الأربعاء 22 مايو 2024

نساء في الإسلام (4).. الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر

عائشة بنت أبي بكر الصديق

ثقافة16-4-2021 | 21:46

همت مصطفى

يشهد تاريخنا الإسلام شخصيات عاشت وخلدها إيمانها و مواقفها القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركت هذه الشخصيات أثرًا كبيرًا محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق، ومع بوابة "دار الهلال" في أيام شهر رمضان الكريم"ننتقل من عالمنا إلى صفحات من التاريخ لنرصد بعض الخطوات والمحطات والمواقف في رحلة العديد من هذه الشخصيات، والتي اخترنا بهذا العام أن تتمثل في رحلة مع النساء  الذي أسهموا  في دعم الإسلام وانتشاره ولقاءنا اليوم مع أم المؤمنين "عائشة بنت أبي بكر".
 

السيدة  عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر نسائه ، كنيتها أم عبد الله، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة وهي بنت "الصديق" رضي الله عنهما، وعُرِفت بـ "أم المؤمنين" ، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها ، وأمها "أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية -رضي الله عنها- ،ويذكر أن رسول الله قال فيها  "من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان".

ولدت السيدة "عائشة " في الإسلام، بعد البعثة النبوية  سنة تسع قبل الهجرة، ،وعندما هاجر والدها "أبو بكر " رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، بعث إليها بعبد الله بن أريقط الليثي ومعه بعيران أو ثلاثة للِّحاق به، فانطلقت مهاجرة مع أختها أسماء ووالدتها وأخيها.

ويذكر أن قبل زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها رآها في المنام؛ فقد جاءه جبريل عليه السلام وهو يحمل صورتها إليه ويقول له: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة» رواه الترمذي وأصله في "الصحيحين".ولم يتزوج" النبي " من النساء بِكْرًا غيرها، وهو شرفٌ استأثرت به على سائر نسائه، وظلَّت تفاخر به طيلة حياتها.

وكان لعائشة رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لسواها، حتى إنَّه لم يكن يخفي حبَّها عن أحد، وبلغ من حُبِّه لها أنه كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه، ويأكل من المكان الذي تأكل منه، وعندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال له: «عَائِشَة»، متفق عليه، وكان النبي " يُدَاعبها ويمازحها ويسابقها.

كانت السيدة "عائشة" رضي الله عنها صوَّامة قوَّامة، تُكثر من أفعال البرِّ، ووجوه الخير، وقلَّما كان يبقى عندها شيءٌ من المال؛ لكثرة بذلها وعطائها، حتى إنها تصدَّقت ذات مرَّة بمائة ألف درهم، لم تُبق منها شيئًا.

وقد شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل، فقال: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»، متفق عليه،ومن فضائل"عائشة"  قوله الرسول لها: «يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ»، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. متفق عليه.

ورغمًا من صغر سن السيدة "عائشة  إلا أنها كانت ذكيَّةً سريعة التعلُّم، ولذلك استوعبت الكثير من علوم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت من أكثر النساء روايةً للحديث، ولم يذكر أنه يوجد في نساء أمَّةِ النبي"محمد " امرأة أعلم منها بدين الإسلام ،فكانت رضي الله عنها مرجعًا علميًّا لكبار الصحابة وفقهائهم في السُّنَّة والأحكام والاستدلال، والفرائض والحرام والحلال، وكانوا إذا أُشكِل عليهم شيء في الدين استفتوها فأفتتهم ، وقد روت رضي الله عنها عن سيدنا "محمد " كثيرًا من الأحاديث التي يذكر أنها قد تجاوزت ألفي حديث، وروى عنها جَمْع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم.

وروى عن "عائشة" من التابعين الكثير منهم  عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلقمة بن قيس، وعكرمة ومجاهد، والشعبي، ومسروق، وسعيد بن المسيب، وطاووس، وعلي بن الحسين، وابن أبي مليكة ،ومن النّساء عمرة بنت عبد الرحمن، ومعاذة العدوية، وعائشة بنت طلحة، وجسرة بنت دجاجة العامريّة، وحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وخيرة أم الحسن البصري، وصفية بنت شيبة وغيرهن.

وعن الصحابي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: «ما أشكَل علينا -أصحابَ رسولِ اللهِ ﷺ- حديثٌ قطُّ فسأَلْنا عائشةَ إلَّا وجَدْنا عندَها منه عِلْمًا». "أخرجه الترمذي" وعن علمها  قولُ "أبي موسى" رضي الله عنه: "ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه  وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه عِلْمًا" رواه الترمذي.

وقال الإمام الحاكم النيسابوري في كتابه "المستدرك على الصحيحين" : «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالطِّبِّ مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ».

وقال  الإمام "الزُّهريُّ": لو جُمع علم نساء هذه الأمة، فيهن أزواج "النبي محمد "صلى الله عليه وسلم، كان علم عائشة أكثر من علمهنَّ" رواه الطبراني.

وإلى جانب علم السيدة " عائشة" بالحديث والفقه، كان لها حظٌّ وافرٌ من الشِّعر، وعلوم الطبِّ، وأنساب العرب، واستقت تلك العلوم من زوجها ووالدها، ومن وفود العرب التي كانت تقدم على رسول الله "محمد "صلى الله عليه وسلم.

وقد توفِّيت السيدة "عائشة " سنة سبع وخمسين، عن عمر يزيد على ثلاث وستين سنة، وصلَّى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، ثم دُفِنَت بالبقيع، ولم تُدفن في حجرتها بجانب رسول الله صلى الله عليه ووسلم؛ فقد آثرت بمكانها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرضي الله عنهما وعن جميع أمهات المؤمنين.