رأت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن قيام روسيا بحشد قوات عسكرية على حدود أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة تسبب فى إثارة حالة من الذعر، مشيرة إلى أن الشىء الأكثر ترجيحا هو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يستخدم قواته المسلحة كأداة للدبلوماسية القهرية.
ولفتت المجلة، في تقرير لها، إلى أن مشاعر الذعر ثارت لأن حشد تلك القوات يماثل ما قامت به روسيا خلال عام 2014، حينما حشدت قوات كثيرة على حدود أوكرانيا وشقت قواتها طريقها لغزو الأراضي الأوكرانية وضمت شبه جزيرة القرم.
ونقلت "الايكونوميست" عن الجنرال الأمريكى تود ولترز، القائد الأعلى لقوات أوروبا الموحدة وقائد القوات الأمريكية فى أوروبا، قوله في 13 أبريل الجاري، إن نشر القوات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة يعكس حجم ونطاق النشاط الروسي الذي تم القيام به خلال عام 2014.
وأوضحت المجلة البريطانية أن على الرغم من إعلان وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو في اليوم نفسه أن بلاده قامت بالفعل بحشد جيشين وثلاث وحدات محمولة جوا بغرض إجراء تدريبات قتالية فقط إلا أن هذا الإعلان لم يكن كافيا لبعث الشعور بالطمأنينة، لأن الغزو الذي حدث قبل سبع سنوات كانت قد سبقته مناورات غامضة مماثلة.
وقالت إن: "مجموعة جينس للمعلومات الاستخبارية فى مجال الدفاع تشير إلى أن الهدف من الحشود الروسية مازال غامضا، ومن المؤكد أنها ليست لغرض إجراء تدريب روتيني، وعلى سبيل المثال فإنه تم نشر شبكة اتصالات عسكرية طويلة المدى بالقرب من منطقة فورونيج الواقعة على بعد حوالى 200 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا ويتم استخدام مثل هذه الشبكة عادة للاتصال بوحدات كبيرة جدا، وبالتالي فإنها تعتبر بمثابة مؤشر على حجم الانتشار، وانتقلت بعض الوحدات من على بعد آلاف الكيلومترات، وأن توم بالوك أحد محللي مجموعة جينس قال: "يبدو أن القوات مازالت تتحرك تجاه الحدود".
ونقلت المجلة عن مايكل كوفمان أحد محللى مركز "سى إن إيه للأبحاث"، ومقره واشنطن، قوله، إن "تحركات تلك القوات ظاهرة بدون شك، وبالتالى فإنه من المُستبعد حدوث هجوم مفاجىء، ويتم تنظيم تلك القوات بطريقة تشير إلى وجود عملية عسكرية كبرى، حيث تقترب الوحدات من ساحات تدريب بدلا من التحرك نحو مناطق تجميع أو انتشار، ما يسهل عملية العثور عليها ورؤيتها، لكن لم يتضح حتى الآن ما تريد روسيا الاستيلاء عليه بالفعل".
فيما قال روب لى الباحث بجامعة "كينجز كوليدج" في لندن: "لا أعتقد أن هناك أى هدف على درجة من الأهمية التي تستلزم القيام بغزو بري مع كل التداعيات التي ستعقبه".
ونبهت "الايكونوميست" فى تقريرها إلى أن الشىء الأكثر ترجيحا هو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يستخدم قواته المسلحة كأداة للدبلوماسية القهرية، فعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا بشأن إقليم دونباس الانفصالي في شرق أوكرانيا، إلا أن هناك حالة من التوتر بين الجانبين، حيث لقى جندي أوكراني مصرعه يوم العاشر من أبريل الجاري ، وهو يعتبر الجندي الثامن والعشرين الذي يلقى مصرعه خلال العام الحالي".
وأضافت أن أوكرانيا أثارت غضب الكرملين خلال شهر فبراير الماضي بفرض عقوبات على رجل الأعمال فيكتور ميدفيدتشاك السياسي الموالي لروسيا".
أما ديميتري ترينين الباحث في مركز "كارنيجي للأبحاث" في موسكو فإنه يزعم أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكى هو الذي بدأ حملة التصعيد الحالية بنقل أسلحة ثقيلة تجاه الحدود خلال شهر فبراير الماضي.
لكن المحلل بالوك رد على هذا الادعاء بأنه "لم يظهر دليل دامغ يثبت ذلك فى أحسن الأحوال، وأن قمع المعارضة الناطقة باللغة الروسية في أوكرانيا يهدف إلى استفزاز روسيا والحصول على تأييد من الغرب".
وتابعت المجلة البريطانية أنه على ضوء هذه الروايات، يبدو أن التعبئة الروسية تهدف إلى تثبيط همة الزعماء الأوكرانيين، وربما يأمل بوتين في دفع زيلينسكى إلى تقديم تنازلات، مثل منح المزيد من الحكم الذاتى للمتمردين الموالين لروسيا فى إقليم دونباس، ومع ذلك فإن الظروف الداخلية لدى بوتين ربما تشجعه أيضا على استعراض عضلاته، حيث اعتقلت حكومته أكثر من عشرة آلاف متظاهر خلال تظاهرهم فى شهر يناير الماضي للإعراب عن تأييدهم لزعيم المعارضة أليكسى نافالنى القابع فى السجن".
وأشارت المجلة إلى أن معدلات تأييد بوتين على الساحة السياسية سجلت تراجعا قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها خلال شهر سبتمبر المقبل، إذ يقول أكثر من خُمسي الروس إن بلادهم تتحرك فى الاتجاه الخطأ ويعاني الاقتصاد من الركود ، وأن بوتين فشل فى نيل أى مكاسب من زيلينسكى الذى حصل فى المقابل على تأييد الغرب، حيث اتصل به الرئيس الأمريكى جو بايدن هاتفيا للمرة الأولى مطلع شهر أبريل الجاري".
لكن أوليكسندر دانيليوك، الذي خدم فترة قصيرة كمدير لمجلس الأمن القومي في أوكرانيا خلال عهد الرئيس زيلينسكى، حذر من أن الدعم الأمريكي لأوكرانيا، التي لا تنتمي لحلف شمال الأطلنطى، لن يستمر طويلا؛ لأن بايدن يلتزم الحذر إزاء الرئيس الأوكرانى لافتقاره إلى الخبرة حيث كان ممثلا ساخرا فى وقت سابق، وأن جهوده الأولية تهدف إلى تحقيق سلام مع روسيا.
وتابعت الايكونوميست أن أوكرانيا ليست بدون أصدقاء آخرين، حيث قام زيلينسكى بزيارة لتركيا بعد أسبوع واحد من تحدثه هاتفيا إلى بايدن، وأن تركيا تبيع لأوكرانيا نفس طراز طائرات الاستطلاع مُنخفضة التكاليف التي ساعدت أذربيجان على هزيمة أرمينيا خلال حربهما العام الماضي".
واختتمت المجلة تقريرها بأن الرئيس بوتين يشعر بعزلة متزايدة من جانب الغرب وهو حريص على العمل من أجل الحصول على اعتراف به، ويمكنه أن يزعم أنه حقق نصرا دبلوماسيا واحدا على الأقل، حيث ذكرت روسيا يوم الثاني والعشرين من مارس الماضي أن بايدن رفض عرضا روسيا بعقد مؤتمر عبر تقنية الفيديو كونفرانس، لكن بعد ذلك بثلاثة أسابيع وبالتحديد يوم الثالث عشر من شهر أبريل الجاري، وحينما حشدت روسيا مدرعاتها على الحدود مع أوكرانيا، عرض بايدن عقد قمة خلال الشهور القادمة، ولاشك أن الرئيس الأوكراني سيراقب الوضع بعصبية.