يحتفل الأمازيغ في الجزائر اليوم الثلاثاء بأول أيام السنة الأمازيغية الجديدة 2971، والتي يطلق عليها اسم "يناير"، حيث يسبق التقويم الأمازيغي التقويم الميلادي بـ950 سنة.
ووجه عبد العزيز جراد الوزير الأول الجزائري (رئيس الوزراء) عبر حسابه الرسمي بموقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي التهنئة للشعب الجزائري قائلا "تحل علينا السنة الأمازيغية الجديدة 2971 ، ويناير كما توارثناه عن أجدادنا يجعل ذاكرتنا الشعبية حية، إنه وعاء للتنوع الثقافي لمجتمعنا، وتعبير عن الهوية الوطنية. أطيب التماني للجزائريين بالداخل والمهجر ، وأسأل الله أن يكون العام حاملا للخير والبركة والهناء ".
وتعني كلمة يناير تعني باللغة الأمازيغية "إخف أوسغاس" وهي أول شهر في التقويم الفلاحي عند الأمازيغ، ولأصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ثلاث روايات الأولى أن اختيار هذا التاريخ من يناير رمز للاحتفال بالأرض والزراعة، مما جعلها معروفة باسم "السنة الزراعية "، والثانية هي الاحتفال بذكرى انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على الملك رمسيس الثاني فرعون مصر، والثالثة هي أن سيدة عجوز سبت شهر يناير، وفضلت إخراج قطيع غنمها لترعاها رغم البرد الشديد، متحدية قوة الطبيعة، ففوجئت بعاصفة ثلجية جمدتها هي وغنمها، ومن ثمة بات ذلك اليوم يوما يُحتفى به، في تاريخ الأمازيغ.
وشهدت ولاية تيزي وزو (شمال شرق) معقل الأمازيغ بالجزائر، اليوم الثلاثاء، تدشين تمثال الملك الأمازيغي شيشناق بالتزامن مع الاحتفال بحلول السنة الأمازيغية الجديدة.
وتعتبر الجزائر أول دولة مغاربية تقرر اعتبار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، بعدما أصدر الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، في ديسمبر 2017 قرارا باعتبار 12 يناير عطلة رسمية في سياق جهود الدولة الرامية إلى ترقية التراث واللغة الأمازيغية، وذلك بعدما أقر دستور 2016 اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.
وجاءت احتفالات رأس السنة الأمازيغية هذا العام متزامنة مع أزمة انتشار فيروس كورونا حيث وجهت السلطات الجزائرية بضرورة الالتزام بكافة التدابير الوقائية خلال الاحتفالات، وخاصة ارتداء الكمامات ومنع التجمعات بكافة أشكالها.
وترتبط الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية بالأرض والزراعة، حيث يقام في الجزائر سنويا المهرجان التقليدي "إيراد" ويلبس فيه الأمازيغ الأقنعة ويتجولون في الأحياء السكنية مرددين أغاني ورقصات تراثية.
ويبدأ الاحتفال مع غروب شمس يوم 11 يناير حيث يفضل الأمازيغيون ذبح ديك عن غروب الشمس ليكون وجبة العشاء في هذا اليوم بينما يفضل البعض إعداد الأطباق الجزائرية التقليدية مثل الكسكسي والشخشوخة والرفيس والريتشة، وإضافة إلى الخبز بالأعشاب، وتوزيع الحلوى على الأطفال، ويتبادلون التهنئة بعبارة "أسقاز أمقاز" التي تعني سنة سعيدة باللغة الأمازيغية.
وتشهد ولاية تيزي وزو التي تعد معقل منطقة القبائل الأمازيغية اكبر الاحتفالات بالعام الأمازيغي الجديد حيث يتم ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، ويطهى الدجاج في قدر طيني واحد وعلى كل فرد في العائلة أن يأكل حصته كاملة وألا يأكل من دجاجة.
ويؤدي المحتفلون طقس "تريز" حيث يجلس أصغر أطفال العائلة بداخل "قصعة" لتفرغ عليه من الأعلى الحلويات والفواكه الجافة كفأل لسنة الخيرات، وبعد انتهاء "التريز" يرتدي كل أفراد الأسرة أزياء تقليدية للمشاركة الاحتفال بالعام الجديد، حيث يقومون بإعادة تمثيل أسطورة "ثامغارث" أو "العجوزة" من خلال الأغاني أو تمثيل الأدوار وإلقاء القصائد أو القصص القديمة.
وفي الجزائر العاصمة تحيي العائلات القبائلية هذه الاحتفالات بأي نوع من الذبائح ولا يشترط الدجاج ولكن لابد أن يكون هناك لحم، لحماية العائلة من الأمراض والعين الحاسدة، كما أنها تقي أفرادها من المخاطر طول أيام السنة، حسب الاعتقاد السائد.
وتقوم المرأة القبائلية بإعداد مأكولات تقليدية مختلفة يطلق عليها سكان منطقة القبائل اسم "أمنسي نيناير".
وتحرص بعض العائلات على حلق رؤوس الأطفال الصغار الذين لم يمر عليهم العام، في احتفال تحضره العائلة مع ارتداء الطفل زي خاص مع إعداد حلوى خاصة يتم توزيعها على الجيران أملا في حياة سعيدة للطفل.
كما تحرص العائلات الغنية على إعداد أطعمة تقليدية وتوزيعها في حصص متساوية على الفقراء ويطلق عليها اسم "الوزيعة"، وتقام الوزيعة في مختلف ارجاء البلاد.
وفي الجنوب الجزائري، يمتد احتفال بربر الطوارق برأس السنة الأمازيغية لأسبوع كامل و يطلق عليه اسم " الأسبوع الامازيغي"، حيث تجتمع كل قبائل الطوارق في مكان واحد ولمدة أسبوع كامل، ويقومون بتحضير الاطباق التقليدية في الفترات الصباحية، وفي المساء يتم توزيعها على كافة القبائل، وفي الليل تقوم الفرق الموسيقية بالغناء والرقص.
وحرص المسؤولون الجزائريون على توجيه التهنئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للجزائريين بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.
وأعدت هذا العام المؤسسات الثقافية نشاطات متنوعة تبرز البعدين الثقافي والتاريخي للاحتفال بـ"يناير"، كما أعدت المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة والفنون برنامجا للنشاطات الثقافية والفنية سيتم تنظيم معظمها عبر الانترنت بسبب الاجراءات المتعلقة بوباء كورونا، وكذلك تعقد الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي لقاء حول الترجمة للغة الأمازيغية والتي سيشارك فيها كتاب وجامعيون.
وسيتمكن هواة الموسيقى والسينما من متابعة عرض للموسيقى الأمازيغية التقليدية عبر المنصات الافتراضية للوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي (يوتيوب وفايسبوك)، كما ينظم مركز الفنون "قصر رياس البحر -حصن 23 " بالجزائر العاصمة محاضرات حول الزي التقليدي والطقوس الزراعية القديمة بشمال إفريقيا.