السبت 25 مايو 2024

٢٥ يناير.. قطار لم يصل إلى المحطة الأخيرة!

30-1-2017 | 12:48

بقلم – أحمد النجمى

من اعتادوا السفر بالقطارات.. عرفوا هذا المشهد: أن ينتظروا وصول القطار إلى محطته الأخيرة، لكى يتحرك بهم مجددًا إلى مبتغاه.. يحملون حقائبهم، وتدور أفكارهم حول البيت، ذلك الذى سيستقرون فيه بعد الرحلة.. والأهل الذين سيتقابلونهم بالأحضان، والصحبة على المقهى، والسهر فى «مسقط الرأس».. إلى هذا تهفوا القلوب وعلى هذا تشكلت طبائع الناس من قديم.. فماذا لو تأخر القطار، وطال تأخيره، وشكك بعض الواقفين على رصيف المحطة بعد أن اكتظت مقاعد رصيف الانتظار بالجمهور فى أن القطار قادم من الأساس؟ هذا ما كان من أمر ثورة ٢٥ يناير المجيدة..!

انطلق قطار ثورة ٢٥ يناير المجيدة قبل ست سنوات.. كانت صافرته تصرخ «عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية»، وفى منتصف الطريق.. فى ثورة ٣٠ يونيو المجيدة على وجه التحديد، انطلقت الصافرة من جديد، مضيفة هتافًا خامسًا: دولة مدنية!

صفق العالم للمصريين.. قالوا إن هذا أول شعب يثور مرتين فى أقل من عامين ونصف العام، ويطيح بنظامين: مبارك ثم مرسى، بصورة سلمية، ويلتحم صفًا واحدًا مع جيشه، الذى حمى مقدارت بلاده، وأنه الشعب الوحيد فى الشرق الأوسط الذى حين ثار لم يدمر بلاده.. كما حدث فى اليمن وسوريا وليبيا.

انتظر المصريون تحقيق كل آمالهم القديمة التى أرجأوها لسنوات طويلة، لكنها لم تتحقق، علقوا هذه الآمال على كتفى ثورة ٢٥ يناير، لكنها لم تتحقق، علقوها على كتفى ثورة ٣٠ يونيو لكنها لم تتحقق!.

أين «العطل» إذن؟ وهل هناك «عطل» أصلًا؟!.

لم يصل القطار إلى محطته الأخيرة بعد، وعلى الركاب ممن قطعوا تذاكر السفر فيه -٩٢ مليون مصرى - أن ينتظروا لمزيد من الوقت.. وأن يصبروا الصبر الجميل! عدم وصول القطار لا ينفى أنه قطع مسافة على الطريق، واجتاز محطات إلى هدفه الأخير، لكن الأعطال كثيرة..!

وعلى رصيف محطة القطار - محطة ثورة ٢٥ يناير - تتناثر الأسئلة على ألسنة الركاب فى انتظار وصول القطار. أول هذه الأسئلة: هل انتهت ثورة ٢٥ يناير؟

وفى مواجهة هذا السؤال نرد بسؤال آخر: وهى تنتهى الثورات؟ وما معنى نهايتها؟ التاريخ يجيب: نعم، هناك ثورات يتم الانقضاض عليها من «القوى المضادة» لها وهى القوى التى تتضر منها.. تقفز هذه القوى على الحكم وتنقض على «الدولة الوليدة» فتتمكن منها، وتنتهى -عمليًا - هذه الثورات، بل يصبح الكلام عنها جريمة فى حد ذاته، ويصبح الكلام عن النظام الجديد الذى اجتاحها وقام مقامها هو الثورية بعينها كالحديث عن ثورة التصحيح ١٥ مايو ١٩٧١، التى أحلها السادات وإعلامه محل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ المجيدة، لكن التاريخ يتنبه إلى الحقائق ولا يسقطها، ففى حالة «مايو ١٩٧١ - يوليو ١٩٥٢» أعاد التاريخ الاعتبار إلى ٢٣ يوليو فيما تراجعت أهمية ١٥ مايو كثيرًا إن لم تكن قد انتهت تمامًا..!

