قالت الأديبة آية عبد الرحمن فى حوار خاص "للهلال اليوم” قبل أيام من حفل توقيع أحدث إصدارتها رواية "تسوباسا" إن الوعي هو الثقافة، وهو نتاج ما تكتسبه من معرفة بالعالم وقدرة على التفاعل معها، واستنباط فلسفتك الخاصة في النظر للأمور، لهذا أرى أن الثقافة يجب أن تكون متسعة وشاملة لكل الأفكار ووجهات النظر .. وإلى تفاصيل الحوار:
فى البداية حدثينا عن تجربتك الأدبية؟
بدأت تجربتي الأدبية في سنٍ صغيرة للغاية، لديّ قصص قصيرة كتبتها في المرحلة الابتدائية، وروايات مليئة بالمغامرات والأكشن ترجمت نظرتي للحياة في سن المراهقة، لكن البداية الحقيقية كانت على الإنترنت عام 2008 عندما قدمت أعمال أدبية مختلفة في أحد المنتديات، وحققت نجاحًا كبيرًا. هذا المشوار القصير جعلني أدرك أني كاتبة حقيقية، لا طفلة تتخيل موهبتها.
بدأت أعمل على نفسي لاكتساب أكبر قدر من المهارة في الكتابة، أجدت اللغة العربية ودرست النحو والبلاغة، وتوسعت في القراءة الأدبية، وفي أوائل 2012 أنهيت أولى رواياتي "أيام برائحة عطرك"، وباءت محاولاتي لنشرها بفشلٍ ذريع، حتى أرسلتها صديقتي رغمًا عني لجائزة الشارقة للإبداع العربي، فحصلت على المركز الأول.
ما بين عاميّ 2012 و2015 عملت على روايتي الثانية "تسوباسا"، التي صدرت مؤخرًا، وبعد الانتهاء منها اقتحمت عالم القصص القصيرة، ولدي مجموعة قصصية "كل ما فيه أسود"، ومجموعة أخرى قيد الكتابة.
كيف تنظرين للأعمال الأدبية الشبابية فى مصر ؟
في السنوات الماضية عانينا من مدٍ كاسح لسخافات الكتابة، وغرقت السوق المصرية في رديء الأعمال بشكل مخزٍ، ورغم ما يثيره المشهد من غضبٍ فإننا نعرف حقيقة راسخة: التاريخ يفزر، ويميز بين الغث والثمين.
ورغم أن ظاهرة الكتابات الرديئة مستمرة بعد، فإننا لن نغفل أن لدينا كتابًا مبدعين وعباقرة جديرين بالعالمية، أدباء حقيقيون مخلصون يعملون في دأب دون جعجعة الفولورز، وصخب من احترفوا "موضة الكتابة" لتقودهم إلى الأضواء والمعجبين.
ما هى الصعوبات التى تواجه شباب الكتاب؟
أستطيع أن أرصد ثلاث صعوبات أساسية تواجه شباب الكُتَّاب، أولها غياب المرشد، وثانيها صعوبة النشر، وثالثها غياب النقد.
في النقطة الأولى يفتقد الكاتب الموهوب صغير السن من يرشده إلى عوالم الكتابة الاحترافية، ويضع يده على المفاهيم الأولية والأساسية للفن الأدبي الذي يهتم بخوضه، من قصة أو رواية أو مسرحية إلخ، وبالتالي نجد كُتاب قصة قصيرة لا يفهمون ماهية التكثيف أو نقطة التنوير، ونجد كُتاب رواية يخلطون بين التيمة والحبكة، ولا يسيطرون على شخصياتهم ويتيهون في بناء عوالمهم، ويضيع المنطق فيما يرسمون بين السطور، لأن حصيلتهم المعرفية عن الكتابة هي "اختراع" الشخصيات لا خلقها، و"اختلاق" الذروة لا "حبكها".. إلخ.
أغلب الموهوبين يعمدون إلى القراءة بكثرة ليمتلكوا أدواتهم الكتابية، ولكن شتَّان ما بين القراءة وأنت تعرف أدواتك وترى كيف وظفها العظماء في أعمالهم، وبين أن تقرأ وأنت تسعى لاستنباط هذه الأدوات، والتي يختلف استخدامها وتوظيفها وتطويعها من كاتب لآخر. لو توافر للشباب مُرشد ومعلم لاستغلوا وقتًا أكبر في المران الكتابي، ولتعاظمت موهبتهم إلى حدود غير عادية.
بالنسبة إلى نقطة صعوبة النشر، لقد خضنا هذا الحديث ألف مرة: أكثر دور النشر تبحث عن الكاتب المشهور أصلًا لأجل مبيعات مضمونة ومرتفعة، وتتبنى الأعمال الرديئة من منظور تجاري بحت لأن "السوق عايز كده"، لكن الموهوبين الحقيقيين ذوي المشاريع المتماسكة تغلق في وجوههم الأبواب. دور النشر الكبيرة لا تعرهم اهتمامًا، وإذا فعلت فهي تستغلهم بعقود مجحفة، ودور النشر المتوسطة لا تهتم بهم لأنها تبحث عن الرائج أكثر، ودور نشر "بير السلم" ترحب بهم مقابل أن يتحملوا تكاليف الطباعة، لكن أكثر المبدعين لا يقابلون التعامل مع هذه الدور من الأساس، لسوء سمعتها وإعراض القارئ المتمرس عنها، كما لا يقبلون دفع ثمن نشر كتاباتهم.
