الجمعة 10 مايو 2024

"قصة الغراب"..الحكاية الثالثة من كليلة ودمنة

قصة الغراب ..الحكاية الثالثة من كليلة ودمنة

ثقافة15-4-2021 | 12:26

ياسمين عزت

تقدم بوابة دار الهلال لقرائها حكايات خلال شهر رمضان الكريم، من أجل إثراء الخيال وتزويد المعرفة لديهم، وكانت بعض حكايات كليلة ودمنة أحد اختياراتنا لمتابعينا الكرام، وهي من كتاب كليلة ودمنة، ذلك المؤلف الذي أجمع الباحثين على أنه من التراث الهندي، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في العصر العباسي، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، على يد عبد الله بن المقفع، وأمر بترجمته كسرى الأول، للاستعانة به في أمور رعيته.

 كليلة ودمنة كتاب الفصول الخمسة، يحتوي على خمسة عشر باباً رئيسياً يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات، مثل قصة  الغراب تلك حكايتنا الثالثة خلال شهر رمضان المبارك.

تبدأ القصة بقول بيدبا الفيلسوف "زعموا أنه كان بأرض دستاد عند مدينة يقال لها ماروات، مكان كثير الصيد، ينتابه الصيادون، وكان فى ذلك المكان شجرة كثيرة الأغصان ملتفة الورق، فيها وكر غراب يقال له صائر»، وهذه البداية توازى فى البناء الكلاسيكى للقصة الحديثة "المقدمة المنطقية" التى تصف المكان وتشرح الجو العام للقصة حتى يصبح المتلقى جاهزاً لمتابعة الأحداث، كما أن هذا الغراب على وجه التحديد سيلعب دور "الراوى" فيما بعد.

ويكمل بيدبا قائلاً ــ والحديث عن الغراب ــ « فبينما هو ذات يوم ساقط فى وكره إذ بصر بصياد قبيح المنظر سيئ الخلق، على عاتقه شبكة، وفى يده عصا، مقبلاً نحو الشجرة، فذعر منه الغراب، وقال: لقد ساق هذا الرجل إلى هذا المكان، إما حينى وإما حين غيرى، فلأثبتن مكانى حتى أنظر ماذا يصنع». وهذه الفقرة توازى ما يعرف «بالحادثة الأولى» وهى أول واقعة تحرك أحداث القصة قبل توالى الأحداث التى تتأرجح بين الإيجابى والسلبى.

والحادثة الأولى تتمثل هنا فى دخول الصياد إلى الغابة وهو مسلح استعداداً للقنص، أما الغراب فقد قبع فى وكره ليستطيع مواصلة دور الراوى المراقب.

ثم تتوالى الأحداث المتلاحقة بعد ذلك لتقرب الصياد من حلمه حيناً، وتبعده عنه حيناً آخر، فى بنية قصصية درامية مشوقة.

فالصياد قد نصب شبكته ونثر عليها الحَب وجلس قريباً منها، ثم جاء سرب من الحمام تقوده "الحمامة المطوقة" فعميت هى وصواحبها عن الشرَك، فوقعن على الحَب يلتقطنه، فعلقن فى الشبكة كلهن، وأقبل الصياد فرحاً مسروراً".

أمرت المطوقة بطير الحمام، فطار سرب الحمام كله فى وقت واحد، فاستطاع السرب أن يقلع الشبكة ويرتفع بها فى الجو، وقد تبعهم الغراب ليتمكن من مواصلة دور الراوى.
لكن أمر النجاة لم يكن بهذه السهولة، فقد أخذ الصياد فى العدو وراء الشبكة الطائرة مراهناً على أن الحمام سيتعب، وأن الشبكة ستسقط حتماً بعد وقت قصير، ليتمكن من الظفر بصيده.

ولما رأت المطوقة الصياد يتبعهن قالت: "هذا الصياد مُجِد فى طلبكن، فإن نحن أخذنا فى الفضاء لم يخف عليه أمرنا، ولم يزل يتبعنا،وإن نحن توجهنا إلى العمران خفى عليه أمرنا، وانصرف".

لقد توجهت المطوقة بسرب الحمام العالق بالشبكة من الطيران فوق الصحراء المكشوفة إلى الطيران فوق البيوت ليختفى السرب عن نظر الصياد ويقطع أمله منهن، وقد حدث لها ما أرادت وانصرف الصياد، لكن النهاية السعيدة لم تحدث بعد،بل إننا قد وصلنا إلى ما يعرف فى البناء الفنى الكلاسيكى للقصة باسم «العقدة» وهى أكبر عقبة تواجه البطل فى سبيل تحقيق هدفه.

فقد كان للحمامة فأر صديق، لكنه كان دائم التنقل والتخفى من جُحْرٍ لجُحْر، وقد قررت المطوقة أن تذهب إلى هذا الفأر الصديق، ليقرض للسرب ولها عقد الشبكة، ويعيد للحمام حريته، فلما وصلت إلى مكانه المعتاد أمرت المطوقة الحمام أن يهبط بالشبكة إلى الأرض، فهبط متعباً لا يقوى ليس على معاودة الطيران، بل على مجرد السير، وهذه هى العقدة، ففى تلك اللحظة الدرامية الحاسمة إما أن يجد الحمام الفأر فينقذه، وإما ألا يجده ويتمكن أى عابر سبيل من التقاط الحمام المترنح.


وكان بيدبا فى هذه القصة يريد نهاية سعيدة لقصته،حيث يقول: «وكان للجرذ مائة جُحْر للمخاوف،فنادته المطوقة باسمه، وكان اسمه زريك، فأجابها الفأر من جُحْره من أنت؟ قالت: «أنا خليلتك المطوقة. فأقبل إليها الجرذ يسعى، وتنتهي القصة بقرض الفأر لعقد الشبكة والمطوقة تأخذ الحمام معها.

Dr.Radwa
Egypt Air