الأحد 5 مايو 2024

الذكاء الشرير

أخرى17-1-2021 | 12:18

ألقى رجال الأمن بالجيزة، القبض على نصاب محترف، عمره ٦٥عاماً، دخل قبل٣٢عاما فى عملية تزوير واحتيال لم تتوقف، زعم أنه ضابط بوليس، وبهذه الصفة تقدم إلى فتاة ليخطبها، رحبت به أسرتها وسعدت به الفتاة، تم الزواج وأنجبت منه، ترقى الضابط حتى وصل الى رتبة عميد وأحيل الى المعاش، قبل خمس سنوات، تعيش الأسرة فى فيللا بالجيزة، لديه دخل مادى مرتفع.

فى المقابل وصل إلى مديرية أمن الجيزة معلومات عنه، هو طرف فى بيع أراضى، عمليات نصب على بعض المواطنين، معتمداً على وظيفته السابقة (المزعومة) وبعد تحريات واسعة وجمع لمعلومات كثيرة والحصول على وثائق ثبت أنه يقوم بالنصب وأنه ليس رجل شرطة من الأساس، فى البيت عثر على أدوات الاحتيال، أختام وأوراق مزورة وغير ذلك.

لحظة القبض عليه كانت صادمة للزوجة ولنجليه، لم تكن الصدمة فى عمليات النصب المادي، بل فى هويته المزيفة التى عاش بها معهم، عرفوه بها وقدموا، هم، أنفسهم للمجتمع بتلك الهوية، شىء يذكرنا ولكن فى سياق مختلف بزوجة رفعت الجمال وابنه، المعروف إعلاميًا، باسم رأفت الهجان، ظلت زوجته الألمانية فى صدمة لسنوات طوال، "رفعت" عاش بهوية مزيفة، وطنياً ودينياً، لكنه قام بهذا الدور، فى سبيل واجب وطنى أقدم عليه وكُلّف به، وقد وقف جهاز المخابرات العامة بأكمله خلفه، يدعمه، فضلا عن أن الجهاز هو الذى رسم له تلك الهوية التى عاش بها لمدة ٢٧سنة، من سنة١٩٥٤، حتى وفاته سنة١٩٨١.

صاحبنا، الذى أمسكت به وزارة الداخلية هذا الأسبوع، اختار لنفسه هوية ضابط شرطة، رسم تلك الصورة بنفسه ولنفسه، بالتأكيد تماهى هو مع صورته تلك وصدقها، وهكذا تقدم الى أسرة طيبة يخطب ابنتهم، وعاش هكذا، قرابة ثلث قرن، الواضح أن أحداً لم يشك فيه، بالتأكيد الجيران وأهل العروس تقبلوا الأمر، وشأن كثير من الزوجات والأبناء، لم يفتشوا خلفه، فضلًا عن أنه لم يساورهم أى شك، أما استخراج أوراق ثبوتية مزورة، فقد كان ذلك ميسوراً نهاية الثمانينيات وما بعدها، فعل ذلك مع نفسه ليرقى اجتماعيًا ويتكسب مادياً.

بالتاكيد نحن أمام شخص شديد الذكاء وقادر على تغطية الكثير من التفاصيل، لكنه ذكاء شرير، لا أخلاقي، قد يتصور البعض أنه انتهازى أو يقضى مصالحه، وبالتعبير الدارج "فهلوى"، وهذا غير دقيق، الفهلوة هى المرونة والذكاء فى حدود الأخلاق العامة، لكن حين يتعلق الأمر بتجاوز القانون، نكون بإزاء مجرم، ناهيك عن خداعه الزوجة وأسرتها، ثم ابنيه، هل نضيف هنا (تزوير) المهنة أو الصفة فى عقد الزوجية وما يترتب عليه من وثائق؟

الواضح أن الزوجة وأسرتها، كانوا حسني النية أكثر مما يجب، فلم يحاولوا البحث والسؤال عن أصل ذلك الذى تقدم إليهم، أو ربما السعادة بالعريس "اللُقطة" صرفتهم للحفاظ عليه، دون محاولة للتثبت، طبعاً الخطوبة والإشهار وحفل الزفاف، كان تأكيدًا للهوية التى اختلقها لنفسه واضفاء "مشروعية اجتماعية " له، وهكذا مضت السنوات، لكن لا توجد الجريمة الكاملة، لابد من ثغرة وينكشف فى لحظة كل شىء، مهما طال الزمن.

الذكاء شىء إيجابى وهبة من الله سبحانه وتعالى، فضلاً عن أنه نعمة إلهية، لكن الذكاء بلا أخلاق وبلا ضمير يصبح نقمة وكارثة، ليس على صاحبه فقط، بل على المجتمع كله، خاصةً القريبين منه.

بعض المجرمين يتأتى إجرامهم من الغباء العقلى أو الغباء الإنسانى وربما الاثنين معاً، لكن البعض من المجرمين يتجهون إلى الجريمة بذكائهم، أحيانا يكون ذكاء خارقاً، لكنه ذكاء شريرأو شيطاني.

وإذا تراجعت الأخلاق إلى هذا الحد وانزوى الضمير، لامفر من رجال الضبط وانفاذ القانون.