الخميس 21 نوفمبر 2024

كيف يقود التجديد الأزهر إلى قيادة العالم للسلام؟

  • 3-5-2017 | 13:37

طباعة

بقلم –  أحمد بان

كشفت زيارة بابا الفاتيكان ولقاؤه مع شيخ الأزهر، وحجم الحميمية التى لفت اللقاء بين قطبى الدين الإسلامى والمسيحى، ما لمصر من مكانة راسخة فى وعى العالم ووعى أكثر من مليار مسيحى يتولى البابا قيادتهم الروحية.

 

نعم لم يعد خطر العنف والإرهاب خطرًا محليًا يهدد دولة دون العالم، بل أضحى خطرا يهدد السلم والأمن الدولى ويتمدد على ساحات واسعة حول العالم لم تستثن دينا أو شعبا أو رقعة جغرافية دون أخرى، تضمنت كلمة البابا معانى مهمة لعل من أهمها ما قاله فى بداية كلمته «لنكرر معا من هذه الأرض أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر المؤمنين لنكرر لا قوية واضحة لأى شكل من أشكال العنف والثأر والكراهية يرتكب باسم الله وباسم الدين» ، بينما أكد شيخ الأزهر فى كلمته على ريادة الأزهر وبراءة الإسلام والأديان كافة من العنف أو الدعوة لاستخدامه تحت أى ذرائع، وهو ما تضمنته كلمة شيخ الأزهر الذى قال «لايزال الأزهر يسعى من أجل التعاون فى مجال الدعوة إلى ترسيخ فلسفة العيش المشترك، وإحياء منهج الحوار واحترام ثقافة الآخرين، والعمل بدأب فى مجال المتفق عليه بين المؤمنين بالأديان وهو كثير كثير».

بدا التطابق لافتا بين منطق أهم زعامتين فى العالم الإسلامى والمسيحى فى نظرتهما للعنف والأسباب التى تقف وراءه، واللذان توافقا سويا على أن أهم أسبابها ودوافعها الظلم السياسى وتجارة السلاح، التى تقف وراء إشعال كل النزاعات فى العالم، سواء تسربلت برداء الدين أو ادعت تحقيق مصالح شعب أو أمة.

تكبدت أوربا فى الحرب العالمية الثانية أكثر من ٥٠ مليون نفس بشرية معصومة، وكان معظم الضحايا من المدنيين، كما تكبدت ميزانيات تلك الدول أثمانا باهظة بالمليارات فى تعبئة كل طاقات تلك الدول للإنفاق على التسليح والحرب.

بدت الهمة فى الإنفاق على الحرب فى تاريخ البشر الحديث أعلى بكثير من الهمة فى الإنفاق على صيانة السلام، ولعل الاستبداد من أهم الدوافع التى رفعت كلفة الحروب والنزاعات، لقد تكبدت ألمانيا بعد هزيمتها واقتراب الروس من أسوار برلين فقط ١٥٠ ألف قتيل ألمانى، فقط لأن هتلر رفض إعلان الاستسلام للنهاية تأملوا كيف ساهم تعنت الطغاة فى كل عصر فى بروز كل نزعات العنف بدوافع مختلفة.

يبدو أن الظلم الاجتماعى والسياسى ونزعات التطرف لدى الحكام وأحلامهم فى السيادة كانت الدافع الأول للعنف فى العصر الحديث، وتكفلت آلة الحرب واقتصاد الحرب برسم معالم عالمنا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث برزت بعد نهاية الحرب العالمية معالم عالم جديد يتشكل يفرض فيه الاستعمار الجديد منطقه الاقتصادى، ليعوض خسائر حرب لم يكن العالم الإسلامى طرفا فيها بل أشعلتها أوربا وانضمت أمريكا فى اللحظات الحاسمة بعد أن أضعفت الحرب الدول الاستعمارية القديمة فرنسا وبريطانيا، إلى حد بالغ لتتدخل أمريكا فى الوقت المناسب وتفرض منطقها على العالم، ولقد كان من بين أهم نتائج الحرب العالمية الثانية، فضلا عن تدشين صعود قوة استعمارية جديدة هى الولايات المتحدة الأمريكية وازدهار صناعة السلاح وتوافق تلك الصناعات، فيما عرف بالمجمع الصناعى العسكرى مع مراكز صناعة القرار على اعتبار صناعة السلاح أهم موارد وأدوات النفوذ والتأثير الدولى وجرت أخطر عملية صياغة لقوانين العالم الجديد، والتى تقوم على تأييد الصراع تحت عناوين وذرائع مختلفة يستطيع الأزهر.

نعم كل هذه أسباب مهمة، لكن ذلك لا ينفى أننا بحاجة قبل الحديث عن نهوض الأزهر بدوره إلى الحديث عن الكيفية التى تؤمن نهوض الأزهر برسالته الواضحة التى تجسد صحيح الإسلام ووسطيته، وانطلاقا من مصر الأزهر أن يستعيد ألق تلك المؤسسة وتأثيرها الرمزى الكبير فى أكثر من مليار مسلم، وهو ما لا يتم إلا عبر عملية تجديد واسعة لا تنصرف كما يعتقد البعض إلى الخطاب، بل إلى تجديد معرفى شامل واستعادة مكانة فقه المقاصد والأولويات، الذى جسد غيابه آثارا سلبية يجملها العلامة الراحل د. طه جابر علوانى فى كلام نفيس فى النقاط التالية التى تصلح منهاج عمل وإطارا يرسم طريق التجديد للأزهر بيد واحد من علمائه:

بقاء الفكر الإسلامى حبيس الدائرة الفقهية التقنينية، التى تبقى ضيقة مهما اتسعت وخاصة مهما عممت.

تكريس مفهوم التعبد بمعنى التحنث المحض، وإبعاد مبادئ الوحى عن مجالات الحياة الرحبة.

اضطراب رؤية المسلم لإرادته ولقيمة فعله ومصدر تقويم ذلك الفعل.

فتح باب الارتخاء والكسل أمام العقل المسلم من خلال التأكيد على المنحى التعبدى غير المعقول لأحكام الشرع، وإحساس البعض بعدم فائدة البحث عن الحكم والعلل والأسرار الكامنة وراءها.

تكريس النظر الجزئى الذى لا يستنبط قاعدة ولا يصوغ قانونا، مما يعطى فرصة لبروز تصورات خاطئة لدى البعض، بحيث يسوغون لأنفسهم اتهام الشريعة الخالدة بالجمود والبقاء على هامش الحياة.

المبالغة فى ضبط الألفاظ فى الحدود والرسوم المنطقية الأرسطية على حساب الأحكام والمضامين، حتى أصبح العقل المسلم فى الأطوار الأخيرة من حضارته أسيرا للألفاظ والمصطلحات المتعلقة بالحدود والرسوم.

إظهار الشرع الإسلامى بمظهر القانون الميت الذى تجاوزه ركب التاريخ السائر.

الاستغراق فى الجزئيات والتفاصيل والانشغال عن الكليات والأصول، حتى أصبح العقل المسلم متهما من طرف أعدائه بالذرية وعدم القدرة على التعميم.

التشبث بالتقليد والتبعية واعتبارهما مصدر أمن يحمى من المغامرة واكتشاف المجهول يرى الجبناء أن الجبن حزم وتلك خديعة الطبع السقيم.

العزوف عن الأخذ بالأسباب تواكلا واعتمادا على مفترض أو متوهم، مع تجاهل أن الارتباط بين الأسباب والمسببات سنة من سنن الله الماضية.

إضفاء البعد الشخصى على الفكرة والمبدأ، والركون إلى معرفة الحق بالرجال بدلا من العكس الصحيح وهو معرفة الرجال بالحق.

الاضطراب فى المنطق والانحراف فى أساليب البحث وتجاهل مناهج الحوار والاستدلال والإستنباط.

الخلط بين الثابت والمتغير شرعا، مما ولد خلطا فى قضايا المقبول والمردود والسنة والبدعة والفردى والجماعى، وربما الحلال والحرام فى بعض العقول.

الميل إلى الارتجال والتسطيح والبعد عن التخطيط الشامل والتأصيل الدقيق والتمحيص العميق.

النزوع إلى تبرئة الذات وتزكية النفس واتهام الآخرين بالتسبب فى كل البلايا والخطايا، هربا من تحمل المسئولية عن واقع الأمة المزرى.

الانشغال بالشعارات والتهاويل وتجاوز المضامين واستعجال الثمرات والاضطراب بين اليأس القاتل والطمع المبالغ فيه.

الفصل بين العلم والعمل وبين النظرية والتطبيق، وما يترتب على ذلك من نزاعات أحيانا بين علماء الإسلام والعاملين للإسلام بشكل يبدد جهود الجميع.

رواج بعض الأوهام مثل تعارض النقل والعقل والعلم والإيمان مما يولد اضطرابا فى الرؤية العقائدية والفكرية لفئات مسلمة كثيرة.

تداخل المراتب وعدم القدرة على تنظيم الأمور فى أطار كلى جامع يحدد لكل منها قيمته ووظيفته.

سيادة منطق الصراع والنفى بين الأفراد والجماعات أو عدم التنسيق بين جهودها فى أحسن الأحوال.

الهروب من الواقع البائس إلى الماضى الغابر أو المستقبل المجهول ورسم صورة خيالية لما هو مرغوب، بدلا من الاعتراف بما هو ممكن والعمل لتحقيقه.

فقدان المعايير الدقيقة فى الأخذ والترك، والميل إلى الإطلاق والتحيز للذات أو للحزب أو للفئة أو للطائفة دون مبرر شرعى.

هيمنة التفكير الأحادى والتسرع فى إصدار الأحكام القيمية ونفى الآخر صراحة أو ضمنا.

تجاوز مدخل النقد والتصحيح والمراجعة باعتباره من أهم مداخل أى مسيرة راشدة يراد لها الرسوخ والبقاء.

نتحدث دائما عن ضرورة المراجعات لكل الكيانات الحركية، دون أن يتحدث أحد عن أولى المؤسسات بالمراجعة والبحث، دون ابتذال أو اختزال وتحرير العلاقة الصحيحة بين الدين والدنيا.

وهو ما ينبغى أن يقوده الأزهر فى رسالة تحديث، تأتى انطلاقا من مسئوليته وبيد أبنائه وعلمائه النابهين، لتسلم تلك المؤسسة لمصر وللعالم الإسلامى بما يستعيد لياقتها لتنجح فى مهمته المنتظرة، وهى قيادة العالم للسلام بفكر وسطى عصرى متماسك، وحركة تجديدية تفتح الباب للعقل المسلم للنهوض من كبوته التى طالت لقرون، وهو ما يقود الأزهر للنجاح فى مهمته المقدسة فى استنقاذ السلم العالمى بحضور الأزهر وخطابه القوى المؤثر المتصل بالعصر والعالم.

 

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة