الثلاثاء 30 ابريل 2024

رحلة الحياة قصيرة

مقالات9-4-2021 | 11:35

يقول داود النبي في المزمور: "علّمنا يا رب أن نُحصي أيامنا فتبلغ الحكمة قلوبنا" (مزمور89: 12).

 مما لا شك فيه أن الموت يطل على الإنسان في أي لحظة ولكل شخص دون تمييز، نحن نسمع ونقرأ ونشاهد مئات الآلاف الذين يموتون كل يوم، فما يمنع أن نكون من جملتهم غداً أو بعد غد؟ ليس الهدف من هذه الأفكار أن تقلقنا أو تخيفنا، بل لتذكّرنا بأن هذه اللحظة حتمية، لذا يجب علينا أن نُحسن استثمارها من أجل الخير، وأن نعيش هذه الحياة دون أن نتجاهل الآخرة.

 اشتهرت بلاد الصين بزراعة الأرز واستهلاكه، لأنه المادة الغذائية الأهم عندهم؛ فهو كالخبز بالنسبة لنا.. فإذا أرادوا أن يستفسروا عن صحة أي شخص، لا يسألونه: "كيف حالك؟" بل يقولون له: "هل أكلت أرزك؟" وذات يوم سأل أحد السائحين شاباً صينياً: "لماذا خلقنا الله؟" فأجاب: "حتى نأكل الأرز!".

 كم عدد هؤلاء الذين يشبهون هذا الصيني، لا يفهمون للحياة هدفاً غير الأكل والشرب، فيحصرون همّهم في توفيرهما فقط، دون السعي وراء أي هدف آخر! من العجيب أننا نتحدث عن موت الآخرين، ولكن نتجنب بكل الطرق التفكير في ساعة موتنا، ولكن هذه اللحظة التي نتجاهلها أو نعتبرها بعيدة المنال، من الممكن أن تكون أقرب مما نتخيّل، لكن الحكيم هو الذي يفكر دائماً في ساعة النهاية لأنها تمنحه درساً هاماً في هذه الحياة ومعناها والهدف منها.

 وكما نقرأ في سفر يشوع بن سيراخ: "في جميع أعمالِك أُذكر أواخِركَ فلن تخطأ أبداً" (7: 36). فالإنسان على الأرض، لا ليكتفي بالأكل والشرب فقط، ولكنه في هذه الحياة ليعيش بروحه وقلبه ويقدّم أفضل ما عنده من أجل خير الآخرين، ثم ينال عنه ما يستحق من الله.

 كم من البشر الذين يفنون العمر في الركض وراء أباطيل الحياة غير مهتمّين بالله الذي خلقهم ليعبدوه، وأحبهم مانحاً إياهم بركاته ونعمه، كما أنهم لا يكترثون بالإنسان الذي جعله الله على طريقهم ليحبّوه ويعطفوا عليه، ويستغنون عن الله بمشاغل الدنيا، وتقسوا قلوبهم على الناس، ومتى جاءت ساعة الموت، تنفتح عيونهم، ويكتشفوا أنهم كانوا في وهمٍ، ولكن بعد فوات الأوان، ويدركون أنهم كانوا على ضلال.. كانوا يعلّمون الإنسان في الماضي أن يطلب من الله أن يمنحه موتاً صالحاً، أما اليوم جميعنا يتجنب الحديث عن الموت سواء من بعيد أو قريب، وأصبح الموت ونهاية الإنسان رُعباً يطارده.

لكن يجب على كل واحدٍ منّا أن يرى في الموت نهاية للشقاء الأرضي، وسعادة وراحة أبدية ومكافأة لأعمالنا الحسنة، وبداية حياة أفضل ورجاء اللقاء، وحضور الله الذي يُعيد لنا المحبة المفقودة على هذه الأرض.

الأبرار والقديسون والصالحون فقط هم الذين ينظرون إلى الموت نظرة الحُب والإيمان والحنين، كما أنهم ينتظرون هذه اللحظة في كل حين.

 ويحثنا السيد المسيح قائلاً: "ماذا ينفعُ الإنسانُ لو رَبحَ العالَم كلّه وخِسرَ نفسه؟ وماذا يُعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟ (متى 16: 26).. ولذلك يجب أن نعرف جيداً أن الله خلقنا لكي نعرفه ونحبّه ونمجّده بحياتنا وبأعمالنا الحسنة، وأن لنا نفساً يجب أن نعمل على تقديسها وخلاصها.. ولن نتوصل إلى شيء من هذا إلا إذا وضعنا أمام عيوننا كل يوم أننا راحلون، وأننا لن نأخذ معنا سوى ما عملناه من صلاح.

 ليس المطلوب منّا أن نزهد في الحياة وخيراتها؛ بل أن نحسن استعمالها بحيث تعود بالنفع علينا وعلى الآخرين.. لكن يُحَرّم التعبّد لها إلى درجة ينسى معها الإنسان الله الذي خلقه، وغاية وجوده على الأرض.

 وكما يقول المثل: "إن حزناً في ساعة الموت، أضعاف سرور في طيلة الأعوام".. لذلك إذا لازمتنا فكرة الموت، لما خسرنا شيئاً، لأنها من شأنها أن تجعلنا نسعى للخير، وننتبه عند استعمال الوقت، ونتحاشى ما يهين الله، ونتجرد عن الأرض وأباطيلها، حتى لا نصبح عبيداً للماديات والمال.

 إذاً، لا ننسى أن رحلتنا  في هذه الدنيا قصيرة جداً مهما طالت، والحكيم مَنْ يعرف كيف يقضيها في أعمال الخير والبر ومخافة الله، لأنه خلقنا ليس لكي نحصر اهتمامنا في الأرض فقط، إذ لسنا إلا مسافرين نحو الأبدية، بل خلقنا قبل كل شيء لنحبّه ونحسن خدمته في الآخرين، فنفوز بالحياة الخالدة. ونختم بالقول المأثور: "اعمل لدُنياك كما لو كنتَ تعيش مخلّداً؛ واعمل لآخرتك كما لو كنتَ تموت غداً!".    

 

Dr.Randa
Dr.Radwa