تقرير : إيمان النجار
واقعة القبض على مستشار وزير المالية للضرائب العقارية لتقاضيه مليون جنيه رشوة من أصل ٤ ملايين جنيه، مقابل التلاعب في تقدير قيمة أرض قرية سياحية، أعادت إلى الأذهان واقعة القبض على أحمد عزيز مستشار وزير الصحة الحالى، الدكتور أحمد عماد الدين بتهمة الرشوة أيضا، وبنفس القيمة المادية للرشوة وهى أربعة ملايين جنيه.
تورط بعض المستشارين فى قضايا «رشوة» بات مسألة متكررة، الأمر الذي فسره البعض بأن السبب فيه يرجع إلى تزايد ظاهرة الاستعانة بالمستشارين في السنوات الأخيرة دون وضع آليات واضحة للاختيار وبصلاحيات تنفيذية كبيرة على عكس دور المستشار القائم على المشورة والمتابعة، والتعامل مع المنصب، كونه مكافأة تُمنح لذوى القربى لأهل الخبرة والكفاءة، وكشف هذا التورط يعد تصعيدا لمعركة الفساد دون الوقف عند سقف معين.
مشهد لن يغيب عن الأذهان سريعا - وإن كان قد غاب على مستشار وزير المالية لأنه لم يتعظ - ففي ٢٩ مايو الماضي ٢٠ سيارة كانت تحاصر وزارة الصحة، نزل منها فريق من هيئة الرقابة الإدارية لإلقاء القبض على د. أحمد عزيز، مستشار وزير الصحة والسكان لشئون أمانة المراكز الطبية المتخصصة- وقتها- متلبسا بتقاضي رشوة مالية بقيمة ٤ ملايين جنيه فى صورة شيكات من إحدى شركات الأجهزة والمستلزمات الطبية بمقر وزارة الصحة والسكان.
الساعات التالية لعملية القبض على المستشار السابق لوزير الصحة، كشفت أن الأمر بدأ عقب ورود معلومات تفيد طلبه من إحدى الشركات الخاصة مبلغ ٤ ملايين جنيه على سبيل الرشوة مقابل إسناد أعمال توريد وتركيب وتشغيل ١٢ غرفة زرع نخاع بمستشفى معهد ناصر، التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، وتم تحرير محضر بالواقعة، واستصدار إذن نيابة أمن الدولة العليا حيث تم ضبط الشيكات المحررة بمبلغ مليونى جنيه كمقدم الرشوة وكذا ضبط أصل أمر الإسناد بمقر عمل مستشار الوزير بديوان الوزارة .
المستشار المرتشى، لم يكن من أبناء الوزارة، حيث إنه كان ضمن مجموعة مستشارين استقدمهم وزير الصحة الحالى، ورغم ذلك وبعد الواقعة مباشرة تنصل وزير الصحة من مسئوليته السياسية عن اختياره له حيث أكد الدكتور أحمد عماد الدين راضى وزير الصحة والسكان، أنه يقف بكل قوة ضد كل أشكال الفساد، منذ أن تولى منصب وزير الصحة والسكان، مشددا - فى الوقت ذاته- على أنه لا تستر على فاسد، حتى وإن كان من قيادات الوزارة ومهما كان منصبة معتبرا تلك الواقعة حلقة من حلقات الفساد التي تم القضاء عليها بالتعاون مع أجهزة الدولة الرقابية.
في النصف الأول من الشهر الجاري أحال المستشار نبيل صادق النائب العام أحمد عزيز مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، وأيمن عبد الحكم إسماعيل موظف بمستشفى عين شمس الجامعي إلى محكمة جنايات القاهرة لاتهامه بالتوسط وطلب رشوة ٤ ملايين جنيه مقابل إسناد توريد ١٢ غرفة زرع نخاع لإحدى الشركات من الباطن لتوريدها لمعهد ناصر ، وحصل على شيكات بمبلغ مليوني جنيه مقابل إصدراه أمر الإسناد ، ولم تكد تنته القضية لتطل علينا واقعة فساد مستشار وزير المالية.