عمليًا.. ثورة ٢٥ يناير لم تنته، ولا جرى القضاء عليها، بدليل أن ثمة نتائج لا شك فى تحققها قد تجسدت على الأرض بالفعل، وهى نتائج ثورة ٢٥ يناير: فثمة تداول شفاف للسلطة وانتخاب حر ديمقراطى نزيه لرئيس الدولة ولأعضاء البرلمان، لأول مرة فى مصر منذ ما يزيد على ٦٥ عامًا.. وبموجب هذا الانتخاب جاء الرئيس السيسى إلى موقعه رئيسًا للجمهورية وجاء البرلمان الحالى إلى الحياة النيابية.

هناك - قبل انتخاب الرئيس والبرلمان - دستور مصر ٢٠١٤، هذه الوثيقة العظيمة التى كفلت الحريات للمصريين، وحولت مصر إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وهو واحد من أفضل دساتير العالم كله فى ضمان الحريات وحقوق المواطنين، وهو من أفضلها صياغة أيضًا بشهادة كثير من الثقات.

إلى جانب الدستور العظيم وتداول السلطة.. ثمة تغيرات ملموسة فى سياسات الدولة المصرية، تؤكد أن الحياة قد اختلفت بعد ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.. فبرغم الارتفاع النارى للأسعار وجنون الدولار.. إلا أن شبكة هائلة الحجم - والمفعول - من المشروعات القومية الكبرى، ينشئها الرئيس عبدالفتاح السيسى لأجيال قادمة من أبنائنا وأحفادنا، وهى مشروعات كفيلة بتغيير وجه الحياة المصرية حين تؤتى أكلها.. وثمة تغييرات هائلة فى سياساتنا الخارجية، تغييرات تحمل عنوانًا واحدًا هو: الاستقلال.. لقد فقدت مصر استقلالها الفعلى منذ اختارت الدوران فى الفلك الأمريكى «منتصف السبعينيات» وحتى سقوط المخلوع مبارك «١١ فبراير ٢٠١١»، الآن - ومع السيسى - تتنوع العلاقات المصرية بين روسيا.. والصين.. وأوربا.. وأمريكا، والتسليح - وحده - يقطع بهذا التنوع فى العلاقات، عاد مصير مصر إذن إلى قبضة أبنائها، كما أن وجود مصر فى محيطها العربى قد ازداد حضورًا وتأثيرًا، فضلًا عن أنها الدولة العربية - الوحيدة - التى حققت انتصارات كبيرة على الإرهاب حتى الآن!.

يبدو كل هذا رائعًا.. لكنه أقل مما كان ينتظره المصريون من ٢٥ يناير، ومن ابنتها ٣٠ يوليو، وهذا النقص فى تحقيق الأهداف، التأخر فى وصول القطار - وراءه أسباب!.

هنا نصل إلى السؤال الثانى على ألسنة الواقفين على محطة القطار: من الذى عطل القطار عن الوصول إلى الآن؟!

والجواب أن من عطل قطار الثورة المصرية «ثورة ٢٥ - ٣٠.. وهذه التسمية الصحيحة فى تقديرى»، هو الطرف صاحب المصلحة، أو هما الطرفان صاحبا المصلحة: فلول نظام مبارك، وفلول الجماعة الإرهابية!

