تقدم بوابة "دار الهلال" لقرائها حكايات خلال شهر رمضان الكريم، من أجل إثراء الخيال وتزويد المعرفة لديهم، وكانت بعض حكايات كليلة ودمنة أحد اختياراتنا لمتابعينا الكرام، وهي من كتاب كليلة ودمنة، ذلك المؤلف الذي أجمع الباحثين على أنه من التراث الهندي، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في العصر العباسي، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، على يد عبد الله بن المقفع، وأمر بترجمته كسرى الأول، للاستعانة به في أمور رعيته.
كليلة ودمنة كتاب الفصول الخمسة، يحتوي على خمسة عشر باباً رئيسياً يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات، مثل قصة الأسد والثور، تلك حكايتنا الأولى خلال شهر رمضان المبارك.
الحكاية الأولى.. الأسد والثور
يُحكى أنه كان هناك رجلاً غنياً يعيش في قديم الزمان، يعمل في رعاية قطيع من الإبل والأبقار والأغنام، وكان من ضمن تلك المواشي ثوران قويان، وذات يوم قرر هذا الرجل مغادرة مسكنه وقريته بصحبة قطيعه للإقامة في بلد جديد، وأثناء رحلة السفر وبينما هم في منتصف الطريق، هطلت عليهم الأمطار بشدة لتحول الأرض التي يسيرون عليها الى برك من المياه والوحل.استمر الرجل يسير بقطيعه وسط الوحل إلى أن غاصت أقدام أحد الثيران في الوحل.
قام الرجل بمحاولات عديدة لإخراج ثوره ولكن جميعها فشلت، فقرر ترك الثور وترك معه أحد الخدم لعله يستطيع إخراج الثور واللحاق بهم فيما بعد عندما يجف الوحل، ولكن الخادم لم يكن له من الصبر ما يجعله ينتظر جفاف الوحل فترك الثور وعاد إلى الرجل وقال له أن ثوره قد مات في الوحل، وفي أثناء ذلك أخذ الثور يضرب بأقدامه محاولاً الخروج من مأزقه الذي تُرك فيه وحيداً، حتى نجح الثور في الخروج.
في تلك المنطقة نمت الكثير من الأعشاب فذهب الثور يتجول بين العشب ويأكل منه وهو يُخرج خوراً شديداً، فسمع هذا الصوت أسداً كسولاً كان يعيش في تلك المنطقه، وقد عرفت عنه جميع الحيوانات كسله الشديد فكانوا يقومون على خدمته ومن بينهم أحد الضباع.
عندما سمع الأسد صوت الثور أثاره الخوف، وأرسل الضبع ليستطلع مصدر ذلك الصوت الغريب ويأتيه بالخبر اليقين، ذهب الضبع بالفعل فرأى الثور وهو يأكل من العشب في هدوء ثم اقترب منه عندما تيقن أنه مسالم ، وقال له: كيف لك أن تدخل هذه المنطقة دون أن تأتي لتبلغ ملكنا التحية؟ كيف لك أيضاً أن تتجرأ وتزعجه بتلك الأصوات التي تصدر منك؟ فقال الثور: لم أكن أعلم من قبل أن للحيوانات ملكاً، سأذهب إليه في الحال لأصحح خطأي وأطلب منه السماح، وبالفعل ذهب الثور إلى الأسد وألقى عليه التحيه واعتذر له، وعندما تحدث الأسد إلى الثور أعجب بحكمته ونضج تفكيره، وأخذ يستشيره في العديد من الأمور التي كان الثور يظهر فيها رجاحة عقله وتفكيره.
مع مرور الوقت توطدت علاقة الثور بالأسد ملك الغابة، وأصبح الثور هو الصديق المقرب للأسد في الوقت الذي قام الأسد فيه بإبعاد الضبع عنه شيئاً فشيئاً، شعر الضبع بالضيق والغيرة من ذلك الثور الذي أخذ مكانته لدى الأسد، وقرر في الحال التفكير في خطة للإيقاع بين الثور والأسد. ذهب الضبع إلى الأسد وأخبره بأنه قد سمع الثور وهو يتآمر مع بعض الحيوانات لقتله، أراد الملك أن يتيقن من هذا الكلام فطلب من الضبع الدليل القاطع على ذلك، فقال له الضبع: دليلي هو أنك عندما تدخل على الثور ستجده ذائغ العينين وفي غاية التوتر والقلق ووجهه لونه أصفر وكثير التلفت يميناً ويساراً، وهو ما يؤكد خوفه منك لأنه يخطط لقتلك.
في الحال خرج الضبع من عند الأسد وذهب مسرعاً إلى بيت الثور وقال له إنه سمع الأسد وهو يقول أن الثور قد سمن جداً وأصبح من المحبب أكله، فسأله الثور : وما دليلك على هذا الحديث؟، قال الضبع: إذا دخلت على الأسد ستجده على وضع الاستعداد لقتلك متحفزاً واقفاً على قدميه الأماميتين. وبالفعل دخل الثور على الأسد فوجده على الوضع الذي وصفه له الضبع، فأسرع الثور وانقض على الأسد وأخذا يتصارعان حتى قتل الأسد الثور. فرح الضبع بنجاح خطته وإبعاد الثور عن طريقه، ولكن بعد فترة عرف الأسد معلومات عن أن الضبع هو صاحب تلك المكيده التي انتهت بمقتل الثور المسكين، فأمر جنوده بقتل الضبع جزاءاً له عن فعلته.