الأحد 19 مايو 2024

إمام السلام وبابا السلام على أرض السلام

3-5-2017 | 13:40

بقلم – د. ناجح إبراهيم

«ما فتئت بلادى الولايات المتحدة الأمريكية تشن حروبًا طوال فترة حياتي، ويقع علينا نحن المسيحيين الأمريكيين مسؤولية كبرى بأن نكون صوتًا قويًا للسلام، وأن نعيد توجيه أمتنا بعيدًا عن الحروب، وهذا بسبب إيمانى العميق بالسنة الإبراهيمية أن أكون صوتًا للسلام لا يتزعزع، وأنا أتعهد لكم اليوم أن أظل رافعًا صوتى ما دمت على قيد الحياة حيث أمتنا تنفق على الجيش أكثر من أى أمة أخرى».

 

كانت هذه الإطلالة الرائعة من جيمس وينكلر رئيس المجلس الوطنى لكنائس الولايات المتحدة الأمريكية، وقال قبلها» لقد شاركت لأول مرة فى مسيرة سلام حينما كنت طفلًا، وانضممت إلى أبى وأمى فى احتجاج دينى ضد الحملة الجائرة التى شنتها بلادى على فيتنام، ولما أصبحت رجلًا انضممت إلى مسيرة تنادى بوضع حد لسباق التسلح النووي».

كانت كلمات الرجل صادقة ومعبرة ومؤثرة, فلا يستطيع أحد أن يتحدث عن السلام مرارًا دون أن تتسرب إلى قلبه هذه الدعوة, فدعاة الحرب كُثر وأكثرهم كذابون أفاقون، ودعاة السلام قلة وأكثرهم صادقون، فدعوة السلام لا تتشربها إلا النفوس الراقية.

أما رئيس الأساقفة الكاثوليك فى نيجيريا»جون كاردينال»فكانت كلمته رائعة ومعبرة حيث قال»السلام هبة رائعة من الله , أقول ذلك تأكيدًا على أن الله وحده من يستطيع منح السلام للبشرية اليوم، وعلى الرغم من بذلنا قصارى جهدنا لتحقيق السلام فلا يمكننا تحقيقه إلا إذا كان الله معنا، وعلة ذلك أن السلام منحة ربانية أنعم الله بها على البشرية , فلا يمكن أن يحيا الناس ويتمتعون بخيرات الله إلا إذا عاشوا فى سلام بينهم «.

أما الإمام الأكبر د.أحمد الطيب الذى يعرف العالم كله قدره ومكانته وعلمه وزهده وباستثناء حفنة من الإعلاميين والعلمانيين المصريين وقلة من كارهى الأزهر، فقال كلمات رائعة لم يحسن قولها أى شيخ أزهر آخر باستثناء الشيخ» محمد عبده « كل ما يقال عن الإسلام فى شأن السلام يقال مثله تمامًا عن المسيحية واليهودية، رسالة محمد ليست دينا منفصلًا مستقلًا عن رسالة عيسى وموسى وإبراهيم ونوح عليهم السلام وإنما هو حلقة أخيرة فى سلسلة الدين الإلهى الواحد الذى بدأ بآدم وانتهى بنبى الإسلام».

ويقول أيضًا فى قوة وثقة لا يهزها هجوم الأقزام عليه:»الأديان كلها متفقة على أمهات الفضائل وكرائم الأخلاق وتغريد الوصايا العشر، وموعظة الجبل كلها تغرد فى سرب واحد ولغة شعورية واحدة, القرآن الكريم يقرر حقيقة الاختلاف بين الناس دينًا واعتقادًا ولغة ولونًا، والاختلاف هو سنة الله فى عباده التى لا تتبدل حتى تزول الدنيا» ويقول: « ويترتب على حقيقة الاختلاف منطقيًا حرية الاعتقاد والأخيرة تستلزم بالضرورة نفى الإكراه فى الدين».

ويهتف فى البشرية:»التاريخ يخبرنا أن الإنسانية لم تنعم بالسلام إلا قليلًا حتى أن بعض الكتاب الأمريكيين سجل أن البشرية عبر تاريخها المكتوب والذى يبلغ قرابة ثلاثة آلاف عام ونصف لم تنعم بالسلام إلا ٢٦٨ عامًا فقط، أما باقى السنوات فمشغولة بالحروب.

ويقول الإمام الأكبر:»تكييف العلاقة بين المختلفين فى الدين هو الحوار المهذب الطيب»،» وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ «هذا هو الإطار الأول، أما الإطار الثانى فهو إطار التعارف والتفاهم والتعاون والتأثير والتأثر» يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا «.

أما د.أمل القبيسى رئيسة المجلس الوطنى للإمارات فقالت:»إن التطرف والغلو قد أساء للإسلام إساءة كبيرة ودفع ضريبته المسلمون فى مناطق شتى من العالم».

أما الدكتور القس جيم وينكلر الأمين العام للمجلس الوطنى لكنائس الولايات المتحدة الأمريكية، فقد دعا فضيلة الإمام لزيارة أمريكا وأثنى عليه ورحب بجهوده فى إرساء السلام وقال:»إنه على قناعة بأنه لا يمكن أن يعيش العالم فى سلام حتى يتعلم المسيحيون والمسلمون واليهود العيش فى سلام واحترام, وأنه يشجع الكنائس الأمريكية المحلية على إقامة يوم أحد للاجئين وأن يرفض استخدام الإيمان المسيحى لصالح أغراض عنصرية ضد المسلمين».

أما القس الدكتور»أولاف فيكس»الأمين العام لمجلس الكنائس العالمى فقال: «إن مبدأ المواطنة يجب أن تكون المعيار الوحيد للتعبير عن كل المواطنين، لأنه يمنحهم أرضية مشتركة للتعايش فيما بينهم ويساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات».

أما الدكتور»سمير بودينار»المتحدث نيابة عن رئيس المجلس العلمى المحلى بالمغرب فقال:»المغالاة فى تأويل النصوص يعرض حياة الأبرياء للخطر».

أما الأب أرماند رئيس جامعة سان باسيانو الأسبانية فقال:»ليس من المقبول أن يمارس الإنسان العنف والقتل بحق أخيه الإنسان لمجرد اختلافه معه، ولا يجب أن يستخدم الإنسان النصوص المقدسة استخدامًا خاطئًا «.

أما د.الشريف حاتم العونى أستاذ الدعوة بجامعة أم القرى فقال:» الاستغلال الظالم للنصوص المقدسة إجرام فى الفهم والعمل، والأديان السماوية ونصوصها المقدسة بريئة من الدعوة للإرهاب والعدوان».

أما السفيرة «نبيلة مكرم عبيد»فقالت:»الأزهر يمثلنى يا فضيلة الإمام «وكأنها تكرر كلمة د.منى مكرم التى كانت تكررها دومًا أمام د.الطيب «الأزهر ليس ملكًا للمسلمين فحسب ولكنه ملك للمسيحيين أيضًا « وصدقت فالأزهر يمثل الحضارة الإنسانية التى جاء الإسلام وكل الأديان لإعزازها وإكرامها «.

أما وزير الأوقاف الصومالى فقال:» إن دائرة الفقر فى العالم بلغت بليون فردًا حيث يقل دخل الفرد سنويًا عن ٦٠٠ دولار.

أما الشيخ على الأمين عضو مجلس حكماء المسلمين فقال:»إن الحروب والنزاعات ومآسيها لم تكن بسبب الأديان، وإنما كانت بسبب طموحات الإنسان غير المشروعة للسلطة والسيطرة والنفوذ، وقد ظهرت هذه الحروب قبل المذاهب والأديان وبعدها».

وفى اليوم الثانى حضر البابا فرنسيس إلى مركز مؤتمرات الأزهر حيث عقد اللقاء التاريخى بين أرفع مؤسسة إسلامية عالمية وهى الأزهر، وأعلى مؤسسة كنسية عالمية وهى الفاتيكان، والأولى يمثلها شيخ الأزهر إمام السلام أحمد الطيب، والثانية يمثلها بابا السلام فرنسيس والذى يمثل أكبر حالة انفتاح مسيحى على الإسلام والعروبة بعد حالة الانسداد والانغلاق فى عهد سلفه بندكت السادس عشر، وكانت الكلمات دقيقة ومعبرة ومختارة بعناية وفيها من الثقة والقوة والتجديد ورغبات التعايش مالا تخطؤه البصيرة النافذة.

