الجمعة 26 ابريل 2024

تريندات "هانى" لمنع الاختلاط!

أخرى8-1-2021 | 17:33

أنت عارف ده مين.. ده هانى؟.. هذه الجملة التى جاءت فى مسلسل "هذا المساء" والذي عُرض منذ أكثر من عامين، وكان من أفضل المسلسلات التى عُرضت فى السنوات الأخيرة، وحصل على نسبة مشاهدة مرتفعة وقتها، وأشاد الجميع بأداء "إياد نصار" و"أروى جودة" ومحمد سليمان (هانى)، الذى يجمعه المشهد المتدوال فى التريند وهو يمسك يدها وينزل من الطابق العلوى، ولكن زوجها إياد نصار يعترض فى المشهد على وجود هانى معها فى الطابق العلوى، فتعترض الزوجة على زوجها وتوبخه وترفض طعنه لها في شرفها،وتقول له: ده هانى؟.. ومن المسلسل نستنتج طبيعة شخصية "هانى" وأنه لا يمكن أن ينجذب إلى صديقة الطفولة!

إلى هنا والأمر عادى وفى سياقه بالمسلسل، بل هو مشهد يحمل الاحترام للمرأة المتزوجة وغير "المحجبة" وعلاقتها المحترمة الشريفة بالآخرين، لكن لماذا الآن يعاد هذا المشهد ويستقطع من سياقه؟.. والأخطر هو وضع كوميكس عنه موحٍ بآراء أخرى مناقضة له و يتم استدعاؤه على غرار ولا تقربوا الصلاة.

فهل  وراءه أشياء أخرى؟ ليست فقط فى منطق مجتمع ذكورى؟وليصبح بالإضافات والتوابل عليه هو التريند الأول فى مصر وتنقلب الآية تماما؟

وأثار ذلك حاسة الشغف والفضول ليس من باب نظرية المؤامرة، ولكن من باب الفهم والمتابعة، فقررت متابعة وقراءة التعليقات ربما تفسر لى الحالة ووصوله ليصبح التريند الأول فى مصر!

وبالمرور على التعليقات وجدت فجأة تحولاً فى الآراء إلى التنديد والسخرية من المرأة (أروى جودة ) وبهذه الطبقات الغنية التى يعكس صورتها المسلسل، والتى أولادهم فى مدارس خاصة وأجنبية، ويتم فجأة الربط بين السلوك والتعليم الأجنبى! والمقصود هو مهاجمة التغريب والاختلاط فى التعليم الأجنبى.

للحقيقة شاهدت الفيديو والكوميكس عليه، وضحكت مثل كل المصريين، وهذا هو الهدف الشكلى أو الظاهر، أما المنهج الخفى لتريند "هانى" ليصبح الأول فى مصر الأيام الماضية فهو تمرير لفكرة  كراهية الاختلاط، وتحديداً بين المرأة والرجل، وأن بهذه الفكرة والمقولة (ده هانى) يكون الأنسب بالتأكيد بعدها هو الترويج لمنع الاختلاط، والأفضل إذا اقتضت الضرورة إتاحة الاختلاط فى إطار وضع لغطاء الرأس؛ أى الحجاب، فهو الأفضل للفضيلة والتقاليد والمحافظة على المرأة ومنها الاختلاط نفسه؟! ولا تنسى التعليقات ضرورة الحشو فى الأمثلة ويقحم البعض واقعة عثمان بن عفان -رضى الله عنه- والخمار؟!!!

فهذا  فيديو موجه وتريند ذكى ودمه خفيف بالفعل! ولكن هدفه ليس الهجوم على المرأة غير المحجبة (أروى جودة) فقط ، بل الهجوم على نمط التربية الثقافية والاجتماعية لها والأهم مهاجمة التغريب والاختلاط فى التعليم.

إنها نفس الآلية القديمة لتيار الإخوان والإسلام السياسى والتقليديين، الذين يعزفون على نغمة التقاليد للترويج لبضاعتهم ورأس مالهم حتى يسمح لهم بالاستمرار والتواجد من خلال توغلهم الفكرى فى المجتمع وترويج وربط لافكارهم؛ مثل الحجاب يا أختاه، ومنع الاختلاط فى المدارس والجامعات، ولكن بأساليب عصرية وبتقنيات حديثة تناسب العصر والمجتمع والشابات والشباب وبالتحديد، فربط التريند  بالاختلاط والتعليم الاجنبى هو تكريس لإشاعة المناخ سواء السلفى أو التقليدي وبالتالى يصبح المجتمع نفسه بعد ذلك (وهو ما حدث فعليا فى العقود الأخيرة) مستعدا لقبول أفكار متشددة ومطالبات بمنع الاختلاط وضرورة الحجاب، وأن ذلك أفضل للفضيلة والتقاليد والمجتمع!

وتمادى البعض فى التعليقات لربط ذلك بالتعليم والمناهج الاجنبية وأنها أدت إلى هذه النتيجة من تغريب الطلاب ومفارقتها وبُعدها عن تقاليدنا (ده هانى)؟ فى محاولة لإشاعة تصور وفكرة وأن المصريات ليس لديهن مبادئ وسلوك تحترم فيه التقاليد الاجتماعية، وهى لا ترتدى الإيشارب أو التى تعيش فى كمبوند أو أولادها يدرسون فى التعليم الأجنبى، وأن مناهجه تجعلهم وتجعل الأسرة تقبل كل الأشياء مثل حرية الاعتقاد.. حرية الميول.. وكما جاءت بعض التعليقات.

ولأننى لم أكن بصدد الدخول فى مجال التريند ورفع أعداده أو مَن وراءه الآن تحديداً؟ لكنها محاولة لفهم ما يحدث، فتوقفت أيضا عند كلمة مساوئ التعليم الأجنبى والهجوم عليه بالأمثلة، خاصة شق التقليد لبعض الظواهر واستيراد ذلك من الخارج.. مع ملاحظة أن التريند نفسه مستورد كذلك، ومعه اختراع النت والكمبيوتر والموبايل، نتاج الغرب وليس اختراعاً محليا من علمنا وتقاليدنا وتعليمنا الذى يعتمد على الماضوية والنقل والتلقين، وإنما ما نستخدمه الآن هو نتاج تقدمهم ونتيجة التعليم والتقدم الغربى الأجنبى.

مع الأخذ فى الاعتبار التحفظ على وجود التعليم الأجنبى، ولكن من زاوية مخالفة تماماً، وهى المتعلقة  فقط بالشهادات الأجنبية ومنحها داخل الوطن لفئة دون أخرى.  فالتحفظ من زاوية الاحترام والحفاظ على الشهادة الوطنية وتكون لها الاحتكار والأولوية مثل كل دول العالم التى تقدس شهاداتها الوطنية، وعدم إعطاء الأولوية والامتيازات للمستورد و"عقدة" المستورد، ولا يعنى على الاطلاق رفض مناهج التعليم الأجنبى ومضمونه، فنحن بحاجة إلى أن نستورد تعليماً حديثاً متطوراً فى المضمون وليس الشكل فقط، فالتعليم الأجنبى ليس غزواً أو حملة صليبية جديدة أو تغريباً للمجتمع، بل العكس هو الصحيح، فالمناهج الأجنبية هى تحديث للمجتمع بشرط أن ندرس معها تاريخنا متكاملاً وليس عناوين له.

فحرية الاعتقاد وقبول الآخر هى من صلب الدين والقرآن الكريم، وفى سورة الكهف يقول المولى "فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ"، وأيضا  و"لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ"، هكذا يحثنا ديننا الحنيف، ولكنه لم يناد بذلك بالإكراه وبالعنف والقمع والإرهاب، والحضارة الإسلامية نفسها نشأت وترعرت على استيعاب الآخر الدينى، حتى إن الآخر ساهم بفاعلية وقوة فى بزوغ حقبة الحضارة الإسلامية ونهضتها العلمية والفكرية، وبعضهم كانوا غير مسلمين.

