كلما قرأت حديثاً صحفياً أو شاهدت مقابلة تليفزيونية مع محمود محيى الدين (مع حفظ الألقاب) تستدعي ذاكرتي الصحفية مواقف بعضها طريف والأخر ليس كذلك.. حكايات حدثت معه حتى من قبل أن يختاره الرئيس مبارك أو يرشحه ابنه جمال ليكون وزيراً للاستثمار في حكومة الدكتور أحمد نظيف من 2004 إلى 2010.
الحكاية الأولى وقعت في أواخر تسعينيات القرن الفائت حين لبى د. محمود دعوتنا لحضور ندوة حوار في دار الهلال حول المشاكل والتحديات الاقتصادية التى كانت تعكنن على حياة ومعيشة معظم المصريين.
في مساء هذا اليوم المهم كان ضيوفنا على أعلى مستوى..نجيب ساويرس ومحمد فريد خميس والمفكر السياسي اليساري د.رفعت السعيد وخبيران آخران في الاقتصاد والسياسة جاهدت طويلاً حتي أتذكرهما وربما أفلح قبل أن يصل هذا المقال إلى نقطة النهاية.
طيب فين د. محيى الدين؟!..ﻻ تستعجل على رزقك.. كان هذا الشاب (وقتها ) هو الرجل الذي طلب الأستاذ مكرم حضوره كممثل للحكومة بصفته مساعد د. يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد وقتها..
كان الدكتور محمود معاوناً أو مساعداً للوزير يوسف بطرس الذي رشحه لحضور الندوة بعد أن منعه في آخر لحظة ظرف طارئ عن الحضور!
انتهت الندوة الساخنة التي كنت أفضل وأحلم أن يحضرها ممثل حقيقي عن الشعب المصري وليس النخبة السياسية فقط !
أخذت د. محمود على جنب وقلت له : أراءك جديدة و مقنعة و جريئة جداً .. بصراحة خليني أقول لك ( يا معالي الوزير) !
الدكتور محيى الدين أبدى انزعاجاً شديداً بمجرد أن قلت معالي الوزير.. ومن فرط انزعاجه ﻻحظ الأستاذ يوسف القعيد وكان وقتها مديراً للتحرير هذا.. فاقترب منا وسمع الدكتور يلح ويطلب مني أﻻ أردد ما وصفته به!
كان الأستاذ مكرم لحظتها مشغولاً مع ضيوف الندوة الذين راحوا ينصرفون.. ولكن لم يفته ما شاهده من هذا الحديث الجانبي بيني وبين د. محمود الذي تدخل فيه القعيد.. فتدخل هو الآخر وعرف سبب هذا الحوار الجانبي..
وبلغ من شدة انزعاج الدكتور محمود أن ترجاني قبل انصرافه من باب دار الهلال : والنبي يا أستاذ سليمان بلاش تردد هذا الوصف .. ماشي؟!..طمأنته : ماشي.. ماشي.. وفي سري قلت : يا معالي الوزير!!
ما زلت أتذكر هذا الموقف الذي لم يغادر ذاكرتي رغم مرور قرابة خمس وعشرين عاماً .. وقتها كان عمر الرجل الطموح جداً سليل عائلة محيى الدين زعيمة عائلات كفر شكر قليوبية يتجاوز الثلاثين بكام سنة حيث أنه مولود في ١٥ يناير ١٩٦٥.. أهو بالصدفة جت مناسبة نقول فيها للدكتور محمود كل سنة وأنت طيب يامعالي الوزير.. معالي الوزير إيه؟!.. صلح نفسك قول يا دولة رئيس الوزراء !!
عدت كام سنة وأصبح الرجل وزيراً للاستثمار في حكومة د. أحمد نظيف.. ووزيراً في حكومة تكنوقراط كان أبرزهم رشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي .. وكان د. محيى الدين ربما الوحيد بين وزراء د. نظيف الذي له في السياسة..أمال.. مش أستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. مش ابن أشهر عائلة سياسية في محافظة القليوبية ؟!
عندما أنزعج الرجل من (معالي الوزير) لم أكن أضرب الودع أو أقوم بدور قارئ الكف..وبالفعل أصبح محيى الدين وزيراً يشار له بالبنان لدرجة أثارت حسد أو غيرة بعض الوزراء التكنوقراط الذين ( ليس لهم في السياسة )!
أذهب بكم الآن إلى الحكاية الأخرى التي جرت في عام 2004 ولم أستطع نسيانها.. كنت أقف إلى جوار الأستاذ مكرم عندما كان يزور صديقه القديم د. أحمد فتحي سرور.. في مكتب رئيس مجلس الشعب كان هناك الوزراء د. يوسف بطرس غالي وكمال الشاذلي ورشيد محمد رشيد ود. محمود محيى الدين فضلاً عن مجموعة من النواب كبار القيمة والقامة أبرزهم الرجل القوي المهندس أحمد عز..
في هذا اليوم فاجأني د. محيى الدين قائلاً : أه طبعاً أنت جيت هنا لما عرفت إن الأستاذ مكرم موجود ؟.. قالها وزير الإستثمار على سبيل الدعابة ( السوداء ).. وجدت نفسي مضطرا للرد : أنا موجود هنا حتي أمارس عملي بوصفي محرراً برلمانياً.. مش جاي عشان الأستاذ مكرم موجود هنا يا د. محمود !
كنت غاضباً للغاية ومستفزا مما قاله د. محمود.. وبصراحة لم أملك نفسي وقلت ما قلت بطريقة ﻻحظ الكل فيها كم الغضب الكامن داخلي وقتها..
في مساء نفس اليوم كنت أقدم للأستاذ مكرم مواد صفحات باب (تحت القبة).. فوجدته فجأة يسألني : أه.. فكرتني أنت رديت الصبح على د. محمود كده ليه؟.. الراجل ما كانش قصده.. بس أنا كنت واثق أنك لن تبلعها وها ترد.. بس ردك يا سولم كان قاسي حبتين !
بصراحة.. بعد موقفي الغاضب بشدة من وزير الاستثمار لاحظت في مواقف صحفية تالية أنه كان ودوداً معي إلى أقصى حد.. سياسي بقى ابن أشهر العائلات السياسية في البلد..
يتبقي أن أقول أن الدكتور محمود الذي استمر في منصبه وزيراً للاستثمار من يوليو 2004 إلى سبتمبر 2010 كان استمرار وجوده في حكومة د. أحمد نظيف قنبلة موقوتة إما أن تنفجر في وجهه هو ..أو تنفجر في وجوه من حوله من الوزراء حاسديه !!
لقد قال البعض إن الدكتور محمود بذكائه المفرط ( نط من المركب) قبل أن تغرق بشهور قليلة و تقع ما أسماه البعض بثورة 25 يناير !!
لكن القول الأكيد أن الرجل أراد أن يريح حساده ويستريح..عرف أن هناك من يدسون له ويحاربونه في الخفاء.. فماذا يفعل ؟
الشاطر محمود محيى الدين( أخدها من قصيرها).. وخلع (نط المركب)..كان وجوده نشازاً .. طب على إيه وعشان إيه يقعد في الوزارة؟!
الدكتور محمود شاطر قوي.. وعارف سكته كويس.. صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أحسن لي.. المسألة عنده لم تكن مرتباً بكام ألف دولار كل شهر..عائلته ثرية وعندها أطيان بالزووف تصرف على ألف واحد زي الدكتور محمود.
فعلاً يا دكتور محمود المنصب الدولي كان أحسن لك.. متفق معاك والله على طول الخط.. بس أنا واثق أنك عاوز تقول أن وجودك خارج البلاد في منصب دولي كان أحسن لهم أيضاً..
مش كده وﻻ إيه يا دكتور محمود ؟!