يوافق اليوم ذكرى وفاة أهم فلاسفة العصر الحديث وهو هنري برجسون الحاصل على جائزة نوبل عام 1927، وقد ولد في 18 أكتوبر لعام 1859 في باريس وتوفي في عام 1941.
أثرت والدته في تعليمه وثقافته وبسبب دراسة برجسون للفلسفة وتأثيرها القوي عليه ألتحق بدراسة الأداب وبدأ يكتب ويتحدث عن أفكاره عن الحياة والديمومة، ركزت أعماله على نقطة جوهرية ألا وهي: الفكر والمتحرك والتي اعتبرت نوعا من انقلاب أو ثورة فلسفية.
وكانت أراء برجسون مثيرة للجدل في فرنسا حيث كان ينظر إلى آرائه على أنها معارضة للموقف العلماني والعلمي الذي يتبناه مسؤولو الجمهورية.
وقد وضع برجسون التطور الخلاق في العام 1907، يبين فيه أن الوعي الأعمق، أي وعي الديمومة الباطنية، هو أساس الشعور بالحياة الكلية أو بالاندفاعة الحيوية، وهذه القوة الديناميكية موجهة باتجاه تستشعر به غريزتنا أكثر مما يفهمه عقلنا، وتمثل الاندفاعة الحيوية هذه بتفجر خلاق ذات طبيعة روحية.
وتعرض فلسفة التطور هذه نشأة العقل والمادة انطلاقا من الحياة، ويختتم المؤلف بعرض مبتكر للفلسفة من أفلاطون إلى برجسون، ويدعونا لفهم مشكلة الكينونة انطلاقا من ذلك الواقع الأساسي الذي تمثله الديمومة.
وعن أراء وأفكار برجسون نعرض بعض من المراجع والمصادر العلمية حولها:-
يقول محمد عويضه هنري في الجزء الخمسين من سلسلة أعلام الفلاسفة: "أن الفلاسفة قبل برجسون لم يتعمّقوا طبيعة الوجود ذاته، وإنما افترضوا الوجود من حيث هو وجود على حد تعبير أرسطو، وسرعان ما انتقلوا إلى الكيفيات ومظاهر الوجود، بينما كان يجب التفرقة بين الوجود ومظاهره، وهذا هو ما يفعله برجسون، إنه يبدأ بالمظاهر ويتعمق ويحفر حتى يصطدم بالوجود ذاته فإذا به ديمومة، ثم هو يعود مرة أخرى إلى المظاهر يفهمها في ضوء هذه الطبيعة الجديدة للوجود، ومن مظاهر الوجود الإنسان والمظهر مثل الباطن يتصف بعدم التعين، ولكن الذي أدهش برجسون هو أن بعضالفلاسفة يقرّرون الحرية دون أن يقرروا الديمومة، والبعض الآخر
يطبّق الظاهر على الباطن لا العكس فيقدم القوانين الطبيعية في المجال السيكلوجي .
ويقول علي محمد اليوسف في كتابه مناظرات نقدية في الفلسفة والفكر، لا يعتبر الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون مؤسس فلسفة الحياة وأن كان من أبرز فلاسفتها، فقد سبقه فلاسفة عديدون أيطالیون وفرنسیون وألمان في هجومهم على الابتذال الميكانيكي الذي تقوم عليه الفلسفتان المادية والمثالية في مبحث الوجود أو الانطولوجيا ومركزية الإنسان في التفكیر الفلسفي.
وإن كان إلغاء هذا الابتذال الفلسفي الميكانيكي وبديله هو دخول مباحث الفلسفة نفق العدمية النتشوية التي استعادت فاعليتها على إنها مرحلة تتجاوز التفكيك والبنيوية وغيرها من الفلسفات التي أقامت وأضافت فوق تجريدات الفكر الفلسفي تجريدات لغوية لا أول لها ولا نهاية في تضييع أهتمامات الفلسفة بالإنسان بما هو أنسان، وليس بالنص بما هو نص أدبي أو معرفي منعزل عن التاثير الحيوي في الوجود الإنساني.
ويعتبر دي بيران أستاذ برجسون أبرز مؤسسي فلسفة الحياة، وأفاد برجسون كثيرا من المذاهب الفلسفية التطورية والنفعية في الفلسفتين الإنجليزية والأمريكية وفي الوقت الذي تأثر بفلسفة هربرت سبنسر ألا أنه مالبث أن انقلب على أفکاره تماما,محاولا أن ينفرد في أربعة مؤلفات كتبها في الفترة 89 18- 1932 يعرض فيها نظريته الفلسفية بالاخلاق والدین وأصبح أحد رواد الفلسفة الأوربية الجديدة في القرن العشرين، بعد نجاحه في الافادة من مزج آرائه الفلسفية بخیالات ولغة الأدب صاغها برشاقة.
وقد بنى برجسون فلسفة الحياة الهجينة المستمدة أصولها من ثغرات الفلسفتين المادية والمثاليـة وكذلك من ملابسات فلسفة كانط وهيجل على السواء، والتي كان تناولها بالتشخيص وأدانها العديد من الفلاسفة قبل وبعد برجسون، ولم يكن له قصب السبق في هذا المجال حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر تاریخ تبلور انبثاق فلسفة الحياة.
وفي كتاب قراءة تاريخية للإلحاد يقول محمود عبد الرحيم، طرح الفيلسوف الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل، هنري برجسون أفكار عن فكرتي الدين والإله بدت مختلفة عن أبناء عصره حيث أعاد برجسون صياغة الفكرة صوفية حول حلول الإله في الوجود ولكن بشكل جديد، رأي برجسون أن قوة الخلق، الإله يتجلى بداخلنا حين نبدع ونبتكر فهو موجود كماهية نفسية لا رياضية أو منطقية فهو مصدر كل شيء في الوجود ومنبعه، وعنه تصدر العوالم بل إن الخلق ينبع وينبثق من الإله بشکل مختلف، أما عن البعد الأكثر تصوفا في الفكرة عند برجسون فهو اعتقاده بأننا في التجربة الصوفية ندرك أن الحب الإلهي ليس شيئا آخر غير الإله، بل هو الإله نفسه الذي استدعى الموجودات إلى الوجود.
أما عن الدين فيرى برجسون أن ظهور فكرة الدين يرجع إلى سببين أساسيين الأول اجتماعي والثاني فردي، أما السبب الاجتماعي، فهو أن ابتداع فكرة الدين قد كان حيلة نوعية لجأ إليها النوع الإنساني من أجل كبح رغبات الفرد الأنانية التي قد تضر بالجماعة الإنسانية التي يحيا معها، فعن طريق الدين يمكن إقناع الإنسان بالتخلي عن مصلحته الفردية في سبيل المصالح الكبرى التي تتعلق بالجماعة الإنسانية ككل، لأن الإنسان إذا ترك لذاته خدم رغباته وغرائزه وملذاته، ولو على حساب غيره من البشر.
ويقول فريدريك لونوار في كتابه قوة الفرح، أن برجسون يدافع في مؤلفه المهم للغاية "التطور الخلاق" عن فكرة وجود قانون أساسي للحياة وتطورها منذ ملايين السنين، وهو قانون »الخلق أو الإبداع«، يقول إن الحياة وجدت لتكون خلاقة، وإن الفرد مرتبط بشكل طبيعي بالإبداع، فهو نتيجة للحياة، نفرح حين تكون الحياة ناجحة وحين يتحقق الهدف من وجودها، ونحزن حين تفشل الحياة. ويذكر أمثلة للأفعال الخلاقة: الفنان الذي ينجز عملا، صاحب الشركة الذي ينجح بشكل جيد في أحد المشاريع، المرأة التي تلد طفلا وتراه يبتسم، وليست هذه الابتسامة فقط، كما يقول الباعثة على الفرح ولكن حقيقة أنها ولدت وخلقت، وليس تحقيق الفائدة فقط هو الأمر الذي أسعد صاحب الشركة ولكن حقيقة أنه قد أوجد شركة وأنها تتطور.
وفي نهاية موضوعنا يمكننا تلخيص فلسفة الحياة عند برجسون من منطلق أن خواص العالم هي الامتداد والتعدد
والحتمية والسببية، وأن الاجسام تخضع لقوانين لا تتبدل وجديد برجسون في فلسفة الحياة باستثناء مصادرها المستلة من أدبيات الفلسفة المادية الهيجلية والماركسية، تناوله العلم الطبيعي قائلا: "إن العلم الطبيعي لا يدرس الحركة، وإنما هو يدرس المواقع المتتالية فقط التي تقع فيها الاجسام، كما أن العلم لا يدرس القوى وأنما يدرس نتائجها ومعلولاتها لذا فأن صورة العلم عن العالم تفتقد الحركة الديناميكية للحياة.