155 عاما مرت على بداية الحياة النيابية بمصر في عهد الخديوي إسماعيل باختيار مجلس شورى النواب، لكن هذا ليس هو العمر الفعلي للحياة التشريعية المصرية، حيث قدمت مصر منذ القدم أقدم النظم التشريعية والإدارية للإنسانية، واستمر مجلس النواب في ممارسة دوره التشريعي والرقابي على مر العصور مساهما في إثراء الحياة السياسية واستقرار مصر.
رحلة مقر مجلس النواب
كان اختيار أول برلمان في مصر عام 1866 في عهد الخديوي إسماعيل، وكان يعرف حينها بِاسم مجلس شورى النواب، وكان مقره مبنى فوق هضبة القلعة، حيث كانت تلك القلعة هي مقر كل مؤسسات الدولة قبل أن يقرر الخديوي إسماعيل تركها، والحكم من قصر عابدين، وبعدها انتقل مقر البرلمان المصري عام 1878 إلى مبنى المحكمة المختلطة وسط ميدان العتبة حاليا، ثم انتقل بعدها إلى قاعة رئيسية بوزارة الأشغال العمومية آنذاك بشارع الشيخ ريحان.
وبعد عام 1922 واستقلال مصر عن بريطانيا، قرر الملك فؤاد حينها أن يكون البرلمان ذا مجلسين أحدهما يسمى مجلس النواب والآخر يسمى مجلس الشيوخ، لذلك قرر الملك نقل البرلمان إلى مبناه الجديد وهو المقر الحالي لمجلس الشعب، وهو المقر الذي اكتمل بناؤه عام 1924.
الحياة النيابية في مصر
في عهد محمد علي كانت بداية قوة وإرادة الشعب المصري باختيارهم محمد علي واليا على مصر، ما جعل الباب العالي في تركيا يعترف بذلك، وتم تنصيبه رسميا في 1805، وبعدها كون محمد علي من مديرى الدواوين وبعض العلماء والأعيان جمعية عمومية تعرف بمجلس المشورة، وفي عام 1824 تم تأسيس المجلس الأعلى.
وكان المجلس الأعلى هو البداية الحقيقية لمجلس تمثيلي تم انتخاب أعضائه جزئيا ومثلوا جميع فئات الشعب، وكان يضم في البداية 48 عضوًا منهم 24 شيخًا في جامعة الأزهر، واستمر تزايد الأعضاء تدريجيا، وفي يناير 1825 أصدر المجلس الأعلى قانونًا أساسيًا، لكن في مايو 1837 أصدر محمد علي باشا أمره بحل هذا المجلس اكتفاء بالدواوين الحكومية التي أنشأها.
ومنذ ذلك العام ظلت الحياة النيابية معطلة حتى تولى الخديوي إسماعيل الحكم، وقرر عودة الحياة النيابية، حيث أنشأ مجلس شورى النواب وافتتحه في 25 نوفمبر سنة 1866، وكان يتألف من 75 عضوا ينتخبون من شخصيات بارزة في القاهرة والإسكندرية ودمياط، بالإضافة إلى زعماء القرى والشيوخ في المحافظات الأخرى، وكانت ولايته ثلاث سنوات.
مجلس النواب
وفي 26 يونيو 1879 بعد تولي الخديوي توفيق الحكم في ظروف مضطربة، وأصدر أمره بإلغاء مجلس النظار ومجلس شورى النواب، لكن بعدها ولم يستطع توفيق باشا مواجهة الأزمات بمفرده فرأى العدول عن أوامره السابقة، وعندما دعى محمد شريف باشا إلى تشكيل النظارة الجديدة اشترط لتأليفها إعادة الحياة النيابية للبلاد، وبالفعل في ديسمبر 1881 افتتح توفيق المجلس وأسماه مجلس النواب، وكانت مدته خمسة أعوام ويضم 80 عضوا.
لكن هذا المجلس لم يدم طويلا، حيث نص القانون العادي الصادر عام 1883 على إلغاء مجلس النواب السابق واستبداله بثلاث هيئات أن البرلمان المصري يتألف من 3 هيئات هي مجلس المديريات ومجلس شورى القوانين والجمعية العامة، وافتتحه الخديوي توفيق في هذا العام وكان يتكون من ثلاثين عضوا فقط.
وفي يوليو 1913، رأى الخديوي عباس حلمي الثاني ضرورة توسيع سلطة مجلس شورى القوانين، فقرر حل كل من المجلس الاستشاري للقوانين والجمعية العامة، وأنشأ الجمعية التشريعية، والتي تتألف من 8 نظار للحكومة و17 عضوا معينا منهم الرئيس وأحد الوكيلين و66 عضوا منتخبا منهم الوكيل الثاني، ويمنح كل عضو 25 جنيها مكافأة شهرية ومدة العضوية ست سنوات.
وفي 22 يناير 1914، افتتح الخديو عباس حلمي الدور الأول للهيئة الأولى بقاعة مجلس الشيوخ، وتولى رئاسة الجمعية التشريعية أحمد مظلوم باشا، وعقب صدور تصريح 28 فبراير قررت الحكومة تشكيل لجنة لوضع الدستور، وكان برلمان مصر حينها خطوة متقدمة على طريق الديمقراطية والتمثيل في مصر، حيث كان يؤلف من مجلسين نيابيين، هما: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ويتكون الأول من 264 عضوا يختارون جميعا بطريق الانتخاب العام.
مجلس النواب بعد ثورة 1952
في عام 1956، أعلن عن الدستور الجديد الذي ينص على تشكيل الجمعية الوطنية في 22 يوليو 1957 بعضوية 350 عضوا منتخبا، وبعد عام 1958 ووحدة مصر وسوريا تم إنشاء جمعية وطنية مشتركة، تتشكل أعضائها (400 من مصر و200 من سوريا)، وبعد الانفصال، وتحديدا في مارس 1964، تم الإعلان عن دستور مؤقت إضافي، حيث ولدت جمعية وطنية منتخبة من 350 عضوًا.
بموجب دستور عام 1971، كان البرلمان المصري يتكون من مجلسين، ويتألف من مجلس الشعب المصري ومجلس الشورى، بعضوية 454 عضوًا، بينهم 10 أشخاص يتم تعيينهم من رئيس الجمهورية وتعقد الجمعية لمدة خمس سنوات ولكن يمكن حلها في وقت سابق من قبل الرئيس.
في عام 1979، أجريت انتخابات تشريعية قائمة على الأحزاب لأول مرة في مصر بعد تشكيل أحزاب سياسية في أعقاب ثورة 1952، حيث شاركت الأحزاب التي تشكلت وفقًا لقانون الأحزاب السياسية في عام 1977 في هذه الانتخابات، وفي عام 1980، أنشئ مجلس الشورى لتوسيع نطاق المشاركة السياسية والديمقراطية، وظل هذا النظام معتمدا حتى تعديلات دستور 2014 التي ألغت مجلس الشيوخ.
الحياة النيابية في عهد السيسي
ونجحت الدولة برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إعادة الحياة النيابية لمسارها، حيث أجريت أول انتخابات بعد ثورة 30 يونيو وفقا للضوابط التي وضعها دستور 2014 وقانون الانتخابات، وانتخب المصريون مجلس النواب في الفترة من أكتوبر وديسمبر 2015، والذي استمر ونجح في إصدار تشريعات هامة حتى انتهاء مدته وبدء الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب اليوم، بناء على دعوة الرئيس السيسي.
وبانعقاد مجلس النواب اليوم تكتمل أسس الحياة التشريعية في مصر بعد انتخاب مجلس النواب في العام الماضي، وانعقاد أولى جلساته بعدما نصت التعديلات الدستورية 2019 على إعادة الغرفة الثانية للبرلمان المصري.