الأربعاء 29 مايو 2024

الجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي

أخرى5-1-2021 | 10:40

يكتسب إقليم القرن الأفريقي، الذي يقع في شرق القارة الأفريقية، أهمية بالغة بحكم موقعه الاستراتيجي، وإشرافه على منافذ بحرية هامة، هي: المحيط الهندي، وخليج عدن، والبحر الأحمر، مما أدى إلى احتدام التنافس بين القوى الدولية والإقليمية سعيًا للحصول على موطئ قدم لها في الإقليم.

كانت البداية مع إنشاء حركة "الجهاد الإسلامي" الإريترية، مرورًا بحزب "الاتحاد الإسلامي" في الصومال، فتنظيم "القاعدة" في القرن الأفريقي، وتنظيم "القاعدة" في اليمن، وصولا إلى حركة "الشباب المجاهدين" في الصومال، وتنظيم "أنصار الشريعة" في اليمن الذي خرج من عباءة تنظيم "القاعدة" اليمني عام 2011، بالإضافة إلى فروع أخرى لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في اليمن والصومال، و"جيش تحرير أوغندا" المسلم.. فضلا عن آلاف الأشخاص الذين يحملون أفكار تلك التنظيمات.. ولا يكاد يسلم من وجود مثل هذه التنظيمات سوى جيبوتي التي تستضيف على أراضيها العديد من القواعد العسكرية للقوى الدولية والإقليمية.

تأثرت معظمُ الحركات الإرهابية في القرن الأفريقي بأفكار عددٍ من التنظيمات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، مثل: "الجماعات الإسلامية" في آسيا، و"الإخوان المسلمين".. وهي تعتمد في مرجعيتها الفكرية على عدد من المصادر أهمها: مجموع الفتاوى لـ"ابن تيمية"، وكتب "ابن القيم"، و"أبو الأعلى المودودي"، و"سيد قطب"، والتفسيرات المتشددة لفتاوى بعض العلماء المعاصرين أمثال "الألباني"؛ لذا تتبنى تلك الحركات خطابًا دينيًّا متشددًا نتيجة قناعتها بأن الخطاب الديني الرسمي هو خطاب جامد وتقليدي يُغفل قيمة العقل والاجتهاد، وأن الخطاب الصوفي يغلب عليه القيم الغيبية البعيدة عن الواقع الفعلي.

لا تملك معظم الحركات الإسلامية الإرهابية هيكلا قياديًّا واضحًا، باستثناء القيادة العليا.. لذا يتسم هيكلها التنظيمي باللا مركزية، بمعنى وجود مركز للتنظيم وفروع منتشرة في مناطق مختلفة، وبصفة عامة، يتكون الإطار التنظيمي لتلك الحركات من عدة مستويات، أهمها: القيادة العليا، والجناح العسكري، والجهاز الإعلامي.

وتتمثل مصادر تمويل تلك الحركات، في: عوائد نهب البنوك، وإدارة الموانئ والمعابر، والأموال التي تتلقاها من التجار ورجال الأعمال مقابل تأمين مصالحهم، والأموال التي تحصل عليها كفدية لإطلاق سراح المختطفين من المسئولين المحليين والأجانب، معتبرين ذلك بمثابة "غنائم حرب".

دأبت الحركات الإرهابية في القرن الأفريقي على تأكيد دعمها لمسلمي الإقليم، وعدم وجود أي نية لديهم للإضرار بهم، لكن عمليًّا انخرطت في شن الهجمات ضد الأهداف الحكومية، وضد المصالح والمؤسسات الغربية، مستخدمة وسائل جديدة على الأفارقة، يبدو فيها أثر تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، ومنها: تفجير العبوات الناسفة، والعمليات الانتحارية.

ومن أهم هذه الممارسات السعي لإقامة إمارات إسلامية، لتكون نواة لتوحيد مسلمي القرن الإفريقي كافة تحت مظلة إمارة واحدة، تطبق الشريعة الإسلامية بالتركيز على جانب ضيق من الشريعة يتعلق بالحدود والجزاءات.. يُضاف إلى ذلك مهاجمة المنشآت الحيوية والمسئولين المحليين والأجانب، والصحفيين، ونشطاء السلام، وموظفي الإغاثة الإنسانية، ومهاجمة أنصار الجماعات الإسلامية الأخرى، خاصة الجماعات الصوفية، والسعي لاستئصال رموزها وتراثها، وذلك بهدم الأضرحة ونبش القبور، وحظر الاحتفال بمناسباتها الدينية.

ليست مواجهة تلك التنظيمات المتطرفة بالأمر اليسير؛ لأنها تعتقد بامتلاكها الحقيقة المطلقة والتصورات الجامعة المانعة، ولا تقبل بالحلول الوسطى، لكن ذلك لا يعني أيضًا استحالة مواجهتها، حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال عدم الاستغراق في الأساليب الأمنية، والانتقال من محاربة أعراض التطرف إلى التعامل مع جذوره الأصلية، المتمثلة في عدم العدالة الاجتماعية، والفساد السياسي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وجمود الخطاب الديني، والتبعية للقوى الغربية.. فبدون اقتلاع تلك الجذور سوف يظل القرن الأفريقي بيئة حاضنة وجاذبة للتطرف الديني، ومرتعًا للحركات الإرهابية التي ينخرط فيها الشباب من داخل الإقليم وخارجه أيضًا.