بطبيعة الحال لم يكن من مصلحة «فلول الوطنى» وبقايا نظام مبارك العمل على إعلاء ثورة يناير كما أن مصالحهم - الحقيقية - تتعارض مع الدولة التى أنشأتها ثورة ٣٠ يونيو «دولة السيسى» إن جاز التعبير - أنهم يريدون استعادة دولة النهب والسلب المباركية، أو دولة «السيد ١٠ فى المائة»، تلك العمولة الشهيرة لوزراء مبارك من البيزنس الدولى، يريدون استعادة اقتصاد العمولات، الذى يبيع كل شىء، حتى الناس أنفسهم، مقابل عمولات ضخمة محددة سلفًا.. لذا، فإن الفاسدين من بقايا نظام مبارك.. سواء الوزراء السابقين أو كبار رجال الأعمال، يغلون أيديهم عن الإسهام فى التنمية، حدث هذا مبكرًا.. منذ زوال نظام مبارك قبل ٦ سنوات، وازدادت وطأته واتضح تأثيره فى العامين الأخيرين، وليس سرًا ولا لغزًا أن يعاود كل من علاء وجمال مبارك ظهورهما المتكرر من وقت إلى وقت بين الناس فى كافة الأماكن هذه الأيام.. فقد شعر علاء وجمال بالطمأنينة وصارا «شهيدين» لثورة ٢٥ يناير، وصارا على من ثاروا فى يناير الاعتذار منهما! هؤلاء - إلى اليوم - يراهنون على عودة نظام مبارك فى صورة جديدة، من خلال انتخابات الرئاسة القادمة فى ٢٠١٨، سواء عبر «أحمد شفيق» القابع فى الإمارات، أو مرشحهم الذى لم يعلن اسمه إلى الآن.. أيًا يكن هذا الاسم، فإن خطتهم هى أن يحرك جمال وعلاء الأمور من خلف الستار.. ليكونا هما الحاكمين الحقيقيين لمصر.. ومن الطبيعى أن تجرى تصفية لكل ما تم منذ ١١ فبراير ٢٠١١ - تاريخ خلع أبيهما - إلى يوم وصول هذا الرئيس «الشبح» إلى الحكم فى ٢٠١٨.. لا أقول أن هذا ما سيحدث، أقول إن هذا ما هو مخطط له أن يحدث.. والفارق كبير، ولكن ما كان هذا كله ليصبح مخططًا له، لولا أن ٢٥ يناير لم تصل إلى محطتها الأخيرة المرتقبة، فلا محاكمات ثورية أو سياسية أو استثنائية - سمها كما شئت-! تمت لرموز نظام مبارك، ولا جرى كشف فساد رجال تلك الدولة البائدة إلى الآن.. بل جرى التفاوض مع هذا أو ذاك من رموز الفساد مثل حسين سالم ويوسف بطرس غالى على بضعة مليارات، وعودة واضحة لأحمد عز الذى أفسد الحياة السياسية - تمامًا - فى العقد الأخير من عصر مبارك!

هذا هو الطرف الأول الذى عطل القطار.!

أما «الإرهابية» فهى بزعم الضربات الأمنية والمحاكمات التى تقع.. لاتزال قابعة، تمارس الإرهاب، وتفرخ الإرهاب - إذ إنه ولد لها عشرات من التنظيمات الإرهابية فى السنوات الثلاث الماضية - وتدعم الإرهاب فى الدول العربية.. وأموالها لاتزال بخير، تعد بالمليارات الكثيرة، تجرى فى الأسواق.. سواء فى مصر أو فى العالم كله، الإخوان الإرهابيون هم الذين عطلوا مع «الفلول» قطار ثورة ٢٥ يناير، حين اعتلوا فى يوم من الأيام السوداء فى تاريخ مصر سدة الحكم «يونيو ٢٠١٢» عبر المعزول مرسى، وتحولوا إلى قوة دكتاتورية دينية مسلحة يقول قائلها إنهم مستمرون فى الحكم ٥٠٠ سنة، خمسة قرون مما تعدون، وينكلون بمعارضيهم.. ويخرسون الألسنة المختلفة، ويحولون مصر إلى دولة دينية، ولاية فى دولة خلافة على رأسها الخليفة المجنون «أردوغان» فى تركيا، ومن تبعه بإحسان من حكام دويلة قطر والإرهابيون فى كافة بقاع الشرق الأوسط!.

