السبت 11 مايو 2024

مفهوم «الشعب» فى الخطاب الرئاسى

3-5-2017 | 11:26

 

من الملاحظ أن الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ انتخابه رئيسا للجمهورية فى أبريل ٢٠١٤ يكثر من استخدام كلمة «الشعب» فى إشارته إلى المصريين عندما يريد أن يلفت النظر إلى أهمية أمر ما، كأن يقول إذا أراد الشعب أن ينتخبنى مرة أخرى للرئاسة فأنا تحت أمره، أو إذا لم يكن الشعب يريدنى مرة أخرى فأنا رهن إشارته، أو يقول: أنا أقوم بعمل كل شيء لصالح الشعب ..إلخ.

غير أن كلمة «الشعب» تعنى كل الناس الذين يعيشون فى بلد ما بصرف النظر عن أصولهم العرقية واختلافاتهم المذهبية والنوعية ومكانتهم الاجتماعية، وكلهم يكتسبون صفة معينة مأخوذة من المكان الذى يعيشون فيه وينتسبون إليه، كأن تقول «مصري» نسبة إلى مصر، وأمريكى نسبة إلى أمريكا، أى الجنسية التى تسجل فى البطاقة الشخصية أو جواز السفر لتعريف الإنسان لنفسه أمام الغير.

وهذه النسبة الجغرافية أو المكانية الواحدة، لا تعنى أن أهل المكان الواحد هم واحد فى كل أمور الحياة، وأنه لا يوجد بينهم أية تناقضات فى المصالح والأهداف التى ينشأ معها الصراع والمنافسة القاتلة من أجل البقاء، الأمر الذى يستدعى تحقيق قدر من التوازن بين المصالح لكى تستمر الحياة، وتلك مهمة ليست سهلة إن لم تكن غاية فى التعقيد.

وعلى هذا فإن استخدام كلمة «الشعب» لمخاطبة الكل وكأنهم واحد، فيه قدر كبير من المبالغة والتجاوز لحقائق الحياة الاجتماعية، فما يصلح لفئة معينة أو طبقة لا يصلح لغيرها، فالشعب المصرى مثلا ليس واحدا إلا من؛ حيث إن المصريين يعيشون فى مصر ويكتسبون جنسيتها. لكنهم اجتماعيا يتقلبون بين عدة طبقات اجتماعية ابتداءً من الطبقة العليا التى يشكلها ما أصبح يعرف برجال الأعمال أصحاب رأس المال الصناعى والتجارى والزراعى ومعهم صفوة أصحاب الوظائف العليا بالدولة، والطبقة الوسطى وهم فئات الموظفين والفنيين والمهنيين الذين يعملون مقابل مرتب شهرى لا يتحرك إلا مع علاوة دورية سنوية، والطبقة الدنيا من عمال الخدمات والحرفيين الذين يعملون فى المؤسسات والورش والشركات المحدودة أو لحسابهم وهؤلاء يخضعون لآلية العرض والطلب وحسب الظروف، وكل طبقة من تلك الطبقات تتكون من شرائح تختلف فيما بينها من حيث الدخل، والسيولة الطبقية متاحة من حيث التحرك من أسفل إلى أعلى أو النزول من أعلى إلى أسفل وإن كان نادرا.

المهم .. أن مصالح كل طبقة من هذه الطبقات تختلف بطبيعة الحال عن غيرها بل وتتناقض، ومن هنا ينشأ الصراع خاصة حين تريد الطبقة العليا أن تستأثر بالحكم وتعمل على تحقيق مصالحها فى المقام الأول على حساب الآخرين.

وعلى هذا فعندما يستخدم رئيس الدولة كلمة «الشعب» بهذا المطلق وليس النسبي، نصبح فى حيرة من أمرنا، ويتساءل كل واحد قائلا: ترى ما مصلحتى فيما يقوله الرئيس. فمثلا كل مشروعات التنمية الاقتصادية والعمرانية يستفيد منها فى المحل الأول أصحاب رأس المال من المصريين ومن غيرهم الذين انفتحت لهم أبواب الاستثمار دون قيود وحدود، فإذا كانت هذه المشروعات سوف تفتح باب العمل لكثير من المصريين العاطلين فإنهم سيخضعون لشروط صاحب العمل فى الأجور والخدمات ولسان حالهم يقول: وكأنك يا أبو زيد م غزيت»، خاصة أن الدولة منذ منتصف السبعينيات تخلت عن التزاماتها تجاه الطبقة الوسطى وما دونها وتركتهم لآلية العرض والطلب ولسان حالها، أى الدولة، يقول: اللى م معهوش م يلزموش».

وتاريخيا .. فإن استخدام كلمة «الشعب» تأتى دائما على لسان الحكم الطبقى من باب التعمية عن حقيقة الواقع الاجتماعي، وفى هذا الخصوص كان الملك فاروق يخاطب المصريين قائلا: «يا شعبى العظيم ..» على الرغم من قلة خطاباته العامة، وكأنه يريد إفهام المصريين أنهم جميعهم محل عنايته. وإسماعيل صدقى ممثل الرأسمالية المصرية ورجل اتحاد الصناعات، يؤلف حزبا سياسيا بعد خروجه من حزب الوفد ويسميه «حزب الشعب» فى عام ١٩٣٠، وكأنه يريد أن يقول إنه هو الذى يمثل الشعب المصري، وليس مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد، ومن عجب أن رئيس حزب الشعب هذا وقف ضد مطالب «الشعب» فى الحرية والمساواة، وذلك عندما وقف ضد المظاهرات التى قادها الحزب الشيوعى المصرى (عام ١٩٤٦) وألقى بالمتظاهرين فى السجون.

وعندما قامت ثورة يوليو ١٩٥٢ بقيادة جمال عبد الناصر نراه يستخدم كلمة «المواطنون» بدلا من كلمة «الشعب» إذ كان يبدأ خطابه بقوله: أيها الإخوة المواطنون .. ويبدو واضحا أنه كان يريد أن يختلف عن خطاب السياسيين زمن الملكية، ووجد أن كلمة «المواطنون» أشمل وأكثر التصاقا بالواقع، ذلك أن كل من يعيش على أرض الوطن فإنه مواطن، ويتمتع بالمواطنة دون مَن أو أذى. فلما قام بإلغاء الأحزاب السياسية (١٧ يناير ١٩٥٣) التى تفرق بين المصريين، لجأ إلى تكوين التنظيم السياسى الشامل الذى يجمع الكل فى واحد، ابتداء من هيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، إلى الاتحاد الاشتراكى والذى يضم تحالف قوى الشعب العامل الخمسة: الفلاحون، والعمال، والجنود، والمثقفون، والرأسمالية الوطنية، والرأسمالية الوطنية هنا تعنى أن أصحاب رأس المال الذين لم يخضعوا للتأميم يلتزمون فى مؤسساتهم الخاصة بسياسات الدولة (القطاع العام) فى المرتبات والأجور والأسعار والتأمينات. وعلى هذا الأساس زالت الفوارق الطبقية الحادة وتحول المجتمع إلى شرائح اجتماعية بفروق ناتجة من اختلاف العمل وليس من واقع ملكية رأس المال كما كان الحال من قبل.

والمرة الوحيدة التى استخدم فيها عبد الناصر كلمة «الشعب»، جاءت فى أعقاب مظاهرات الشباب فى فبراير ١٩٦٨ احتجاجا على الأحكام القضائية بحق المسؤولين عن هزيمة يونيه ١٩٦٧، حين استجاب للمطالب وقرر إعادة المحاكمة، وأصدر بيان ٣٠ مارس بشأن إعادة بناء التنظيم السياسى قائلا: الشعب يريد وأنا معه. وكان استخدامه كلمة «الشعب» هنا فى محلها بعد أن ذابت الفوارق الطبقية الحادة بين المصريين وأصبح «الكل فى واحد».

وتمر الأيام ويأتى السادات رئيسا ويفتح الباب مرة أخرى لحكم أصحاب رأس المال تحت عنوان «رجال الأعمال»، فأخذوا يسيطرون على أداة الحكم بالتدريج. وهنا يستخدم السادات كلمة «الشعب» بدلا من المواطنين فى محاولة منه لكى يقنع المصريين أنه يعمل من أجلهم جميعا، ويغير اسم مجلس الأمة إلى مجلس الشعب، ويستهل خطابه السياسى قائلا: أيها الإخوة والأخوات، بينما سياسة الدولة تسير فى إطار الاستقطاب الاجتماعى خدمة للرأسمالية العالمية، الأمر الذى جعل أحمد فؤاد نجم يقول متسائلا: شعب العشة وللا القصر ..

ومنذ حكم السادات أصبح الرئيس يستخدم كلمة «الشعب» فى خطابه العام لإيهام جمع المصريين بأنه يعمل من أجلهم بينما فى الحقيقة والواقع ومادام أن أصحاب رأس المال يسيطرون على مقاليد الحكم أو يكون الذين فى الحكم فى خدمتهم، تأتى كلمة «الشعب» من باب التعمية أو التورية، عملا بالمثل الشعبى «دارى على شمعتك تقيد».

    Dr.Radwa
    Egypt Air