أمَّا غياب النقد فهو مشكلة قائمة بذاتها في مصر، عدد النقاد قليل جدًّا، وعدد الكُتَّاب كثيرٌ جدًّا، وكثير من الأعمال لا تجد من ينتقدها ويمنح كاتبها روشتة بنقاط قوته وضعفه، والنقد مهم للكاتب بقدر أهمية فنيات الكتابة وأدواتها، النقد يريه لا يمكن أن يراه بنفسه فيما يكتب، ويجعله كاتبًا أفضل.
وماذا عن أحدث الأعمال الأدبية ؟
أحدث أعمالي الأدبية هي رواية "تسوباسا"، الصادرة عن دار زين للنشر والتوزيع، وتدور أحداثها حول عازف جيتار ياباني أغوته الشهرة فغرق فيها، حتى يفيق بحادث انتحار زوجته ثم مقتل صديقه المقرب، الأمر الذي يقوده لاكتئاب حاد تحاول إنقاذه منه (سايا)، صديقته المقربة وقائدة فريق (تسوباسا) الموسيقي الأشهر في اليابان.
تناقش الرواية تيمة الطموح على محورين، أولهما تاكومي الذي خاض الطريق حتى آخره ورأى أسوأ ما يقدر عليه، و(سايا) التي تعتبر انعكاسًا من ماضيه، فهي طموح إلى المجد والنجاح الكامل لدرجة تفقدها آدميتها، غير أن الموازين تنقلب سريعًا، وتتدخل المشاعر البشرية فتقود الجميع لاستكشاف أسوأ ما في أنفسهم، وأسوأ ما في حياتهم تحت الأضواء.
تستلهم "تسوباسا" حياة مطربي الفيجوال كيه روك الياباني، وهو نوع من الموسيقى تطور مع مدرسة الروك الأمريكية ثم استقل بقواعده وانطلق في اليابان فقط. ويعيش مطربو الفيجوال كيه روك اليابانيون في أجواء من الشهرة غير العادية، ويعانون من مطاردة معجباتهم بشكل دمر حياة كثير منهم، وأفقدهم أحبائهم وأقاربهم وزوجاتهم، وحياتهم نفسها في كثير من الأحيان.
من وجهة نظرك كيف ترى دور الثقافة فى تشكيل الوعى ؟
أرى أن الوعي هو الثقافة، الوعي هو نتاج ما تكتسبه من معرفة بالعالم وقدرة على التفاعل معها، واستنباط فلسفتك الخاصة في النظر للأمور، لهذا أرى أن الثقافة يجب أن تكون متسعة وشاملة لكل الأفكار ووجهات النظر، ومعبرة عن جميع العقليات دون إقصاء أو سيطرة على الأقلام. القارئ يجب أن يتعرض لكل شيء، وهو عاقل كفاية لينتقي ما يتفق وشخصيته.
كيف أثرت التكنولوجيا الحديثة على الأعمال الادبية المطبوعة؟
التأثير الأهم هو انتشار الكتاب الإلكتروني، ولا أراها مشكلة ذات بال إذا استغللناها جيدًا، ووفرنا نسخة إلكترونية رسمية من كل كتاب، تحفظ حق الناشر والكاتب في الربح، وتقدم للقارئ ما يحب.
من وجهة نظرك حركة النقد المصرية للاعمال الادبية ايجابية ام سلبية ؟
حركة النقد غير ملحوظة مقارنة بعدد الأعمال الهائل، ونحن بحاجة إلى نقاد أكثر ليستطيعوا مواكبة الزيادة المطردة في الأعمال الأدبية سنويًّا. أكرر: النقد أداة كتابية مهمة ليست بيد الكاتب، وهو يحتاج إليها ليقف على نقاط قوته وضعفه ويزداد مهارة. آراء أصدقائنا الكُتَّاب لا تكفي، الأصدقاء يشبهوننا غالبًا، ومن يشبهنا سيتماهى تمامًا مع ما نكتبه، ويستعصى عليه إدراك ما يدركه الناقد المدقق الواعي.
كيف ندعم الحركة الأدبية المصرية للوصول العالمية؟
بدعم حركة الترجمة من العربية إلى غيرها من اللغات، وهو ما يقتضي مساندة الدولة لهذا المشروع، ودعمه ماديًّا وإعلاميًّا، وإعداد المترجمين المقتدرين وخلق قنوات للنشر والتوزيع بالخارج.
مشروع "أصوات" يقدم تجربة رائدة في ترجمة الأدب العربي للقارئ الأجنبي، ويحقق قراءات مُبشرة في العديد من الدول الأجنبية، وإذا توافر له مزيد من الدعم ستكون نقلة كبيرة جدًّا لثقافتنا.
ما هى تطلعتك فى الفترة القادمة بالنسبة للأعمال ؟
أعمل على إخراج مجموعتي القصصية الأولى للنور، وأوشك على الانتهاء من مجموعتي الثانية، كما أخوض غمار الرواية للمرة الثالثة مع "سمية".