عطل الإخوان ثورة يناير بالبرلمان الذى أتى قبل الدستور، واستفتاء مارس ٢٠١١ الذى أجهض المسار السياسى الطبيعى لثورة يناير، ثم اجهضوها بوصولهم للرئاسة، وحاولوا قتلها.. لولا أن أنقذتها ثورة ٣٠ يونيو المجيدة، فاشتعل جنون الإرهاب الإخوانى وهو جنون قديم معروف منذ عصر مؤسس هذه الجماعة حسن البنا - ضد الدولة وضد الشعب وضد السيسى، الذى بدا لهم أنه جمال عبدالناصر بعث من جديد.. وهاهم يمارسون الإرهاب ضد مصر طوال الوقت.. لكن رموزهم ينعمون بحياة متميزة داخل السجون، طالت محاكماتهم دون جدوى، ونعتقد أنها ستطول وتطول.!

إذن فالطرفان - الفلول والإهابية - لايزالان بخير، بينما ثورتا يناير - يونيو هما اللتان تضررتا مما حدث، ولم يصل قطار الثورة بعد إلى المحطة الأخيرة! فهل يبدو والقول بأن ثورة ٢٥ يناير - ٣٠ يونيو.. مع الإصرار عندى على الربط بينهما مثل جثة ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يوارى سوءتها؟

لا أعتقد.. فالثورات الشعبية العظمى كثورة ٢٥ يناير - ٣٠ يونيو.. تصل إلى أهدافها النهائية حسب المسار المعقد الذى تسير فيه، فقد يزداد فيه هذا التعقيد ليطول زمن تحقيق الأهداف لعشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر، وقد يقل.. فتقل مدة تفكيك هذا التعقيد.. من المهم أن ننظر فيما تحقق - كما نظرنا - ومن المهم أن ننظر فيما لم يتحقق بعد..!

لا يجوز اختزال ثورة ٢٥ يناير - ٣٠ يونيو فيما تحقق بالفعل، بل يجب أن يتم التعاطى معهما بوصفهما ثورة كبرى - من مرحلتين - خلعت نظامى حكم، ثم النظر فى أسباب خلع هذين النظامين: التوريث والفساد «فى حالة مبارك» والدولة الدينية «فى حالة مرسى» لابد من اقتلاع الفساد المباركى بمحاكمات سياسية، ولينظر الدستوريون والحقوقيون فى هذا الأمر ليصلوا إلى مخرج، ولابد من إصدار قانون يحمى الثورتين من السباب والتهجم المستمرين عليهما فى وسائل الإعلام، سواء التى يملكها الفلول أو التى تملكها الإرهابية، ونعلم أن الرئيس السيسى كان قد تكلم فى هذا فى أواخر ٢٠١٤، فشن عليه هذا الإعلام حملة قوية، فاختفى مشروع القانون.. لا ندرى أين الحقيقة فى كل هذا..! ولابد من أن تتماشى الدولة المصرية مع فكرة «مدينة الدولة» المنصوص عليها فى الدستور، وإذا فعلت سيقفز السؤال فورًا: وماذا عن أحزاب سلفية تمارس السياسة؟ لابد من حل هذه الأحزاب، لأن بقاءها لا يعنى سوى النفاق السياسى وتخريب بنية النظام بالتدريج! إلى هذا كله، فلابد من سياسات تتجه إلى إقرار شىء من العدل الاجتماعى، أقول «شىء» لا كل العدل الاجتماعى.. لا أفهم - على سبيل المثال - عدم تطبيق «الضرائب التصاعدية» على كبار الأثرياء فى مصر وهو النظام المعمول به فى أعتى الدول الرأسمالية فى العالم..؟! أين مليارات هؤلاء من أزمتنا الاقتصادية الحالية التى لا يدفع ثمنها سوى الطبقتين الوسطى والفقيرة؟!

القطار لم يصل بعد.. وبدون هذه الإجراءات «المحاكم السياسية، حظر الإساءة للثورتين، الضرائب التصاعدية، مدنية الدولة»، سيستمر تأخير هذا القطار لمزيد من الوقت..!

عاشت ثورة ٢٥ يناير المجيدة - ٣٠ يونيو المجيدة، والمجد للشعب والجيش.

 

 

    الاكثر قراءة