وقد شكر إمام السلام د.أحمد الطيب بابا السلام شاكرًا له على تلبية نداء الأزهر للمشاركة فى مؤتمره العالمى للسلام وقال الطيب:»هذا السلام الضائع الذى تبحث عنه شعوب وبلاد وبؤساء ومرضى وهائمون على وجوههم فى الصحراء وفارون من أوطانهم إلى أوطان أخرى نائية، لا يدرون أيبلغونها أم يحول الموت بينهم وبينها، فيتحولون إلى جثث ملقاة على شواطئ البحار».

وقال الطيب:»ومما يثير الإحباط أن تحدث هذه الأزمة فى القرن الحادى والعشرين قرين التحضر والرقى وحقوق الإنسان».

وقال:»فى اعتقادى أن الأرض أصبحت ممهدة لأن تأخذ الأديان دورها فى إبراز قيمة السلام وقيم المساواة والعدل واحترام الإنسان أيا كان دينه ولونه وعرقه ولغته «.

وحذر الطيب من أن تحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك، فليس الإسلام دين إرهاب بسبب أن طائفة من المؤمنين به سارعوا لاختطاف نصوصه وأولوها تأويلًا فاسدًا « وقال:»الأزهر والفاتيكان يمثلان رمزية كبرى لدى أتباع الإسلام والمسيحية فى العالم «.

أما البابا فرنسيس فقال كلمات رائعة تليق بمكانته الدينية منها:»عظمة أى أمة تتجلى فى الرعاية التى تكرسها للفئات الأكثر ضعفًا فى المجتمع، لا يمكن بناء الحضارة دون التبرؤ من أيديولوجية الشر والعنف، ومن كل تفسير متطرف يهدف إلى إلغاء الآخر وإبادة التنوع عن طريق التلاعب باسم الله القدوس».

وقال البابا:»التاريخ لن يغفر لهؤلاء الذين ينادون بالعدالة ويمارسون الظلم، ولا يغفر للذين يتحدثون عن المساواة ويقتلون المختلفين معهم أو الذين يعظون البسطاء ليسرقوا حقهم، أو يحولوهم إلى وقود فى حرب أو يحرموهم من الاختيار بحرية».

وفى الكنيسة الأرثوذكسية استقبل البابا تواضروس بابا الفاتيكان بحفاوة وردد القسس أجمل وصايا المسيح ومعظمها من موعظة الجبل ومنها «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون، طوبى لصانعى السلام».

حقًا طوبى لصانعى السلام فإنهم أكثر عباد الله رحمة وشفقة وتسامحًا وعفوًا، لقد جدد هذا المؤتمر الحافل الذى دشنه الأزهر وحضرته كوكبة عالمية من أصحاب الدين الإسلامى والمسيحي، ودشن حيوية الحضارة المصرية الغائبة منذ فترة طويلة، وأعاد للأذهان حيوية الأزهر وقوته الناعمة التى نسيها البعض وأراد البعض إهالة التراب عليه.

لقد نجح مؤتمر السلام وزيارة بابا الفاتيكان فى استخراج المشتركات والبحث عن طرق التعايش بعيدًا عن الصراع، والبحث فى مناطق مشتركة، ومثل رغبة قوية ودفينة وصادقة لدى جميع الأطراف لبداية جديدة مخلصة.

لم تكن الكلمات إنشائية روتينية، ولكنها كانت حية ونابضة وصادرة من عقول وقلوب تعى وتعيش معانى هذه الكلمات، فلم يكن المؤتمر مجرد كلمة، أو فرصة لالتقاط الصور وفى القلوب ما فيها، أو كانت مجرد لقاءات أرادها تجار السياسة الذين يلوثون كل وئام دينى أو مذهبى أو عرقى.

لقد أعاد المؤتمر لمصر حيويتها فى احتضان كل الأطياف وصهرها فى بوتقة حضارية رائعة، ففى مصر جاء الجميع وعاش الجميع وانصهر الجميع ووجد الجميع ضالته فيها مهما كانت قسوة الحياة، أو غلاء الأسعار أو تردى الاقتصاد فيها، فمصر فيها من الخير مالا يعلمه إلا الله، سلام على مصر السلام، وتحية لبابا السلام وإمام السلام، وكل صانعى السلام.