بقلم : أمينة الشريف
انتشرت فى الآونة الأخيرة دعوات كثيرة تطالب بالتطوير والتحديث فى كل المجالات لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه خاصة عند النشء والشباب، وكانت البداية الملحة تطوير التعليم ومناهجه باعتبار أنه الأساس للبناء فى المستقبل وعندما انتشرت واتسعت جرائم القتل والتفجير عن طريق الجيل الرابع من الحروب بأيدى داعش وغيرها... تعالت الأصوات مطالبة وبشدة بضرورة تطوير الخطاب الدينى.. امتدت الدعوات إلى مجالات كثيرة يرى المطالبون بالتجديد أهمية التطوير فيها للقضاء على البيئة الحاضنة لكل أشكال التطرف منها تطوير الخطاب الدينى والخطاب الثقافى... والفنى، خاصة تطوير الخطاب الدرامى.
- منذ عدة سنوات ماضية والدراما خاصة التى تقدم عن طريق الأعمال التليفزيونية لا تعير أية اهتمامات بصيحات الاستغاثة المجتمعية بضرورة التوقف عن تقديم المسلسلات التى تقدم العنف والقتل والشذوذ وكل اللافضائل واللاأخلاقيات التى يعتبرها علماء النفس والاجتماع أحد أهم الأسباب التى تساعد على انتشار الإرهاب فى المجتمع خاصة وأن هذه الدراما التليفزيونية تدخل البيوت دون استئذان أو بذل أى مجهود للوصول إليها مثل الذهاب إلى السينما أو المسرح.
- هذه الدراما بدأت حثيثاً باستحضار مشاهد للتدخين أو تعاطى الخمور واستنكرها كثير من المشاهدين خاصة إذا ما عرضت فى الشهر الكريم الذى يعتبره المنتجون المائدة الكبرى التى يجب أن تقدم خلالها مثل هذه الولائم.. وبمرور الوقت توارت الأعمال الدرامية التى تقدم رسائل وأهدافا مهمة وكان بعضها بمثابة نواقيس الخطر لعدد من الظواهر السلبية فى المجتمع وبالتالى اختفى معها كتّاب هذه الأعمال ورموزها...
- فى تلك الأثناء بدأ يزاحم فى الظهور أجيال أخرى من الكتاب خاصة من الشباب يكتبون أعمالاً درامية أعتبرها الكثيرون أنها تهدم قيم وأخلاقيات المجتمع. بدعوى إثبات وجودهم والبحث لهم عن موطئ قدم للتعبير عن ذواتهم وأفكارهم ورؤاهم تجاه المجتمع... وبدأت هذه النوعية من الأعمال الدرامية فى الانتشار لتزيح عن طريقها أعمالاً أخرى يراها المشاهدون إيجابية.... ويستحق أن يلتف حولها أفراد الأسرة دون خجل أو اعتراض...
- فى تلك الأثناء التقط المنتجون الذين يبحثون عن الربح السريع الطعم... وتباروا فيما بينهم على احتكار النجوم والنجمات لتقديم المزيد من الإثارة والأكشن المتضمن للعنف والجنس وكل الأشكال السلبية التى مازال يرفضها المجتمع.. والطرف الثالث فى هذه الجريمة هو الفضائيات الذى يكمل الدائرة ويشارك فى إحكام قبضته على المشاهد المحاصر من كل إرسال فضائى بهذه النوعيات من الأعمال المثيرة طالما أنها تحقق إعلانات كثيرة!
- مع الأسف هذه الظاهرة بدأت فى الانتشار والتمدد فى ظل غياب تام من الدولة عندما غاب الإنتاج الحكومى واختفى تماماً من الواقع ليحل محله القطاع الخاص ويرث منه تركة هائلة وهى ذهنية المشاهدين الذين اعتادوا على متابعة الأعمال التليفزيونية!!! فخسر تليفزيون الدولة وكسب المنتجون دون أى مجهود.
- الكواكب تبنت ومازالت الدعوات للنهوض بالأعمال التليفزيونية الهادفة والمؤثرة إيجابياً فى المجتمع وستظل شغلها الشاغل ... حتى يسترد الإنتاج الحكومى عافيته مرة أخرى... ويتصدى من جديد لإنتاج أعمال درامية يحترمها الجمهور وتساهم فى بناء المستقبل وتكون سبباً فى تشكيل وجدان الناس وغرس الولاء والانتماء للوطن.
- فالقطاع الخاص لن يتصدى لإنتاج أعمال عن امجاد وعظمة وتضحيات هذا الوطن، لن يتحمس منتج دون التشكيك فى وطنيته لإنتاج عمل - على سبيل المثال - عن رائد الاقتصاد الوطنى طلعت حرب باشا.. أبو الاقتصاد المصرى، وكيف أنه استطاع أن يؤسس اقتصاداً قوياً بنى فى البداية على محاولات مضنية منه كمحاولة أساسية للتحرر من الاستعمار البريطانى. ويوجد بالفعل عمل درامي عنه كتبه أ. محمد السيد عيد حبيس الأدراج منذ سنوات وهل يبادر منتج آخر لعمل مسلسل درامى عن جمال حمدان - مثال آخر - وهو المصرى الأصيل الذى بذل حياته كلها فى البحث عن الأسباب التى جعلت مصر ومازالت مطمعاً للقوى الاستعمارية على مر التاريخ واصدر عدة كتب عن عبقرية جغرافيا مصر!! وغيرهما الكثير من الأمثلة.
- أيتها الهيئة الوطنية للإعلام لم يعد هناك أى وقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة وأنكم أبناء التليفزيون المصرى الذى يعتبر الأساس الأول لكل الكيانات التليفزيونية الفضائية فى الوطن العربى، وأنتم تملكون الإمكانيات البشرية والعقول المفكرة والرائعة التى هى الأساس دائماً لكل جديد فى الوطن العربى... أرجوكم ليكن نصب أعينكم فى الفترة القادمة الاهتمام بتطوير الخطاب الدرامى التليفزيونى!!