السبت 4 مايو 2024

كليلة ودمنة.. حكاية «ابن آوي والأسد والحمار»

كليلة ودمنة

ثقافة30-4-2021 | 19:29

ياسمين عزت

تقدم بوابة "دار الهلال" لقرائها حكايات خلال شهر رمضان الكريم، من أجل إثراء الخيال وتزويد المعرفة لديهم، وكانت بعض حكايات كليلة ودمنة أحد اختياراتنا لمتابعينا الكرام، وهي من كتاب كليلة ودمنة، ذلك المؤلف الذي أجمع الباحثين على أنه من التراث الهندي، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية في العصر العباسي، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، على يد عبد الله بن المقفع، وأمر بترجمته كسرى الأول، للاستعانة به في أمور رعيته.

 كليلة ودمنة كتاب الفصول الخمسة، يحتوي على خمسة عشر بابًا رئيسيًا يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات، مثل قصة ، تلك حكايتنا الجديدة  خلال شهر رمضان المبارك.

حكاية ابن آوى والأسد والحمار:


زعموا أنه كان أسد في أجمة، وكان معه ابن آوى يأكل من فضلات طعامه،  فأصاب الأسد جرب و ضعف شديد وجهد، فلم يستطع الصَيد فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد الأسباع قد تغيرت أحوالك؟ قال: هذا الجرب الذي قد جهدني و ليس له دواء إلا قلب و حمار وأذناه،  قال له ابن آوى ما أيسر هذا، و قد عرفت بمكان جمار مع قصار، يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به،  ثم دلف إلى الحمار، فأتاه وسلم عليه وقال له ما لي أراك مهزولا ؟ قال: لسوء تدبير صاحبي، فإنه لا يزال يجيع بطني و يثقل ظهري، وما تجتمع هاتان الحالتان على جسم إلا أنحلتاه، و أسقمتاه، فقال له: كيف ترضى المقام معه على هذا ؟ قال: مالي حيلة للهرب منه، فلست أتوجه إلى جهة إلا أضر بي إنسان، فكدَني وأجاعني.


قال ابن آوى: فأنا أدلَك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيع قطيع من الحمر ترعى آمنة مطمئنة.
قال الحمار : و ما يحبسنا عنها فانطلق بنا إليها، فانطلق به نحو الأسد، وتقدم ابن آوى، ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار، فخرج إليه و أراد أن يثب عليه، فلم يستطع لضعفه، و تخلص الحمار منه فأفلت هلعا،  فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار قال له: يا سيد الأسباع أعجزت إلى هذه الغاية ؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدا ً،  فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك ؟ إن أحد الحُمر، رآك غريبا فخرج يتلقاك مرحَباً بك، و لو ثبتَ لآنسك و مضى بك إلى أصحابه، فلما سمع الحمار ذلك، ولم رأى أسدا قط ، صدَق ما قاله ابن آوى و أخذ طريقه إلى الأسد.

 فسبقه ابن آوى إلى الأسد وأعلمه بمكانه و قال له: استعدَ له فقد خدعته لك، فلا يدركـنـَك الضعف في هذه النوبة، فإن أفلت فلن يعود معي أبدا ً، و الفرص لا تصاب في كل وقت.


فجاش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار، فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها، ثم قال: لقد ذكرت الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الاغتسال والطهور، فاحتفظ به حتى أعود، فآكل قلبه وأذنيه، وأترك لك ما سوى ذلك قوتــًا لك.


فلما ذهب الأسد ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار، فأكل قلبه وأذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئا. ثم إن الأسد رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وأذناه ؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يعقل به، وأذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من التهلكة .