في الفترة السابقة علي تطوير التعليم بشكله الحالي، كان المنتهى لتحقيق النجاح وإدراك التفوق هو حفظ المناهج المقررة عن ظهر قلب، كما كان يبتغيه بعض الطلبة ويفرضوه على أنفسهم وكذلك الأساتذة هو مبدأ "الحفظ صَم" وأن الطالب المجتهد هو الذي يستطيع حفظ أكبر قدر من المنهج دون الحاجة إلي تفسيره أو حتي دون فهمه علي الإطلاق، وكثيرًا ما سمعنا "احفظها على كده علشان هي كده "، بغرض تدوين و"دلق" المعلومات المحفوظة في ورقة إجابة الامتحان دون تعقيب أو تعويل على فهمها بالشكل المطلوب منه .
والواقع أن ذلك النمط القديم من الدراسة كان يعتمد على النقل الجامد للمعلومات دون الحاجة إلى التطرق لجوانب الاستنباط والفهم الكامل والحقيقي للمسألة التعليمية لدي الطلاب .
غير أن تقييم العملية التعليمية في مصر حاليا وتنفيذها يتم وفق المعطيات العصرية ويتنافى تماما مع فكرة النقل والحفظ المجرد لحشو أكبر عدد من السطور في ورقة الإجابة، وكذلك أيضًا لَم تعد قدرة الطالب على الاستيعاب والتحصيل فحسب هي الغاية فحسب، إنما أصبح التقييم هو مقدار الاستطاعة علي تنمية القدرات الذهنية والإبداعية لديه.
كان المقرر الدراسي لمادة مثل الرسم أو الموسيقي أو التربية الرياضية أو التنمية الذهنية يكاد يكون غير موجود وليس له خطة تعليمية محددة أو واضحة، بخلاف أنه لا يضاف إلى درجات المجموع النهائية، وهو ما كان يعطي انطباعًا لدى الطالب والمعلم حد السواء بعدم أهمية مثل تلك الفروع من التعليم، والتعامل مع الطالب الذي تستهويه مثل تلك الأفرع من التعليم بسخرية، على أنها مضيعة للوقت ويتم التسفيه منها لصالح مواد اللغة العربية والرياضيات والتاريخ، فالتبعية يجنح الطالب المبدع أو الموهوب إلي ممارسة الرياضة أو الفن أو شتي مجالات الإبداع سرًا وبعيدًا عن أعيُن المدرسين أو الآباء، فتتحول ذاتيًا الموهبة من شيء جميل ومبهج مبجل إلى أمر محرم ومستنكر من الكافة .
الواقع أن تاريخ الفن والإبداع هو أساس الحضارة، وكذلك جميع العلوم التطبيقية والنظرية نجد أن أساسها التأمل والاستنباط، والتعامل مع المنهج الدراسي بوصفه "حفظ صم" هو طريقة لا يتم من خلالها استهداف الأصل في وجود تلك العلوم - الفن والخيال والإبداع - إنما النزوع إلي فكرة النقل الجامد للمادة العلمية وكبت الخيال، ما يؤدي في النهاية إلي حجب أسباب تطويرها وتجديدها.
وفي السنوات الأخيرة اهتمت وزارة التربية والتعليم بتلك الفلسفة التعليمية والرؤية العصرية، وأخذت على عاتقها التغيير، وقد راكمت في الفترة الأخيرة سبل تحقيق طفرة تعليمية، بدءًا من "البوكليت" حتي بنك المعرفة واستخدام "التاب" ودخول الامتحان غير التقليدي القائم علي التفكير وطريقة الـ "open book" الكتاب المفتوح، والتعامل مع المناهج التعليمية بوصفها مادة للاستنباط وليس الحفظ المجرد.
في مضمار تطوير التعليم أحرزت مصر خطوات ثابتة وسريعة، وتحتاج منا إلى صبر ودأب في مواصلة ما تم تحقيقه وما هو مأمول إنجازه في المستقبل القريب.