يعتقد كثيرون أن العمل الذي تقوم به فرق «كبار وصغار بلا مأوي» هين وبسيط، حيث أن كل ما عليهم هو إيجاد حالة بلا مأوي ىإتباع إجراءات إرسالها إلى دور الرعاية المخصصة لها، أو تلبية احتياجاتها من مأكل ومشرب، وإلى هذا الحد ينتهي عملهم كما يعتقد البعض.
إلا أن الواقع الذي عايشته «دار الهلال» مع فرقة غرب القاهرة المتنقلة، لمعرفة كيف يسير عملهم منذ تجمعهم في الصبح الباكر، حتى انتهاء عملهم، تؤكد أن عمل تلك الفرق المتنقلة الموجودة على مستوى الجمهورية ليس بالبساطة التي يجدها الكثير من الناس.
فمنذ أن تقابلنا بالساعة العاشرة من صباح يوم أمس الاثنين، لم يتوقف العمل في مساعدة المحتاجين من المواطنين الذين بلا مأوي، فقد تعرضوا إلى الكثير من الحالات التي تحتاج إلى مساعدة حقيقة، من بينها من يحتاج إلى وقف إدمانه، أو من طرد من بيته فلم يجد مأوى له سوى الشارع، أو طفل مشرد يخافون عليه من قسوة الشارع فتبدأ عملية البحث عن أهله من خلال كسب الثقة، ومن ثم إعادته إلى أهله أو إيداعه في دار للرعاية الاجتماعية.
جولة الهلال اليوم مع فرق «كبار وصغار بلا مأوي»
وخلال الجولة التي قامت بها «دار الهلال» مع الفرقة المتنقلة لبرنامج «كبار وصغار بلا مأوي»، قال هشام طه عبد الحليم منسق حدة «غرب القاهرة 1»، إن وحدته تغطي منطقة وسط البلد "التحرير والعتبة وباب الشعرية"، وكذلك منطقة الحسين والمقطم، ومنشية ناصر، والدويقة، ومنطقة السيدة عائشة والمنيل، والسيدة زينب وزينهم.
وأوضح عبد الحليم، أن محافظات محددة موجودة بها الأطفال بشكل أكثر كثافة، وطبقًا للإحصائية فإن المحافظات هي: القاهرة والجيزة إسكندرية، الشرقية ، المنوفية، بني سويف المنيا أسيوط، السويس، موضحًا أن الوحدات بدأت عملها في 2017 ،على تلك المحافظات، إلا أن بعد ذلك ظهرت محافظات أخرى بها أطفال كثيرة بلا مأوي، مما جعل الوحدات تعمل على أكثر من محافظة، مثل وحدات بني سويف التي ضمت لها الفيوم، والسويس معها محافظة بورسعيد، والمنوفية معها الغربية، حيث تنزل الوحدة لمدة ثلاثة أيام في كل محافظة.
وأكد خلال الجولة، أن الفريق الموجود بالوحدة، مدرب على مستوي عال، حتى يتمكن من اكتشاف البؤر التي يتواجد بها الأطفال والكبار، مثل الأماكن التي بها أضرحة مثل مسجد السيدة زينب، وسيدي علي، والسيدة عائشة، والحسني، موضحًا أنهم يتجمعون في تلك المناطق بسبب تعاطف الواردين على تلك الأماكن.
مكونات وحدة «كبار وصغار بلا مأوي»
وتابع المنسق حديثه، بمكونات الوحدة، حيث أشار إلى أنها مكونة من سائق، ومسعف، ىأخصائي نفسي، وأخصائي نشاط، وأخصائي اجتماعي، ومنسق الوحدة، موضحًا أن كل فرد منهم له دور مهم، وبالنهاية يعملون كفريق واحد.
وأكد أن أخصائي النشاط له دور مهم بالوحدة، حيث أنه الوسيلة التي تجعل الأطفال تنجذب للوحدة، وتفتح بابًا للحديث معهم من خلال اللعب والأنشطة، موضحًا أن باقي الأخصائيين يلاحظون تفاعل الأطفال، ليحللوا ما إذا كان الطفل لدية عنف، أو مشكلة نفسية، ومن خلال تلك الملاحظة يتم عمل جلسات فردية للأطفال، والتعرف عليهم والسماع منهم للوقوق على حل للمشكلات التي تواجههم، حيث لا يتم ذلك إلا بعد كسب ثقة الطفل.
وكان مما رصدته بالمعايشة، عددًا من الحالات التي عمل الفريق على حلها، فكان من بينها رجل مدمنًا للمخدرات، واتجه إلى لوحدة لإيجاد حل، وبالفعل لم تتواني الوحدة عن مساعدته، فبعد أن أنهت له الأوراق والإجراءات التي طلبها منهم صندوق مكافحة لمخدرات، طلب المنسق من الأخصائي النفسي الذهاب مع الحالة، لتوصيله إلى إحدى المستشفيات، إلا أنه ولسوء الحظ لم تستقبل المشفى الحالة لعدد من الإجراءات، التي بدء الفريق العمل عليها، ليكون يوم السبت المقبل، هو أول أيام الرجل بالمشفى، ليسلك الطريق الوعر إلى العلاج.
الأصدقاء سبب الإدمان وبحديث «الهلال اليوم» مع الرجل أوضح أن أصدقاء السوء هم السبب في اتجاهه إلى الإدمان، منذ 2012، أي ما يقرب التسع سنوات، مشيرًا إلى أن سوء حالته النفسية، والاجتماعية، ظهرت عليه بشدة، مما اضطره بنصيحة من أمه بالتوجه إلى الوحدة للنظر إلى ما يمكن عمله في حالته.
وأشار المنسق، إلى أن تلك الحالة لجئت إلى الوحدة بعد أن كسبت أمه الثقة بهم، حيث أنها لجئت فيما مضى إليهم وقد أودعوها في دار رعاية، حلاً لمشكلتها الخاصة بها.
إنقاذ شاب مشرد
وبالعودة إلى الحالات الأخرى التي تعامل معها الفريق، فقد كان من بينهم شاب يبلغ من العمر الـ 29 عامًا، تعرفت عليه الوحدة أثناء مرورها بالسيدة زينب، حيث كان ينام بالشارع.
وبالتعرف على الحالة، قال إنه عامل «أستورجي» بدمياط، وكان يربح من مهنته، إلا أن بعضالمشكلات التي ظهرت بينه وبين أهله المرضي حسب وصفه، اضطره إلى تركهم رأفة بهم، حتى لا يكون عالة عليهم، ولم يجد سوى الطرقات ملجئًا لينام بها، ولكن لم يساعده مرضه على الاستمرار بالشوارع.
حيث أن لديه انسداد بثلاث صمامات بالقلب، وتضخم بالكبد، ويحتاج إلى عملية لا تقل تكلفتها عن الـ 150 ألف جنيه، الأمر الذي اضطر الوحدة من التدخل سريعًا لحل مشكلات الرجل، التي تمحورت في سرعة عمل العملية، ونقله من الشارع إلى دار رعاية رغم صغر سنه إلا أن الدار وافقت بسبب حالته الصحية السيئة للغاية.
استغرقت المعايشة ما يقرب من الثماني ساعات، لم يرتاح الفريق دقيقة واحدة، للأكل أو حتى شرب الماء، فقد كانت تنقلاته المتعددة خدمة للمحتاجين، فقد افترق الفريق عند مسجد السيدة زينب، مكان الالتقاء، وذهب الأخصائي النفسي، مع مدمن المخدرات لإتمام الإجراءات، ومن ثم انطلقنا مع الوحدة المتنقلة إلى مستشفى إمبابة لإنهاء إجراءات مسحة فيروسكورونا، لأحمد الرجل الذي ترك بيت والديه وعمله بدمياط ولجأ إلى أرصفة السيدة زينب ليتخذها مسكنًا له رغم سوء حالته الصحية التي كانت من الممكن أن تودي بحياته.
إنقاذ مصابة بالإيدز
وأثناء الطريق، تحدثنا مع جمال عزت عبد الحميد أخصائي الأنشطة، عن مغامراتهم في الأيام السابقة، فكان حديثه عن غرائب واجهها الفريق، منها سيدة تحمل فيروسالإيدز، لم يتمكن الفريق من تركها بالشارع ولكن قدم لها المساعدات الطبية، وكان يتابعها بشكل مستمر، ومنها فتاتان تعيشان في الجبل بالمقطم، دون أي خوف منهم، وكانتا تأكلان من تسولهما بالمدينة نهارًا لتستقرا بالجبل ليلاً.
كما واصلنا الحديث عن الألعاب الموجودة بالسيارة المتنقلة، فقد لفت انتباهي وجود شاشة متصلة ببلايستيشن، للترفيه عن الأطفال الموجودة بالشوارع، كما يوجد ألعاب أخرى منها لجذب انتباه الأطفال، وكسب ثقتهم كما أوضح الأخصائي.
لا يمكن إنكار دور المسعفة، حيث أن الكثير من الحالات التي تقابل الوحدة ىتكون مصابة جراء مشاجرة كمثال، مما يتطلب إسعاف تلك الحالات، وإجراء اللازم معها.
يمكن القول أن تلك المغامرة كانت بمثابة كشف الحقيقة التي غابت عن الكثير من المستمعين دون تدقيق النظر، عن الإنجازات التي يقوم بها أبطال هم بالحقيقة أكثر الناس محبة لعملهم، فلا يدفعهم المال لذلك العمل، ولكن وحدهما الراحة النفسية، وإراحة الضمير، من خلال الشعور بمساعدة المحتاجين، هما الدافع الحقيقي وراء استمرارهم بتلك الوظيفة، فقد علمت من المنسق أنه بذلك العمل منذ ما يقرب الـ 15 عام، أما أخصائي الأنشطة فقد مارس تلك المهنة من عام 2012 ،دون كلل أو ملل.
وبالحديث عن دار الرعاية التي زارتها «الهلال اليوم»، بالمعايشة لإيصال الشاب المشرد وتسكينه بها، حيث استقبلت الدار المواطن بكل ترحاب بدءاً من تسجيل بياناته، وعمل ملف خاص به، لمعرفة الأدوية التي يحتاجها كل اليوم، والتي قارب سعرها 4000 جنيه، إلا أنها تأسفت عن عدم مقدرتها تحمل تلك التكاليف، فوقع منسف الوحدة على إخلاء تكفل الدار بمصاريف العلاج، وإجراءات العملية الخاصة به.
إجراءات تسكين المسنين بدور الرعاية
وبسؤال أبانوب عبد المنعم، الأخصائي الاجتماعي، المسئول عن المقيمين بالدار، عن الإجراءات وطريقة التعامل مع المسنين، أكد أن المستقبلين الجدد يجب الاطمئنان على عدم إصابتهم بالفيروس، لهذا يطلبون مسحة كورونا مختومة من أي مستشفى تابعة للقطاع العام، وكذلك تسجيل بيانات الفريق الآتي مع الحالة، ومن ثم يطمئن الطبيب المتواجد بالدار على حالة المريض، وبعد كتابة تقرير الطبيب يتم تسجيل ممتلكات الحالة حتى يتم معرفتها في حالة تركه للدار، و من ثم يقوم الدار بعد ذلك بتجهيز الحالة، لإراحتها من عناء المشقة التي عانتها بالخارج، وبعدها يتم تسكينه بالدار.
انتهت المعايشة بعد أن تم تسكين أحمد، في الساعة السادسة، بدار رعاية الفريد، التي تشرف عليها وزارة التضامن كانت تلك التجربة غاية في التشويق، حيث تعرفنا بها علي الأعمال التي تقوم فرقة من بين 17 فرقة تدور في الجمهورية كلها، للتعامل بشكل فوري مع الكبار والصغار الذين لا يوجد لهم مأوي، لمعرفة مشكلاتهم، وتلبية احتياجاتهم