 ومن القضايا المهمة التى لابد من ذكرها أن مناهج المدارس الأجنبية ذات جودة حقيقية، وتسمح بالنقاش والحوار والتفكير وليس فقط التقليد والاستيراد، كما جاء فى التعليقات، مثل الاستنكار من الاحتفال بالجمعة البيضاء والسوداء، وأراها بالعكس نوعاً من التقليد الحميد وأفكار من التسويق الجيد لصالح المواطنين، وليست تغريباً كما يقال، وكذلك الاتهامات لأفكار مثل الاحتفال بالعام الجديد، مع أنها ظواهر إنسانية عالمية وليست احتفالاً دينياً وليست تغريباً، لذلك فمحاولة ما يمرره التريند ومضمونه سواء عن قصد أو غير قصد لا يجب أن نخلطه ضمنا ونلبسه لباس الهجوم على المناهج الأجنبية فى التريند، وبحجة أن مدارس التعليم الأجنبى بها اختلاط بين الجنسين فى فصول الدراسة وليست مدارس منفصلة ومخصصة لجنس معين بنات أو بنين، رغم أن هذا الاختلاط وبلغة العلم يحسّن من أداء البنين والبنات، فقد أثبتت الدراسات التربوية والاجتماعية أن وجود الاختلاط منذ مراحل مبكرة فى العمر يهذّب من سلوك الطلاب، ويقلل من جنوحهم فى مراحل المراهقة وما بعدها، إذ يصبح وجود المرأة شيئاً طبيعياً فى الحياة، والتعامل معها ككائن إنسانى خلقه الله أيضا مثل الرجل، والفروق البيولوجية بينهما ليست فى العقل أو الذكاء بل حتى ليس فى القوة البدنية، وهو ما يعكسه عدد من الدراسات العلمية الحديثة، ولذلك نادراً ما نجد فى الغرب مدارس مخصصة لجنس وصنف واحد (بنين أو بنات) لذلك فنسب التحرش مثلا قليلة بالخارج في الدول المتقدمة مقارنة بالنسب لدينا. حيث نقبع فى قمة الأعلى دوليا فى نسب التنمر والتحرش.. فنحن لدينا مدارس الصنف الواحد فقط، بدءا من الإعدادي والثانوى فى التعليم الحكومى، وكذلك فى التعليم الدينى والمعاهد الأزهرية ومدارس الراهبات، رغم اختلاف الأخيرة فى أنها تقبل طلاباً مسلمين ومسيحيين مثل المدراس العامة الحكومية، بينما التعليم الأزهرى محدد للمسلمين ولجنس البنين أو البنات وليس لكليهما معاً، وبالتالى الهجوم من الفيديو والتريند يصب مباشرة فى صالح منع الاختلاط بحجة أن لنا قيم وعادات وتقاليد مختلفة، وهى نفس المقولات التى لعب عليها التيار الدينى منذ زمن طويل للسيطرة على المجتمع، كذلك وضع صورة الممثلة وهى لا تضع غطاء للرأس أو الحجاب وتقول له "ده هانى"! يعنى ضمنيا الربط السيئ بين هذا السلوك وبين عدم ارتدائها الإيشارب أو الحجاب.

ومثل هذه التريندات الاجتماعية أخطر من تريندات السياسة، لأنها تعمل بشكل غير مباشر على العقلية الاجتماعية والمجتمع للتوغل به فكريا، فتضع له الشروط وتقولب أفكاره لصالح مشروع اجتماعى وسياسى ليس به قبول الآخر، مثلما حدث فى واقعة فتاة هرم سقارة، فنقبل التصوير لها وبملابسها لو كانت أجنبية، بينما لو كانت مصرية فنطالب بمحاكمتها، فمخاطر التعليم الأجنبى ليست فى مناهجه أو بيئته الدراسية وإنما مخاطره فى خلق أسوار وكمبوند تعليمى يعتمد على المستوى المادى لأسرة، وليس فى مضمونه العلمى ومواده الدراسية، فهم يدرسون التاريخ والفلسفة والجغرافيا والأدب بينما نحن ندرس منها القشور ورؤوس الموضوعات فى هذه الفروع فيسهل السيطرة على العقول.

وإشاعة المناخ التقليدى أو السلفى فى المجتمع وفى نفس الوقت نهلل ونستورد الطب والعلم والتكنولوجيا من الغرب ولا نتهمه بالتغريب ومخالفة العادات والتقاليد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa