السبت 23 نوفمبر 2024

أخرى

دماء سطرت تاريخ الصمود والمقاومة

  • 25-1-2021 | 11:32
طباعة

25 يناير 1952 سيظل ذكرى للوطنية المصرية بكل تجلياتها، ويظل الاحتفال به احتفالاً بقيم التضحية والفداء و"الجدعنة" المصرية، وانتصاراً للعدالة والحرية والاستقلال وكل القيم النبيلة التى آمنت بها مصر وناضلت من أجلها، فلم يكن صمود جنود الشرطة المصريين فى الإسماعيلية أمام جحافل جنود الاحتلال، ودباباتهم ومدرعاتهم، رافضين الاستسلام ومصممين على المقاومة، مجرد وقفة اعتيادية لجنود أقسموا على حماية الوطن والزود عن أمن مواطنيه، بل كان معبراً عن حقيقة معدنهم الصلد والأصيل أيضاً، ولم يكن إلا تعبيراً عن ضمير مصر كلها وهى تقاوم الاحتلال وتطلب الاستقلال، وتضحى بأرواح أغلى أبنائها فى معركة الكرامة .

فالشهداء الذين سقطوا فى هذا اليوم كانوا يرسمون بالدم طريقاً جديداً يثأر للشهداء، ويحرر الوطن، ولم يكن رجال الشرطة البواسل فى ملحمة الإسماعيلية ليترددوا ولو للحظة واحده، عندما قرروا أن يمنحوا الوطن أرواحهم، فمصر تستحق، ولا يمكن لمحتل أو عدو أن يكسرها، أو تركع لأحد، إنها قمة التضحية من أجل كرامة مصر، ووقف الرجال مواقف العظماء لا ينحنون إلا لله، قاوموا بأسلحتهم الشخصية فى مواجهة أعتى الجيوش، صمد الرجال ببسالة منقطعة النظير فى مواجهة الدبابات والمدرعات والمجنزرات والمدافع، وسطروا بدمائهم الذكية ملحمة ستعيش مخلدة أبد الدهر يتناقلها جيل من بعد جيل، فكُتب الخلود لهم لأنهم نسوا أنفسهم، نسوا أهلهم وأبناءهم وأزواجهم وأحبابهم، ووضعوا صورة مصر أمامهم، فقط مصر واسمها وشرف العسكرية التى حملوا لوائها، والقسم على حماية الأرض والعرض، وحتى بعد أن نفدت ذخيرة الفرسان، لم يحققوا للعدو رغبته فى استسلامهم، فنالوا احترامه وتقديره وتحيته، وحظوا باحترام العالم، لذلك لم ينس التاريخ حكايتهم رغم مرور 69 عاماً على ملحمة الإسماعيلية، ومنحهم عيدًا خالداً يحتفل فيه المصريون بالساهرين على أمن الوطن والمواطن، وتخليداً لأرواح وذكرى هؤلاء البواسل تم إقرار هذا اليوم كالإجازة رسمية لأول مرة بقرار من الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك فى فبراير من عام 2009، باعتبار هذا اليوم إجازة رسمية للحكومة والقطاع العام المصرى، تقديرًا لجهود رجال الشرطة المصرية فى حفظ الأمن والأمان واستقرار الوطن، واعترافًا بتضحياتهم فى سبيل ذلك .

وها هى الذكرى الـ 69 تحل علينا وما زالت العقيدة الشرطية لم تتغير، مازالت تردد ترانيم التضحية والفداء والبذل والعطاء من أجل مصر، ما زال الرجال ساهرين على أمن الوطن والمواطن، ومازالوا يواجهون الموت والأخطار فى كل لحظة من يومهم وهم يتصدون بفدائية لمجرمين وإرهابيين وأعداء للوطن فى مواقع ومجالات متنوعه ومتعددة، ما زالوا يقتلعون بدئب جذور الخوف والفزع، لنشر ثمار الأمن والأمان والاستقرار، وتقديم العديد من الملاحم والبطولات والمواقف المشرفة للوطن.

ونذكّر أنفسنا بتفاصيل تلك البطولة التى يجب أن لا نتوقف عن روايتها وتعليمها لأبنائنا جيل بعد جيل، هذا التريخ إلى مثلت فيه معركة الإسماعيلية إحدى فصول النضال الوطنى الذى ثار كالبركان إثر إلغاء معاهدة‏ 1936‏ التى كانت قد فرضت على مصر أن تتخذ من المحتل وليا لها، ليُفرض عليها عبء الدفاع عن مصالح بريطانيا، وتعانى غارات الجيش المحتل التى هدمت الموانئ وهجرت المدن .

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حتى ثارت الحركة الوطنية مطالبة بإلغاء المعاهدة وتحقيق الاستقلال، وما كان من حكومة الوفد إلا أن استجابت لهذا المطلب الشعبى‏،‏ وفى الثامن من أكتوبر ‏1951‏ أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس إلغاء المعاهدة أمام مجلس النواب .

وفى غضون أيام قليلة نهض شباب مصر إلى منطقة القناة لضرب المعسكرات البريطانية فى مدن القناة،‏ ودارت معارك ساخنة بين الفدائيين وبين جيوش الاحتلال، وفى الوقت الذى ترك أكثر من 91572 عاملاً مصرياً معسكرات البريطانيين للمساهمة فى حركة الكفاح الوطنى، كما امتنع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية، الأمر الذى أزعج حكومة لندن فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، ولم يعبأ الشباب بهذه التهديدات ومضوا فى خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربى البريطانى واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة‏.‏

وشهدت المعركة تحالف قوات الشرطة مع أهالى القناة‏،‏ وأدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة ‏،‏ فعملوا على تفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أى غطاء أمني‏،‏ ورفضت قوات الشرطة تسليم المحافظة، رغم أن أسلحتهم وتدريبهم لا يسمح لهم بمواجهة جيوش مسلحة بالمدافع‏.‏

وفى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 قام القائد البريطانى بمنطقة القناة (البريجادير أكسهام) واستدعى ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذاراً لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة، وما كان من المحافظة إلا أن ترفض الإنذار البريطانى وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، فاشتد غضب القائد البريطانى فى القناة وأفقده قرار الرفض أعصابه، فأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية وأطلق البريطانيون نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، فى الوقت التى لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع .

وحاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات والذى كان يدافع عنهما 850 جنديا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التى دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت، حتى سقط منهم خمسون شهيدًا، والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم، سقط الرجال بين قتيل وجريح بينما نهض العالم كله ليشيد ببطولتهم التى جعلتهم حديث العالم كله، بل ومضرب الأمثال فى الفداء والوطنية وبذل الروح فى سبيل استقلال وحماية الوطن.

وختاماً أقول لرجال الأمن المصرى البواسل: إن الطريق لم ينته بعد، فمازالت أمامنا تحديات صعبة، لعل أخطرها محاولات جماعات الظلام والشر إعاقة هذا الطريق الذى مشيناه وحققنا فيه نجاحات وإنجازات أقرب إلى المعجزات، تلك الجماعات التى تسعى إلى نشر الإرهاب وترويع مجتمعنا الآمن، متوهمين بأنهم قادرون على تخويف المصريين، او حتى تعطيل أو إعاقة مسيرة تنميتها المنشودة، إلا أنهم لا يدركون حقاً مدى قوة وصلابة معدن هذا الشعب، وأبنائه من شعب وشرطة وجيش، فكلهم جنود بواسل فى معركة تنمية وحماية وبناء مجد هذا الوطن.

    الاكثر قراءة