول العربية بصوتها المعجزة
نحتفل اليوم الخميس بمرور الذكرى الـ 122 على ميلاد كوكب الشرق أم كلثوم، صاحبة الصوت المعجزة الذي أبهر الجميع، وأحبه الكبير والصغير ومن جميع دول العالم ليس في مصر فقط، وهي قيثارة الشرق والعديد من الألقاب التي لقبها بها الجمهور من شدة اعجابهم بصوتها.
قامت أم كلثوم بأولى جولاتها الفنية خارج مصر في عام 1931 وأحيت سلسلة من الحفلات في سوريا ولبنان وفلسطين، وفي بيروت عام 1954 حفلًا في بيروت وغنت في مسرح الكابيتول، وشكلت هذه الإطلالة بداية جديدة لها في لبنان على مدى عشر سنوات، قدمت أم كلثوم إحدى عشرة حفلة توزعت على ثلاث قاعات في بيروت وعاليه، بعدها انتقلت إلى بعلبك في 1966، وتكرر هذا اللقاء في العام 1968 ثم في العام 1970.
كُرمت أم كلثوم في فندق "الكابيتول" في حفلة كبيرة حضرها حشد من رجال السياسة والثقافة في هذه الحفلة، علق نقيب الموسيقيين، صابر الصفح، وسام النقابة على صدر الضيفة الكبيرة، وأعلن وزير المالية والأنباء، محيي الدين نصولي، باسم الحكومة، منح “كوكب الشرق” أرفع وسام لبناني تقديرًا لمقامها الفني.
تعاقدت لجنة مهرجانات بعلبك مع أم كلثوم لتقديم حفلتين في 15 و17 يوليو 1966، وقالت صحيفة "النهار" آنذاك "ان مطربة مصر الأولى تقاضت في ليلتين فقط ثمانين ألف ليرة لبنانية، أي أكثر بعشرين ألف ليرة لبنانية من قيمة التفاح الذي اشترته مصر من لبنان".
استُقبلت أم كلثوم بحفاوة بالغة، وحضر حفلتيها عدد من كبار مشاهير السياسة والفن، في مقدمتهم فيروز وعاصي رحباني وصباح، غنت أم كلثوم في الحفلة الأولى "أمل حياتي"، "بعيد عنك"، و"للصبر حدود"، وغنت في الثانية "الأطلال"، "سيرة الحب"، و"انت عمري"، حصدت الحفلتان نجاحًا فاق كل تصور، ودفع هذا النجاح بلجنة مهرجانات بعلبك إلى التعاقد مع أم كلثوم مجددًا لإحياء حفلتين في 1968.
أعلنت أم كلثوم أنها ستبدأ رحلة فنية لصالح المجهود الحربي المصري تمتد حتى تصل حصيلتها إلى مليون جنيه، وجاءت حفلتا بعلبك في العام 1968 ضمن هذه الحملة، وفقاً لما نقلته مجلة "الكواكب" المصرية، "حصلت أم كلثوم على مئة وخمس وثلاثين ألف ليرة لبنانية عن غنائها في حفلتي افتتاح مهرجان بعلبك الدولي، وهو أكبر رقم تحصل عليه فنانة في لبنان"، وخصص هذا المبلغ للمجهود الحربي كما كان مقررًا".
كُرمت الحكومة اللبنانية أم كلثوم في هذه المناسبة، وقلدها رئيس الوزراء عبد الله اليافي وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر في حفل أقيم في شتورة، وكانت قد حصلت من قبل على وسامين، هما وسام الأرز الوطني من رتبة كومندوز، ووسام الاستحقاق اللبناني المذهب.
وقامت كوكب الشرق بإحياء حفل في الإمارات فقدوم أم كلثوم إلى أبوظبي كان حدثا موسيقيًا وغنائيًا استثنائيًا، وأن المستمعين والمحبين لغنائها كانوا كثيرين، وكانت شعبيتها في الإمارات لا تقل عن شعبيتها في دول الخليج والجزيرة العربية وباقي الدول العربية.
في الزيارة الأخيرة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى مصر، والتي كان يرأسها آنذاك الرئيس محمد أنور السادات "أبريل 1971"، أوفد مانع سعيد العتيبة وزير البترول والصناعة، وعبدالمنعم الملواني المستشار الصحافي لولي العهد الشيخ خليفة، إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لزيارتها في منزلها والتباحث معها لإحياء حفل غنائي في أبوظبي، بمناسبة الأعياد الوطنية.
كانت أم كلثوم تشكو من وعكة ألمت بها في ذلك الوقت، ولكنها استقبلت في فيلتها الوزير مانع العتيبة والصحفي عبدالمنعم الملواني اللذين قدما لها تحيات الشيخ زايد، وناقشا معها موضوع زياراتها لأبوظبي وإحياء حفلات غنائية فيها، وقد رحبت أم كلثوم بالفكرة وأبلغت تحياتها وتقديرها للشيخ زايد.
وبعد عودة الشيخ زايد إلى أبوظبي إثر زيارته الرسمية لمصر، أرسل رسالة الدعوة الخاصة إلى السيدة أم كلثوم، وقد حملها الملواني، وكان نص الدعوة يشمل تقديرا كبيرا لفنانة عربية راقية ساهمت في النهضة العربية الفنية والحضارية، وفنانة وطنية غنت لآمال وآلام بلادها وأمتها، وكان ذلك واضحًا في جهودها لإحياء حفلات غناء في مختلف دول العالم.
أعلنت أم كلثوم، بعد قبولها الدعوة أنها ستبدأ موسمها الغنائي الشتوي لهذا العام في أبوظبي، تحية منها للشيخ زايد. ولفت المر إلى أن المسارح الموجودة في مدينة أبوظبي آنذاك كانت مسارح دور سينما وأكبر قاعة سينما كانت لا تتسع لأكثر من عدة مئات من المشاهدين وعشاق أم كلثوم بالآلاف، لذلك أنشئ مسرح مؤقت على أرض النادي الأهلي، الذي أصبح فيما بعد نادي الوحدة، وفي فترة قياسية لا تتعدى الثلاثة أسابيع أقيم المسرح الذي أعد لتكون طاقته الاستيعابية أربعة آلاف كرسي.
كان في استقبال كوكب الشرق العديد من الشخصيات الإماراتية الهامة على رأسها وزير البترول والشاعر مانع العتيبة وسعيد الدرمكي مدير دائرة التشريعات في أبوظبي وعلي الشرفا نائب مدير دائرة التشريعات وقد فتحت قاعة الشرف بمطار أبوظبي لأم كلثوم تكريما لها ولدورها الفني الريادي. ومن المطار انتقلت هي والوفد المرافق لها إلى مقر إقامتها في فندق العين بلاس.
احتشد الآلاف في مسرح وزارة الدفاع وكان آلاف آخرون محتشدون مكتفين بالوقوف قرب المكان، وقد غنت أم كلثوم "أغدًا ألقاك" للشاعر السوداني الهادي آدم وألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأغنية "الحب كله" كلمات أحمد شفيق كامل وألحان بليغ حمدي.
الحفل الثاني الذي جاء في الثلاثين من نوفمبر ارتدت أم كلثوم ثوبًا غامقا وتحلت بعقد من اللؤلؤ الخليجي أهداه لها الشيخ زايد وكان ذلك الحفل لدعم المجهود الحربي المصري وقد حضرته جموع غفيرة من المواطنين والوافدين العرب والزوار من مختلف الدول العربية الذين جاءوا ليسمعوا أسطورة الغناء العربي في القرن العشرين.
شهدت ختام زيارة أم كلثوم لأبوظبي بحدث هام وتوديع حار تمثل في إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1972، وكانت لحظة تاريخية مميزة، وقد شهدت أم كلثوم مراسم رفع العلم الاتحادي لأول مرة، وقدمت بعد ذلك التهنئة إلى سمو الشيخ خليفة، وقالت له: "عقبال علم الوحدة العربية الكبرى".
التوديع الحار فكان بعد ذلك في مطار أبوظبي حيث قام بتوديع أم كلثوم وزير الخارجية أحمد خليفة السويدي مع جمع من المسؤولين والمواطنين والوافدين الذين تمنوا لسيدة الغناء رحلة سعيدة إلى أرض الكنانة. وبذلك انتهت زيارة أم كلثوم التاريخية لأبوظبي.
كانت آخر زيارة خارجية لها وحصلت فيها على التقدير الرسمي المميز والإعجاب الشعبي الكبير، وبعد سنة تقريبًا توقفت أم كلثوم عن حفلات الغناء، وتوعكت صحتها، وتوفيت في 3 فبراير عام 1975.