هنا مقال نادر للراحل مكرم محمد أحمد يسرد من خلاله محاولة اغتياله ، تعيد بوابة " دار الهلال " نشره في يوم وفاته ووداعه للحياة ، نصه : "أشكرك ربي، الحمد والنعمة لك، لا شريك لك، وحدك القادر، بيدك الأمر، بيدك الحياة، بيدك الموت ، ما أعرت يدا اخرى حق النجاة وحق الموت ، حتى إن أمطرت ضحيتها وابلا من رصاصات ظالمة وجهولة ، فظة العقل والفوائد ، إلا أن تكون ، أنت وحدك ، يالله ، قد أذنت .. سبحانك أنت علام الغيوب.
دقيقتان ؟ ! ثلاث ؟ ! أكثر ؟ !
لا أعرف سوى أنه كان وقتا بطيئا ، تحجرت فيه الدقائق المعدودة ، دهرا ثقيلا فوق الصدر ، يكتم الأنفاس يستحب الموت ، يتعجله إن كان مقدرا خيراً من رعب الانتظار ... محاصر أنا في كابين سيارتي ، تحت عجلة القيادة ، والرصاص ينهمر ، يدوي في المكان ، وزجاج السيارة يتفجر شظايا شاردة من حولى .
لم أكن قد أدركت بعد ، أنني المقصود ، وانني الهدف ، وعندما هممت برأسي من تحت عجلة القيادة ، أتطلع من زجاج سيارتي ، المثقوب برصاصتين كانت وجهتهما الدماغ ، التقت عيناى بعينيه ، كان في المقعد الخلفى لم يزل يصوب سلاحه والمسافة بيننا ستة أمتار .
عيناى تسألانه ، في دهشة استنكار مذعورة : ماذا فعلت ؟ ! وماذا جنيت ؟ ! لكنهما تخاطبان وجه الإرهاب ، وجها جامدا كقناع شمعى ، خلف يد لم تزل ممدودة بالموت ، وعندما دوى صوت الرصاص مرة أخرى ، كان الذعر يسود المكان ، كانوا قد أطلقوا على أرض الشارع دفعة نيران أخيره إرهابا للجميع .
عندما توقف صوت الرصاص ، هممت برأسى مرة أخرى ، لأرى سيارة الجناة وهي تمرق من زحام الميدان ، وخرجت مسرعا إلى الرصيف بين جموع الناس حول الحادث ، يسعفون جرحى «البيجو»، ويسعفون من سقط في الشارع بشظايا الرصاص التي طالت واجهات المحلات القريبة .
وأقف أنا على الرصيف ، الدم ينزف من جرح أحدثته شظية زجاج نزعتها من راحة اليد ، معافي وإن كان يعتصرني من الداخل أسف حزين ، لإسعافهم ، حائرا يساورني بعض القلق في أن يعود الجناة بعد أن يلفوا الميدان كى يحاولوا مرة أخرى ، أسأل نفسي مهموما ، إن كان قد سقط سبعة من الجرحى في المرة الأولى ، فكم يكون عدد الضحايا في المرة الثانية ؟
ماذنب هؤلاء ؟ ماجريرتهم ؟ !.
.. إن كانت الصدفة قد جمعتنا في حادث كنت المقصود به ، فلست أملك سوى أسف الاعتذار ، أملا في أن يدركوا أنني الآخر لا ذنب لى أو جريرة ، شفيعي إليهم ، أننا جميعا ضحايا لرصاصات الإرهاب .
.. بعد عشرين دقيقة ، أنقذني من هذا الهم ، سيارة شرطة حملتني إلى مبنى وزارة الداخلية .