بقلم - أحمد أيوب
لا توجد دولة فى العالم مثل مصر فى ظروفها الحدودية الملتهبة على كل الاتجاهات، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، فالمخطط المرسوم أن تواجه الحدود المصرية مصاعب وأن تشتعل أطرافها، لكن تبقى الحدود الغربية هى الأهم فى هذه المرحلة وتعرف القيادة السياسية خطورتها وأهميتها جيدا، فهى البوابة الغربية لمصر وعلى جانبها الآخر ليبيا التى تمثل العمق الإستراتيجى الغربى للأمن القومى لمصر، لكنها تعانى من فوضى وعدم استقرار يزيد العبء التأمينى على مصر، كما أن الحدود الغربية هى الأطول بين كل حدود مصر، أكثر من ١٠٥٠ كيلو مترا، ورغم أنها الأسهل من حيث الطبيعة الجبلية المنبسطة والمكشوفة والتى تجعل الرؤية سهلة، إلا أن هذه الطبيعة نفسها يعتبرها المهربون والتنظيمات الإرهابية ميزة لهم.
أهمية قضية الحدود الغربية فرضت نفسها حتى على حوارات الرئيس السيسى الذى أراد أن يطمئن المصريين بأن قواتهم المسلحة قادرة على تأمين الحدود من الإسكندرية وحتى الحدود الجنوبية ومن رفح حتى الحدود الغربية، فخص المنطقة الغربية بكلام واضح بأن القوات تؤمنها على مدار الساعة وفى الفترة الأخيرة تم تدمير ١٥ عربة كانت تحاول التسلل عبر الحدود.
كلام الرئيس وإن كان مطمئنا لكنه فى الوقت نفسه كاشف لما تواجهه الحدود الغربية من تحديات صعبة تستدعى الجاهزية العالية واليقظة الكاملة، وهو ما تفعله القوات المسلحة سواء من خلال قوات حرس الحدود أو رجال المنطقة العسكرية الغربية الذين يصفهم القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول صدقى صبحى بـ»حماة الغرب» لما يبذلونه من جهد وتضحية فى سبيل مواجهة أى محاولات للمساس بأمن مصر عبر حدودها الغربية.
الخطر على الحدود الغربية بدايته الواضحة كانت منذ ٢٠١١ وتحديدا بعد سقوط نظام القذافى وانتشار الفوضى فى الأراضى الليبية وسيطرة التنظيمات والميليشيات المسلحة على مساحات شاسعة وامتلاكها أسلحة ضخمة من بقايا مخازن الجيش الليبى، من يومها والحدود الغربية لمصر أصبحت موضع قلق خاصة مع تزايد محاولات التهريب التى اختلط فيها تهريب السلع والسجائر المسرطنة والمخدرات مع تهريب السلاح والذى قدر حجم ما هرب منه بملايين القطع خصوصا فى فترة سيطرة الإخوان، حيث تم تقريبا تحويل الجزء الأكبر من مخزون السلاح الليبى إلى عناصر الجماعة الإرهابية فى مصر لتكوين الميليشيات الخاصة بها، وكذلك تدعيم العناصر الإرهابية من السلفية الجهادية الذين تم تسكينهم عمدا فى سيناء وبعض المناطق الأخرى بما يريدونه من سلاح، فكانت شحنات السلاح المهرب من ليبيا تنتقل تحت رعاية وحماية الإخوان من الحدود الغربية إلى سيناء مباشرة وبعضها يتجه إلى الصعيد أو حلوان والمعادى والمطرية بالقاهرة أو الإسكندرية.
ثم كان الأخطر وهو تهريب العناصر المسلحة للنضمام للجماعات الإرهابية فى سيناء أو تنفيذ عمليات إرهاب داخل مصر، عقب ثورة يونيو ٢٠١٣ وإسقاط الشعب لجماعة الإخوان واشتعال وتيرة الإرهاب فى سيناء كان مخططا أن تتحول الحدود الغربية إلى أحد أبواب الشر الإخوانى على مصر مستغلين فى ذلك سيطرة الإخوان على مساحات كبيرة فى ليبيا وتواجد معسكرات تدريب للإرهابيين فى المنطقة الشرقية من ليبيا المواجهة لحدود مصر الغربية.
وكانت محاولات الإخوان للانتقام من مصر عبر ليبيا وزادت محاولات تهريب السلاح والعناصر الإرهابية والسلع المسرطنة، لكن كالعادة وقفت القوات المسلحة فى المواجهة بقوة وشراسة، واستطاعت أن تفرض السيطرة الكاملة على الحدود، والآن كل المؤشرات تؤكد أن الحدود الغربية الفترة القادمة ستكون موضع اهتمام أكبر من القيادة المصرية، فالعائدون من سوريا وخاصة المقاتلين الفلسطينيين المنضمين لداعش يسعون للتوجه إلى ليبيا فى محاولة للدخول إلى مصر، كما أن تزايد أعداد التونسيين المنضمين لداعش فى ليبيا أو العائدين إليها من سوريا يرجح توقعات ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية على الأراضى الليبية، وكذلك توقع محاولة جزء منهم الدخول إلى مصر لدعم العناصر الإرهابية فى سيناء.
كل هذه المعطيات جعلت القيادة المصرية تضع حدودها الغربية تحت المنظار بخطة تأمينية كاملة تعتمد على عدة محاور:
الأول: تكثيف نقاط حرس الحدود ورفع كفاءتها وتزويدها بأحدث التقنيات فى مراقبة الحدود، فقوات حرس الحدود مع رجال المنطقة العسكرية الغربية يفرضون حصارا متماسكا على الحدود بمعاونة كاملة من القوات الجوية التى تكثف طلعات الطيران لمتابعة الوضع على مدار الأربع والعشرين ساعة بطول الحدود من السلوم وحتى أقصى نقطة فى الجنوب مع حدود السودان، مع قيام القوات البحرية بتأمين الخط الحدودى الساحلى فى اتجاه السلوم.
الثانى: والذى تعتبره القيادة العامة الأهم هو دور شيوخ وقبائل المنطقة الغربية ومطروح والذين يقدمون كل الدعم لرجال الجيش ويعتبرونه القبيلة السابعة لهم، وميزة أبناء القبائل فى هذه المنطقة بجانب وطنيتهم الشديدة، أنهم الأكثر معرفة بالدروب الصحراوية التى يسلكها المهربون ويستخدمونها فى تمرير المسلحين والبضائع والأسلحة، وخلال السنوات الماضية لم يأبه رجال القبائل بما يتعرضون له من خطر بسبب موقفهم المساند للقوات المسلحة بل واصلوا الدعم بالمعلومات والإبلاغ عن أى حالات اشتباه، وهو ما ساهم بشكل جاد فى ضبط الحدود.
هذا فضلا عن المبادرة الوطنية التى قدمتها قبائل مطروح بتسليم الأسلحة غير المرخصة، فقد قدموا بعد ٢٠١٣ ثلاث مبادرات لتسليم كميات ضخمة من الأسلحة
وإذا كان هذا هو الجانب الأمنى فى التعامل مع هذا الملف، والذى يحمل رسالة واضحة مفادها أن مصر لن تسمح أبدا بالاقتراب من حدودها ولن تقف صامتة أمام أى محاولات من أى طرف للمساس بأمنها أو سلامة أبنائها وإنما سيكون ردها قاسيا مثلما حدث عقب جريمة ذبح المصريين على يد الدواعش الإرهابيين فى ليبيا.
لكن فى مقابل هذا الجهد الأمنى كان لمصر جهد آخر لا يقل أهمية فى الملف السياسى من أجل الوصول إلى تسوية الأزمة الليبية، وكان الأساس فى هذا التحرك أن مصر تدرك منذ البداية أن الحل السياسى والتوافق الليبى هو أول الطريق لإنهاء الفوضى وحصار الإرهاب.
ومنذ البداية كان اللافت أن مصر لا تبحث من ورائه عن مصالح شخصية بحتة مثلما فعلت أطراف أخرى خلال الأزمة، وإنما كان لمصر أسبابها الموضوعية العديدة كان أولها أن ما يحدث فى ليبيا هو جزء مما وصفه الرئيس السيسى بـ»انكشاف الأمن القومى العربى» والذى يضع على مصر - باعتبارها الدولة القوية والمتماسكة وصاحبة الجيش الوطنى الأكبر - مسئولية حماية هذا الأمن العربى بكل السبل، أمنيا وسياسيا أيضا من خلال التحرك للم الشمل وإيقاف الصراعات الداخلية التى أصبحت أسهل سبل الدول المتآمرة لإسقاط الأمة العربية، فمصر تتدخل سياسيا لإنقاذ الشعب الليبى من مؤامرة الفوضى وليس لشىء آخر.
تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .