بعد رحيل الدكتورة نوال السعداوي؛ تسابق جمع غفير من العامة بقيادة وتوجيه غلاة المتشددين، يشمتون في موتها ويؤكدون أن مكانها في الآخرة هي جهنم ويتخيلون ما ستلاقيه من عذاب القبر، باعتبارها كانت تروج للإلحاد في أفكارها التي حاكموها بدون قراءة كاملة لفكرها، ثم رُميَت بالكُفر باطلاع سطحي ومُجتزأ على كتاباتها.
ولا يختلف الأمر عن سيدة دار السلام التي أقام عليها جيرانها الحدّ باقتحام شقتها مُتهمين إياها بالزنا بناء علي تكهنات تقوم على مبدأ التفتيش في النوايا والتنقيب في الضمائر، فكل فرد تراه وكأنه نصّب نفسه إله وألصق تهمة الكُفر بغيره من باب الأفضلّية والغيرة على الدين لنصرته، وهذا سلوك غريب على الشعب المصري المتسامح.
وتلك النماذج لا تعبر عن السواد الأعظم إنما هم قلة لكنها تحدث ضجيجا عالياً، واقعياً بدأت على استحياء مع ظهور حسن البنا عام 1928 وتدشينه لجماعة الإخوان المسلمين بخلق مبدأ الوصاية من خلال فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الرغم من اتباعه منهج التقيّة والمواربة في تكفير المجتمع والحُكم على الأفراد إلا أن تلاميذه كانوا أدوات فاعلة لتنفيذ حدوده التي سنّها في الخفاء.
وجاء من بعده سيد قطب وكان أكثر فجوراً في لعن المجتمع وتوزيع صكوك الجنة والنار على أفراده بزعم الوصاية على الأمة وهدايتها من الضلال بل لم يبقَ شيء من مشاهد الحياة لم يكفّره وكان حاسماً سافراً في طرح ما يراه حلاً، ولم يُعدَم فكر قطب مع إعدامه عام 1966 بل ظل فكراً خامداً حتى جاءت المُجاهرة به في سبعينيات القرن الماضي مع ظهور دُعاة مشبعين بتلك الأفكار الهجين المشوشة والدخيلة علي سماحة الإسلام ، فلم يتورعوا عن تكفير الأفراد بل استباحوا لأنفسهم ألفاظاً نابية من على منابر المساجد للتشهير بالبعض بدعوى هدى الأمة للصراط المستقيم، وكان دكتور نصر أبوزيد الأتعس حظا بما لاقاه من دعاوى التكفير والردّة ودعاوى الحسبة للتفريق بينه وبين زوجته كمرتد.
وتم تصفية د.فرج فودة جسدياً بفتوى من عمر عبد الرحمن مُفتي الجماعة الإسلامية نفذها تكفيري يجهل القراءة والكتابة؛ فالتكفير سلوك استعلائي نرجسي مقروناً بادعاءات التدين، ووجهه الآخر والحتمي هو شخصية "سيكوباتية" تحمل قدرا كبيرا من العدوانية تدفعها رغبة شديدة في تتّبع عورات الناس والتشفي في المصائر بأفق كاشف لقلة العلم وانحسار الفهم في ظواهر النصوص الحرفية التي يتم الاستناد عليها فكما يقال أن "من كَثُر علمه قل إعتراضه ".
وما أجج هذا الفكر والتعصب المقيت، هو اعتلاء الكثير من الشيوخ غير المؤهلين للمنابر في فترة وصول الإخوان للحكم، نضف إليها غياب التربية الصحيحة للدين الوسطى منذ الصغر في محيط المدرسة؛ فالظواهر هي التي يُعتَد بها أما البواطن فتتُرَك بفسادها، فيبدأ السلوك بتنمر منذ الطفولة وينمو لمرحلة التكفير والحُكم على الناس عند الكبر.
ولا يتذكر أحد وصايا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والنهى عن رمى المسلمين الموحدين بالله بالكفر، بل إن أغلب الصحابة والتابعين وأهل الفقه والعلم كانوا أكثر الناس إمساكاً لألسنتهم، وامتنعوا عن الخوض في الأعراض حتى وإن توفر الدليل، وسواء كان الحُكم على الآخر بمصيره في الآخرة من باب المواربة أو جهاراً، فلابد من وقفة مع سلوك مؤذى طال عقلية المتعلم والجاهل ووحد بينهما في الفكر، لابد تفعيل تجديد الخطاب الديني الذي ظل لسنوات طوال بسبب بعض خطبائه يحُض على الكراهية والتناحر، فمن ثم لابد من تدريس مادة الأخلاق في المدارس لتعديل المفاهيم الخاطئة، ووضع أُسس إنسانية قبل الدينية ولابد من محاسبة قانونية بأحكام رادعة لكل متطاول أو جاهل أو سبّاب؛ فادعاء الأفضلية من وصاة الدين والأخلاق أمر ذميم، فما هم إلا تُجار دين حاملين صكوك الجنة في أسواقهم يمّنوا بها على أكبر قدر من مُريديهم ضُعاف النفوس وفقراء العلم والبصيرة.