القراءة المتأنية لواقعة الفساد في وقائع وزارة الصحة المتهم فيها مستشار وزير الصحة ومقارنتها بوقائع فساد أخرى تظهر أنه في أغلب الأحيان يرتبط بأمرين ، الأول يرتبط بإجراءات «ترسية « التوريدات والمناقصات والإسناد المباشر وما يتخللها من مخالفات، وهذا النوع هو الأكثر شيوعا لطبيعة عمل الوزارة والاعتماد علي توريدات سواء لأجهزة أو أدوية أو تعاقدات مع مراكز أشعة وتحاليل ومستشفيات.
أما الأمر الثانى يرتبط في بعض الحالات - ومنها الحالة الأخيرة - بفساد إداري بمعنى منح الوزير صلاحيات كبيرة لمستشاريه، ففي الواقعة قيد التحقيق، مستشار وزير الصحة ليس من أبناء الوزارة، لكنه أحد المستشارين الذين استقدمهم واستحدث لهم مناصب داخل الوزارة، وأوكل له بصلاحيات كثيرة الأمر وصفه البعض بفساد إداري ، وعلى وزير الصحة تحمل مسئولية اختياره واعتبروا حدوث واقعة مثل هذه في دولة متقدمة كانت ستطيح بالوزير .
د. ولاء جاد الكريم، رئيس مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، من جهته عقب على هذه الوقائع بقوله: الوقوف عند ملف المستشارين أمر في غاية الأهمية خاصة بعد تعدد وقائع فسادهم، فمن قبل كانت واقعة مستشار وزير الزراعة ثم مستشار وزير الصحة منذ عدة أشهر، ومؤخرا مستشار وزير المالية، وتكرار حالات التورط يضىء لمبة حمراء ويطرح تساؤلا.. ماذا يجري ؟ ، والإجابة ترتبط بوجود مشكلة حقيقية في اختيار المستشارين، فعلى سبيل المثال جاء وزير الصحة بعدد من المستشارين وتم ضبط أحدهم لطلبه رشوة قدرها أربعة ملايين جنيه، و أغلبهم إن لم يكن جميعهم من زملائه بجامعة عين شمس، إذن الاختيار كما يتضح في مستشاري الوزراء عموما يكون لاعتبارات شخصية بحتة كنوع من المجاملات لأصدقاء وأقارب وزملاء، وليس وفق قواعد مهنية واضحة، وفي كثير من الحالات يكون الشخص « المستشار « في حد ذاته ليس فاسدا، لكن أن يجد نفسه فجأة في موقع المتحكم والمشارك في صنع القرار يجعله عرضه للإفساد والإغواء، فآلية الاختيار المتبعة بالضرورة لن تنجب سوى مسئول فاسد وهذا أصبح يتكرر في أكثر من وزارة.
«عبد الكريم» تابع قائلا: ويختلف الأمر بحسب طبيعة العمل، ومنذ واقعة مستشار وزير الصحة والوزير نفسه توجد علامات استفهام حوله في اختياراته لمساعديه وكبار الموظفين، كما أن الفساد الإداري في النهاية ينتهي بفساد مالي حيث يستفيد شخص أو جهة أو شركة أو فرد معين فالقرار الإداري له مردود مالي، بجانب أن الفساد في الصحة يأخذ صورا متعددة ويرتبط في أغلب الأحيان بالمناقصات والتعاقدات والتوريدات للأجهزة أو الأدوية أو المستلزمات الطبية وهذا ما حدث في واقعة رشوة مستشار وزير الصحة، نضيف إلى ذلك أن وزارة الصحة دائما من يتولاها من التكنوقراط، فنجد أستاذا أكاديميا يجد نفسه فجأة تحت رحمة منظومة فساد لا يقوى عليها وترتب على ذلك إما أن يقع ضحية للفساد أو أن يشارك فيه أو لا يستطيع السيطرة عليه «.
تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .