الأحد 2 فبراير 2025

أخرى

«ربنا يخليك لنا يا سيادة المشير طنطاوي»

  • 20-1-2021 | 18:03
طباعة


 عقب انتهاء تحرير الكويت من الغزو العراقي جاء إلى القاهرة الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف قائد عملية عاصفة الصحراء في جولة وداع شملت مصر وسوريا وبعض البلدان العربية التي شاركت بقوات في عملية عاصفة الصحراء .


 في مبنى وزارة الدفاع بكوبري القبة جرى استقبال كبير وحار للجنرال شوارزكوف تكريماً له، حيث استقبله الفريق أول يوسف صبري أبو طالب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وكذلك الفريق صفي الدين أبو شناف رئيس الأركان.



 كان استقبال وزير الدفاع ورئيس الأركان للجنرال الأمريكي استقبالا بروتوكوليا ورسمياً للغاية .. كلمات ترحيب لا أكثر بقائد عاصفة الصحراء الذي كانت تلك هي زيارته الأولى للقاهرة منذ أن قررت دول التحالف الدولي اختياره قائداً لعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت .

 


تصورنا نحن المحررين العسكريين أن وزير الدفاع ورئيس الأركان سوف يحضرا المؤتمر الصحفي العالمي الذي جرى إخبارنا بأن الجنرال الأمريكي سوف يجيب فيه عن أسئلتنا وتساؤلات كل مراسلي صحف ومجلات العالم ووكالات الأنباء العالمية .


لكننا فؤجئنا تماماً بدخول الجنرال الأشهر قاعة المؤتمر الصحفي وإلى جواره لواء صارم واثق من عسكريته عرفت من صديقي جمال كمال المحرر العسكري لجريدة الجمهورية أنه اللواء محمد حسين طنطاوي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة..أي الرجل رقم 3 في الجيش كما هو متعارف عليه داخل القوات المسلحة .



كانت تلك هي المرة الثانية التي أرى فيها اللواء محمد حسين طنطاوي..



 الأولى كانت عند عودتنا كمحررين عسكريين من مطار حفر الباطن العسكري حين أخبرنا ضابط الشئون المعنوية المرافق لبعثة المحررين العسكريين هذه المرة لن تطير الطائرة سي 130 من حفر الباطن مباشرة إلى القاهرة كما في المرات الأربعة السابقة.. بل ستقلع إلى مطار جدة حيث ستعود معنا إلى القاهرة قيادات مصرية رفيعة المستوي.. أربعة لواءات .

 


في مطار جدة العسكري انتظرنا داخل الطائرة حوال ساعتين حتى صعد القادة الأربعة الكبار إلى الطائرة.. اللواء عمر سليمان مدير المخابرات الحربية الذي كنت كمحرر عسكري قد حضرت مع زملائي أحد اللقاءات الثرية معه .. واللواء محمد علي بلال أول من قاد القوات المصرية المشاركة في عاصفة الصحراء وكان معروفاً و اسمه أشهر من نار على علم كما يقولون.. واللواء طبيب نيازي السعيد مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة الذي كنت أعرفه بحكم تردد والدي رحمه الله على مستشفاه بحي المنيل.. والرابع كان اللواء محمد حسين طنطاوي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة.


في المؤتمر الصحفي العالمي للجنرال شوارزكوف أثنى قائد عملية عاصفة الصحراء على الدور العظيم الجبار الذي أدته القوات المصرية من أجل تحرير الكويت.


 وفجأة صمت وأشار إلى الرجل الذي يجلس إلى يمينه - اللواء حسين طنطاوي- وقال بالحرف الواحد: لقد أدى هذا القائد العظيم أدوارا عظيمة في ترتيبات عملية إرسال القوات المصرية إلى مسرح العمليات في الوقت المناسب وبشكل لم يمثل أي إرهاق للجنود والضباط المصريين.. ولولا الدور الذي لعبه - ومرة أخرى أشار إلى الرجل الجالس إلى يمينه- ما كان هذا النجاح الكبير في اتمام عملية تحرير الكويت.


وبعد انتهاء هذا المؤتمر الصحفي اصطحب اللواء طنطاوي الجنرال الأمريكي إلى مكتب وزير الدفاع حيث كان الفريق أول أبو طالب والفريق أبو شناف في انتظاره بعيداً عن أعين رجال الإعلام الذين انتهي دورهم لحظة أن انتهى المؤتمر الصحفي للجنرال شوارزكوف .


في دار الهلال سألني الأستاذ مكرم رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير المصور  عما دار في مؤتمر شوارزكوف.. وعندما أخبرته بأن لا وزير الدفاع و لا رئيس الأركان حضرا المؤتمر.. وأن رئيس هيئة العمليات اللواء حسين طنطاوي هو الذي حضر وكان جالساً إلى يمين الجنرال الأمريكي قال بصوت خفيض: اللواء طنطاوي هو وزير الدفاع القادم !


وبالفعل ما أن مرت شهور قليلة حتى خرج الفريق صفي أبو شناف رئيس الأركان إلى المعاش في سن الستين.. وجرى تعيين اللواء طنطاوي وزيراً للدفاع وترقيته إلى رتبة الفريق. 



عام 1992 وقبل حلول شهر أكتوبر كان موعد أول حوار يدلي به الفريق حسين طنطاوي وزير الدفاع الجديد لمجلة المصور بمناسبة ذكري نصر أكتوبر 1973.. طلب مني الأستاذ مكرم إعداد ورقة الأسئلة التي ستطرح في الحوار.. وطلب مني الاستعداد للذهاب معه إلى مقر وزارة الدفاع لإجراء الحوار..


كانت العادة أن يدلي وزير الدفاع لرئيس التحرير بالحوار دون حضور أحد !.. كنت أعرف ذلك جيداً.. وحينما ألح رئيس التحرير على حضوري كمحرر عسكري أخبرته بذلك.. ويبدو أنه لم يقتنع بهذه المعلومة حيث طلب مني الاتصال باللواء أحمد فؤاد مدير إدارة الشئون المعنوية لتسهيل عملية حضوري الحوار..


وبالفعل اتصلت به من مكتب رئيس التحرير وقلت أن رئيس التحرير يريدني أن أحضر الحوار.. هنا قال اللواء أحمد فؤاد: أهلاً وسهلاً بك ..ولكنك ستجلس في الصالون مثل كل زملائك المحررين العسكريين.. والحوار سيكون قاصراً على السيد الوزير والأستاذ مكرم فقط..!


كانت علاقتي باللواء أحمد فؤاد أكثر من جيدة.. من مكتبي حكيت له ما كان يريده الأستاذ مكرم.. فقال : أنا مش عاوز أي إحراج لك.. أنا متأكد أنك ستغضب وتزعل جدأ لو أتيت مع رئيس التحرير وجلست في الصالون تشرب شاي وقهوة وحاجة ساقعة !


رفضت بالطبع الذهاب مع رئيس التحرير إلى وزارة الدفاع  .. لكي أجلس في الصالون كما كان زملائي يفعلون.. رفضت أن أكون ضمن مستقبلي الأستاذ مكرم والمرحبين بقدومه.. فذلك ليس دوري وتلك ليست مهمتي. 


أذهب بكم الآن إلى هذا الحوار الذي كلفني رئيس التحرير بتفريغ شرائطه كاملة وبدقة فقد كان الحوار الأول الذي يدلي به وزير الدفاع الجديد للمصور..


 مساء الأحد كنت أراجع بروفة هذا الحوار بعد أن تم جمعه.. لاحظت أن مقدمة الحوار التي كتبها الأستاذ مكرم تتضمن العبارة التالية ( القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي).. من غزارة الفاكسات التي كنت أتلقاها من الشئون المعنوية تحمل لي أخبار الوزير والوزارة توقفت عند هذه الجملة.. شطبتها واكتفيت ب ( وزير الدفاع)..!

 

 يومها ثار سكرتير التحرير الأستاذ أحمد أبو كف رحمه الله قائلأ : إنت ازاي تشيل حاجة كتبها الأستاذ مكرم بنفسه ؟!.. وعندما طلب رئيس التحرير بروفة الحوار سألني : شلتها ليه ؟.. فأجبت لأن قرار تعيين اللواء محمد حسين طنطاوي يقول ( وزيراً للدفاع ويرقي لرتبة الفريق)..ولم يأت ذكر أي شئ أخر.. طيب اسأل صاحبك اللواء أحمد فؤاد.. أنا متأكد يا أستاذ مكرم .. فأعادها على ثلاث مرات : بس اسأله .. اسأله.. حتي تتأكد..قلت : أسف لن اسأله. أنا متأكد يا أستاذ مكرم..

 

و تدخل الأستاذ أبو كف للمرة الثانية: أستاذ مكرم بيقول لك اسأله .. روح اسأله!.. وراح رحمه الله يعيد ويزيد في هذا الأمر حتى هاج رئيس التحرير وماج قائلاً..خلاص يا أبو كف خلاص.. ده تخصصه.. اعمل يا بني الصح اللي إنت شايفه.


وقتها..1992 كانت لدى الرئيس مبارك حساسية مفرطة أزعجته كثيراً هي شعبية المشير أبو غزالة الواسعة النطاق سواء على مستوى الجيش أو على المستوى المدني.. وربما كان هذا ما دفعه في البداية إلى تعيين الفريق طنطاوي وزيرًا للدفاع.. ثم ترقيته بعد قرابة العام إلى رتبة الفريق أول وتعيينه قائداً عاماً ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي..


 وأتذكر في هذا الصدد أنه وصلني عبر الفاكس خبراً من الشئؤن المعنوية تضمن عبارة (القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربي) قبل اسم الفريق اول حسين طنطاوي.. فتصورت أن الجندي الذي كتب هذا الخبر  قد أخطأ وأن الجندي الذي أرسل الفاكس لم ينتبه لهذا الخطأ..ولكن كانت المفاجأة عندما اتصلت باللواء أحمد فؤاد هي رده : مفيش خطأ ولا أي حاجة.. كل اللي في الفاكس صحيح..!

 

و فهمت من رد مدير الشئون المعنوية أن الجملة أعلاه بين القوسين أضيفت حديثاً بقرار من القائد الأعلى.. ولكن ارتؤي أن لا يخرج هذا القرار للرأي العام بصورة خبرية مباشرة !


في جعبتي الكثير والكثير عن المشير حسين طنطاوي.. القائد العسكري اليقظ الذي أحبط محاولات شلة جمال مبارك للاستيلاء غصباً وبالقانون على مقدرات الشعب المصري ومخططاتهم الجهنمية لوضع أيديهم بالقوة على مؤسسات وشركات تملكها الدولة.. أي يملكها الشعب..


سيادة المشير محمد حسين طنطاوي.. مصر كلها بتدعيلك..الناس كلهم بيقولوا : ربنا يخليك لنا يا سيادة المشير !

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة